-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قلعة “المشور” شاهدة على معاهدة التافنة

الشروق أونلاين
  • 11006
  • 0
قلعة “المشور” شاهدة على معاهدة التافنة

يتردد تاريخ مدينة تلمسان في صدى حجارة هندستها المعمارية المتراصة، بتخوم وقلاع تبقى شاهدا على حضارة مرت من هنا. وتستحضر هذه المباني التاريخية حياة الملوك والسلاطين الذين مروا بها في تلك الفترة وتلهم كل من يمر بها، ويعد قصر المشور القلعة العتيدة واحدا من هذه التخوم التي تشي بمكانة من عاش فيها، وتوثق لفترة تاريخية هامة.

دليلي السياحي هذه المرة رجل بذاكرة الفيل، إنه يحفظ تاريخ المكان لحظة بلحظة وكأني به آت من ذلك الزمن الجميل، خاصة حينما تتسع عيناه كلما حاصرته بالأسئلة، فيحتضنها بطريقة الراوي الحكيم، ليعطيني الزمان والمكان والأجواء مع الخيال، حدثني فقال: يعد المرابطون هم أول من حط الرحال بالمكان الذي أصبح فيما بعد معروفا بقلعة المشور، ثم جاء السلطان “يغمراسن” الذي كان في بداية حكمه يقيم في القصر القديم بتلمسان، إلى غاية بناء صومعة المسجد، التي يبلغ طولها حوالي 25 مترا ذات طابقين وزوايا مربعة التصميم، ومع الوقت صارت المئذنة تطل على القصر وتشرف على صحنه، وعندئذ اضطر السلطان إلى تغيير مقر إقامته حتى لا يترك مجالا للمؤذن وغيره، لرؤية داخل القصر وحتى لا يعرض حريمه لنظرات الأجانب والمتطفلين، فقرر تشييد قصر جديد يليق بمقام الملوك، ويتطابق وتقاليد السلاطين المسلمين في ذلك الوقت، فاختار مكانا بجنوب المدينة وبنى فيه قصره، وهو عبارة عن قلعة أو قصبة، وسماه المشور تمييزا له عن القصر القديم، وقام بتخطيط القصر على شكل قلعة، مستطيل الشكل طول ضلعه 490م وعرضه 280م، ويقال إن كلمة المشور تعني المكان الذي يعقد فيه أمير المسلمين السلطان اجتماعاته مع وزرائه وكتابه وضباطه، لمناقشة شؤون الدولة والتشاور في أمور الرعية وقت السلم ووقت الحرب، وفي سنة 717هـ/1317م أضاف له السلطان أبي حمو موسى الأول (707-718هـ/1307م-1318)، معلمين معماريين آخرين هما قصر ومسجد خاص بالأمراء ورجال الدولة والأعيان، يؤدون فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمس، ويحيط بالمشور سور عال يضم قصورا عديدة صغيرة، إلى جانب قصر السلطان، مبنية بأسلوب معماري فني بديع ومزينة بزخرفة رفيعة، وبمحاذاة الأجنحة يتواجد في باحة القصر بستان وحوض مائي رحب تنتصب في منتصفه نافورة بها شرفات مسننة بلمسة عربية خالصة، مبرزة عراقة حضارة الدولة الزيانية في الجزائر، التي استلهمت أصول الفن المعماري من فن بلاد الأندلس بواسطة الرحالة والمهجرين الذين استقروا بتلمسان منذ ما يقارب العشرة قرون أو أكثر. وأهم ما يميز قصر المشور زخرفة عربية إسلامية، لجملة واحدة تتكرر على كل الجدران، في كافة الغرف والأجنحة، هي “العز القائم بالله الملك القائم بالله”، ليلفظك كل هذا الجمال لأحد البابين، واحد يقع في الجنوب ويطل على البادية تجاه الجبل وهو باب “الجياد”، وباب “الغدير” باتجاه وسط المدينة. ويؤكد المتحدث أن الأمير عبد القادر الجزائري أقام بهذا القصر مدة أربع سنوات كاملة خلال توقيع معاهدة “التافنة” مع الجنرال “بيجو”، ثم خرج منه بعد نقض المعاهدة، وفي فترة الاحتلال الفرنسي، تم تحويل القلعة إلى ثكنة عسكرية، وأزيلت العديد من الآثار التي كانت متواجدة به، كما حول قصر المشور إلى مستشفى عسكري، ثم إلى معلم ديني، كما كانت بالنسبة للمستعمرين الحصن المنيع الذي يؤمنهم من ضربات المجاهدين الجزائريين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!