-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف تتمنّى أن ترحل عن هذه الدّنيا؟

سلطان بركاني
  • 7920
  • 0
كيف تتمنّى أن ترحل عن هذه الدّنيا؟

صحافيّ يفارق الحياة أثناء صلاة المغرب في مستشفى الأمير عبد القادر بقسنطينة.. شاب ثلاثيني يُسلم روحه وهو يقرأ القرآن في بيته بعد عودته من صلاة العشاء في المسجد.. معمّرة تفارق الحياة ليلة الجمعة عن عمر ناهز 114 سنة في قسنطينة، بعد أن اكتحلت عيناها برؤية 80 حفيدا.. هي نهايات وخواتيم نحسبها حسنة لعباد لله نعدّهم من الصالحين، ولا نزكّي على الله منهم أحدا؛ رحلوا عن هذه الحياة الدّنيا وختموا أعمارهم بطاعات يحبّها الله، ليبعثوا يوم القيامة على ما ماتوا عليه بإذن الله.

مهما عاش الإنسان في هذه الدّنيا من سنوات، ومهما عمّر من عقود، فإنّه ولا شكّ راحل في يوم لا يعلم أوانه إلا الله.. كلّنا سنرحل، لكن لا أحد منّا يعلم متى ولا أين ولا كيف يرحل.. ربّما لا يهمّ كثيرا متى يرحل الإنسان ولا يهمّ المكان الذي يرحل فيه، لكنّ الأهمّ هو كيف وبعد ماذا يرحل؟ هل يرحل وهو على طاعة من الطّاعات؛ وهو يصلّي بين يدي الله يرجو رحمته وفضله ويخشى عقابه وعذابه، وهو يتلو آيات أعظم كتاب يرجو رقّة قلبه ورضا مولاه، وهو يسعى في تقديم العون لإخوانه من حوله، يرجو ما عند الله، وهو يسعى في طلب الرّزق الحلال لأهله وأبنائه يبتغي الأجر من الله؟… أم إنّه سيرحل وهو مقيم على معصية من المعاصي؛ وهو عاكف على أغاني الغرام ومواقع الخنا والحرام؟ وهو يتشبّب ببنات المسلمين ويشيع الفساد بين المؤمنين، وهو يلاحي ويخاصم إخوانه لأجل حظّ من الدّنيا زائل؟…

الحال التي يرحل عليها الإنسان عن هذه الحياة الدنيا، هي منحة ربانية وثمرة لما يقدّمه العبد في حياته من أعمال، فإن كانت خيرا كان رحيله على خير، وإن كانت غير ذلك رحل على ما عاش عليه وله، ولا يظلم ربّك أحدا.

لهذا، فإنّ العبد المؤمن الموقن بلقاء الله وبالحساب، يجاهد نفسه على أن يعيش حياته لله وعلى شرع الله، ومهما ضعف إيمانه وزلّت قدمه، فإنّه يسارع بالعودة إلى طريقه، ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، هو يعلم أنّ الله لم يكلّفه أن يكون ملكا كريما لا ينسى ولا يسهو ولا يغفل ولا يخطئ، وإنّما أراده أن يكون عبدا توابا، أوابا لا يصرّ على الغفلة والمعصية، ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)).

إنّ أروع وأمتع حياة هي الحياة التي يعمل فيها العبد المؤمن لرحيل مشرّف عن هذه الدّنيا، رحيل يكون تتويجا لحياة عامرة بالإيمان والطّاعات؛ همّه الأكبر فيها أن يحظى برضا مولاه، يتزوّد فيها من الصّالحات، ويسعى ليترك فيها أثرا يُحمد به وتلهج له الألسن بالدّعوات، لكنّ غايته الأسمى هي أن يحظى بثاء حسن من مولاه، يرفعه به درجات في دار الخلد والكرامة، همّه أن يُرفع له كلّ يوم عمل صالح يتقبّله الله ويُكتب في ميزان حسناته ليعاينه يوم يأخذ كتابه يوم القيامة ويثقل به ميزانه يوم العرض.. يقول أحد الدّعاة: “ستمكثون تحت الأرض زمنًا لا يعلم مداه إلا الله، لن تتمكنوا فيه من أي عمل تنتفعون به ولو تسبيحة، فخُذوا من حياتكم لموتكم، هناك أناس بسطاء يعيشون معنا على الأرض، لا مال، ولا جاه، ولا منصب في هذه الدنيا الفانية، ولكنّ أملاكهم في السماء عظيمة، قصورهم تُبنى وبساتينهم تُزرع، فأكثروا من الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!