الرأي

قانون لتجريم التكفير وخطاب الكراهية

حسين لقرع
  • 1066
  • 9
ح.م

إذا كان معهد غالوب الأمريكي قد صنّف الجزائرَ في المرتبة السابعة عالمياً والأولى إفريقياً في قائمة الدول الأكثر أمناً في العالم، فإن الحفاظ على هذا المكسب الثمين، يتطلّب الحرص على صياغة قانون تجريم الكراهية الذي كشف وزيرُ الشؤون الدينية محمد عيسى عن الشروع في تحضيره، بشكلٍ يحارب فعلا خطابَ الكراهية والطائفية والنزعات الجهوية والعرقية.. حتى لا تكون سببا في عودة العنف أو تهديد وحدة الوطن وتفكيك النسيج الاجتماعي للجزائريين.
ينبغي أن نعترف أن هناك استسهالا شديدا لتكفير المسلمين، وتبديعهم وتفسيقهم والحكم بضلالهم وزيغهم وبأنهم أهلُ أهواءٍ وبدع.. وغيرها من الأوصاف النابية البعيدة عن روح الإسلام الذي يأمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن، ويكفي إلقاءُ نظرةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنات عموما، لنرى كيف تعجّ تعليقات بعض الجزائريين بالكثير من الحقد والكراهية والعداوة لكل من يخالفهم الرأي أو اختار لنفسه منهجا آخر غير منهجهم، وقد علّمتنا التجارب أن خطابا اقصائيا متشنِّجا عنيفا من هذا النوع ينزع أصحابُه إلى ممارسة العنف والإرهاب في مرحلةٍ لاحقة.. اليوم يقال لك “اتبعني أو أنت ضالٌّ مبتدع”، وغدا يقال لك “اتبعني أو أقتلك”.
ننتظر أن يشمل مشروع قانون تجريم خطاب الكراهية هذه المسألة بعمق، حتى يكون رادعا لكل الخطابات الإقصائية التي يتحامل فيها أصحابُها على مختلف طوائف المجتمع، ويتسبّبون في التوترات والصراعات، وهذا حتى يُجبَروا على تعلّم التعايش مع الآخرين وقبولهم.
ولا ريب أن خطاب الكراهية لا يقتصر على ذلك الخطاب الطائفي الإقصائي العِدائي ضد المخالفين، بل يمتدّ أيضاً إلى جوانب أخرى جهوية وعرقية قد نشاهد تجلِّياتها في تصريحات فرحات مهني مثلا، أو حتى في ميادين كرة القدم، وتكون نتيجتُه سقوط قتلى من مختلف جهات الوطن وانتشار البغضاء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، فتتوتّر الأجواء ويتوعّد أبناءُ بعض الجهات أبناءَ جهاتٍ أخرى بالويل والثبور وعظائم الأمور كما شاهدنا مؤخرا بعد نهاية مقابلة شبيبة القبائل ومولودية الجزائر بقسنطينة.
وإذا كانت مكافحة مظاهر العنف هنا ضرورية، فإن الأهمّ من ذلك هو محاربة خطاب الكراهية الذي يفجّر هذا العنف ويدفع أبناء الوطن الواحد إلى ما يشبه الاحتراب في الملاعب، ثم مواصلة “المعارك” في مواقع التواصل الاجتماعي التي عجّت بخطابات كراهية شديدة بين أبناء الجزائر العاصمة والقبائل وقسنطينة في الأيام الأخيرة فاقت ما عشناه بين الجزائريين والمصريين عقب مقابلة أم درمان الشهيرة في 18 نوفمبر 2009. أليس مروّجو خطاب الكراهية بين الجزائريين من مسؤولين رياضيين وإعلاميين وغيرهم أجدرَ بالعقاب من فتى مناصر تأثّر بهم ورمى حجرا ليقتل به أخاه الجزائري؟ إذا كانت كرة القدم ستخلق نعراتٍ جهوية وعرقية خطيرة، فلماذا لا نوقفها حفاظا على وحدة الجزائر والجزائريين؟
لقد بات حتمياً وضعُ قانون يجرّم خطابَ الكراهية بشتّى أنواعه ويعاقب مرتكبيه بشدّة، إذا أردنا فعلاً وضع حد للانزلاقات التي تحدث بمسميات طائفية أو جهوية أو عرقية.. لا بدّ من معالجة المسألة بـ”تبصّر” كما قال رئيسُ الجمهورية في رسالته بمناسبة يوم العلم، ولكن بشجاعةٍ أيضاً، وكل تأخّر أو تقاعس قد يكلف الوطن غاليا في وحدته وأمنه واستقراره.

مقالات ذات صلة