-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كلامٌ في الإنتخابات

كلامٌ في الإنتخابات

الرقابة على الإنتخابات موضوعٌ هام جدا، كما أنه موضوع شائك ومعقّد من عدّة أوجه لعلّ على رأسها أهمية العملية الإنتخابية ذاتها باعتبار نتائجها تعبيرا عن الخيار الشعبي والسيادة الشعبية، والتي هي بحكم النص الدستوري مصدر شرعية المؤسسات وكذا المسؤولين فيها وعليها.

وتهدف الرقابة في مجال الإنتخابات إلى التّأكد من صحتها وضمان احترام النصوص والأحكام المنظِّمة لها عند انتخاب الممثلين في مؤسسات الدولة، ويكتسي الموضوع أهمية بالغة باعتبار أنّ الأمر يتعلّق بالتمثيل الديمقراطي الحر للشعب الذي هو مصدر السيّادة.

سنحاول في هذه الورقة أن نسلّط الضوء على فكرة التّأكد من صحة العملية الإنتخابية فقط من أوجه تبدو غاية في الدّقة وتطرح تساؤلات شتى يصعب معها الجزم دائما بأنّ الرقابة وحدها كافية للاطمئنان إلى سلامة العملية الانتخابية.

ويمكن مناقشة هذه الإشكالية بإثارة النقاط التالية:

أولا: هل يمكن التّأكد من صحة العملية الإنتخابية باحترام النصوص والقواعد المُنظِّمة لها فقط؟

ثانيا: شروط أخرى خارج القواعد والنصوص المُنظِّمة للعملية الإنتخابية يمكن أن تُؤثّْر في النتائج وتحدد وجهتها.

ثالثا: أحكامٌ أخرى متعلقة بإرادة الشأن العام وجب أخذها بعين الإعتبار، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  1. أولوية إلتزام المؤسسات الدستورية بصلاحياتها دون تجاوزها تحت أي ذريعة كانت إلّا بما يجيزه القانون الأساسي للبلاد.
  2. إستقلالية قانونية وفعلية للقضاء.
  3. الضمان الفعلي والتطبيقي للحقوق والحريات الفردية والجماعية من جهة، وعدم اتخاذ هذه الحقوق والحريات وسيلة للضرر بثوابت المجتمع ووجود الدولة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ عرض ومناقشة النقاط أعلاه لا تُشكِّل إلماما تامّا بموضوع الرّقابة، ولكنها مرتكزات أساسية في صيرورتها ومآلاتها.

   أولا: هل يمكن التّأكد من صحة العملية الإنتخابية باحترام النصوص والقواعد المنظمة لها فقط؟

يُرجِع السّاسة ورجال الإعلام والمتتبعون للشأن العام بل وحتى الباحثون عدم الإطمئنان لنتائج الإنتخابات وعلل العملية الإنتخابية وفسادها إلى القوانين والقواعد التنظيمية التي تحكمها، وذلك إمّا لنقصها  أو قصورها أو عدم عدالتها أو ضبابيتها كونها حمّالة أوجُه في التفسير والفهم لتفتح المجال للممارسات المشبوهة.

وهذه القناعة ليست خاطئة على إطلاقها، ولكنها ليست أيضا صائبة دائما.

إعتقد الكثيرون أنّ فتح الباب أمام المراقبين للعملية الإنتخابية سواء كانوا ممثلين للجهات المرشَّحة أو المجتمع المدني أو حتى لبعثات دولية ضامنة لسلاسة العملية الإنتخابية، وتبيّن عمليّا أنّ هذا الاعتقاد ليس صحيحا غالبا.

يُرجِع السّاسة ورجال الإعلام والمتتبعون للشأن العام بل وحتى الباحثون عدم الإطمئنان لنتائج الإنتخابات وعلل العملية الإنتخابية وفسادها إلى القوانين والقواعد التنظيمية التي تحكمها، وذلك إمّا لنقصها  أو قصورها أو عدم عدالتها أو ضبابيتها كونها حمّالة أوجُه في التفسير والفهم لتفتح المجال للممارسات المشبوهة.

ثم ذهب الإعتقاد إلى إضافة قواعد ضبط جديدة وإدخال التغييرات المطلوبة على النصوص والقواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بالعملية الإنتخابية وإلزام الجهات القائمة عليها. ومن أمثلة ذلك إجبار الجهات المنظِّمة بتقديم نسخة من محاضر الفرز على مستوى كل المكاتب الانتخابية والسّماح للإعلام بمتابعة العملية الانتخابية إلى غاية الإنتهاء من عملية الفرز. كما أُدخلت تعديلات مهمّة على مسألة السماح للمراقبين بمتابعة العملية يوم الإنتخابات إلى غاية الحصول على مَحاضر الفرز لكل ممثلي المرشحين والقوائم، بل أعطى القانون لكل مواطن ناخب حق حضور عملية الفرز إن أراد.

ثم استُجيب للمطلب السياسي التاريخي، وذلك بإيجاد هيكل مراقبة مستقل بنص الدستور (تعديلات 2016). بل أبعد من ذلك إيجاد هيكل يتولى الإشراف الكلي على العملية الإنتخابية ويكون مستقلا تماما عن السلطات الثلاثة في الدولة (دستور 2020) وقد كان هذا طلب المعارضة السياسية منذ بداية التعددية السياسية في البلاد. وتأكّد هذا الطلبُ بشكل واضح عقب الإنتخابات التشريعية والمحلية سنة 1997 إثر عمليات التزوير الفاضحة التي شهدتها تلك الإنتخابات. وأكدت لجنة التحقيق البرلمانية حينها ضرورة إيجاد هذه الهيئة المستقلة والمُشرفة كلية على كل مراحل العملية الإنتخابية.

ورغم إجراء كل هذه التعديلات القانونية المتتالية وغيرها من التحسينات الرقابية، إلّا أنّ تنظيم ونتائج العملية الإنتخابية لا يتعلق بالتعديلات القانونية فحسب –رغم أنّ مثل هذه التعديلات تبقى مطلبا متجددا في كل البلدان وعند حلول كل موعد انتخابي-    ولكنه يتعلق بأمور أخرى.

ثانيا: شروط أخرى خارج قواعد النصوص المنظمة للعملية الإنتخابية يمكن أن تؤثر في النتائج وتحدد وجهتها.

يُكيَّف حق الفرد السياسي في أن يكون ناخِبا ومنتخَبا على أنه حق من حقوق الإنسان. وقد تضمنت المواثيق الدولية وكذا القوانين الأساسية للدول أنّ الإنتخابات هي الوسيلة الوحيدة للشرعية الشعبية. فهل يتحقق هذا الحق فعلا بمجرد ذهاب الناخب لوضع ورقة الإنتخابات في الصندوق، أم أنّ جوهر هذا الحق ينصبُّ على صحة إرادته في الإختيار؟

والإجابة عن هذا السؤال هي جوهر الإشكالية في الإنتخابات؛ فمن حيث الشكل، إذا مارس الشخص حق مشاركته في العملية الإنتخابية استوفى ما يطلبه القانون وما يقرره له من حق. غير أنّ المشكلة تُطرح في مدى حرية إرادته في الإختيار، فقد تكون العملية الانتخابية من ناحية شكل تطبيق النص القانوني سليمة، ولكن مضمون الممارسة فيما يقصده المشرِّع لا يتحقق، فتكون العملية الإنتخابية سليمة من ناحية الشكل وفاسدة من ناحية المضمون والموضوع؛ ذلك أنّ شروطا أخرى خارج القواعد والنصوص المنظمة للعملية الإنتخابية تؤثر في النتائج وتحدد وجهتها. ومن هذه الشروط: المؤثرات الإجتماعية والمعاشية والثقافية التي تطال إرادة الناخب فتوجِّهها وتلحق بها عيبا من عيوب الإرادة والذي قد يصل إلى تشويه التصرف بل وإبطاله.

.. يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!