-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا ترفض إسرائيل سقوط بشار الأسد؟

حسان زهار
  • 7731
  • 0
لماذا ترفض إسرائيل سقوط بشار الأسد؟

كشفت إسرائيل أخيرا، عبر وسائل إعلامها المختلفة، عن حقيقة دورها الخفيّ، وما تخطط له مستقبلا في خضم الصراع القائم اليوم في سوريا، واللافت فيما تطرَّقت إليه الصحافة الإسرائيلية ومنها صحيفتا “معاريف” و”جوريزاليم بوست” قبل أيام فقط، وكذا في دراسة نشرها بالتوازي معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، حقيقة في غاية الخطورة، مفادها أن إسرائيل، هي وليس غيرها، من يصنع مستقبل سوريا الآن، وكل منطقة الشرق الأوسط، فلا أمريكا التي توصف بالقوة العظمى، ولا روسيا التي تحتل سوريا عسكريا، ولا إيران التي تحتلها طائفيا، ولا تركيا أو قطر وحتى السعودية، لهم القدرة والمصلحة والإستراتيجية على صناعة هذا المستقبل، وأقصى ما يمكن أن يؤدُّوه هو أن يكونوا أدوات لهذا المشروع الجهنمي الصهيوني، بتفتيت أرض الشام، وجلب الدماء لهذه البقاع المقدسة، أكبر قدر وأطول وقت ممكنين، خدمة للهدف الأكبر وهو “أمن إسرائيل”.

ومن النقاط الأبرز التي يمكن تلخيصها من هذه التسريبات والمعطيات، المدعمة بالتوجهات الجديدة لإدارة دونالد ترامب، نقاط ومعطيات في غاية الخطورة، لكنها وللغرابة في مجملها صادمة لدعاة الممانعة، خاصة عندما يظهر جليا أن بقاء الأسد في الحكم هو مطلبٌ إسرائيلي لا تنازل عنه، وأن هذا الموقف الإسرائيلي، كان كلمة السر الحقيقية التي أبقت بشار الأسد في منصبه طوال سنوات الثورة الست، وأن نظام الممانعة في دمشق، لا يمانع إطلاقا في التعاون مع إسرائيل لضمان بقائه جاثما على رقاب السوريين.. وهذه النقاط كالتالي:

1- رفض إسرائيلي قاطع لسقوط بشار الأسد، لكونه بالنسبة لهذا الكيان الغاصب، الوكيل الأكثر وثوقا به لضمان أمن إسرائيل، ولحماية الأقليات الدينية وخاصة المسيحيين بالنسبة للغرب، وهو الموقف الذي ظلت إسرائيل تواربه، قبل أن يصبح اليوم حقيقة ماثلة، دعمه بشكل واضح أخيرا، الموقفُ الرسمي الأمريكي بعد فترة وجيزة من صعود ترامب إلى البيت الأبيض، والتصريحات المتتالية للمسؤولين الأمريكيين، ومن بينهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون والمتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، وتصريح سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، والتي كانت في مجملها تدور حول أن “الحديث عن مصير بشار الأسد ليس أولوية”، و”إن هناك واقعا سياسيا جديدا علينا أن نتقبَّله”.

استمرار الحرب مصلحة إسرائيلية عليا، وقد أكد هذا الأمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غاندي ايزنكوت، خلال مؤتمر عقده قبل أيام مع رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، أن “من مصلحة إسرائيل استمرار الواقع الحالي في سوريا سنوات طويلة”.

واللافت في هذه الاستدارة الأمريكية، هو آثار الدور الإسرائيلي الواضح، والذي بسببه انتقلت أمريكا من مقولة أوباما السَّمجة، بأن بشار الأسد فقد مشروعيته وعليه مغادرة الحكم، إلى حكاية ترامب الجديدة عن كون الموضوع ليس أولوية، وأن هنالك الآن واقعا جديدا، وأن داعش أخطر من الأسد، وما إلى ذلك… 

2- النقطة الثانية التي تلي المطلب الأول مباشرة، حسب هذه التسريبات الإسرائيلية، هو العمل على إعادة قوَّات الأسد، إلى حدود إسرائيل الشمالية، وتحديدا جنوب الجولان المحتل، باعتبارها قوَّات أثبتت قدرتها على حماية أمن إسرائيل منذ العام 1973، حيث لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الأراضي المحتلة، مع العمل بكل قوة لطرد ميليشيات إيران بمختلف تشكيلاتها المسلحة من تلك المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، لكونها قوات غير مؤتمَنة، وقد تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، وهو المعطى الذي عبر عنه المسؤول الإيراني مصطفى زهران مؤخرا، وعندما أكد على أن “الأسد أدار ظهره لطهران”، على اعتبار أن الأسد بات حاليا يراهن على الدور الروسي أكثر من الدور الإيراني لبقائه في السلطة، وكذا بعد التسريبات التي تحدثت عن تنسيق أمريكي إسرائيلي وربما روسي لمنع إيران من إقامة قاعدة عسكرية لها دائمة في سوريا.

3- النقطة الثالثة، وهي كون سوريا حقل رماية إسرائيلية بامتياز، لا يجوز لأي قوة في الأرض أن تحاسبها عليه أو تسألها عنه، وقد أثبتت إسرائيل هذه الحقيقة عمليا، طوال السنوات الماضية، عندما قامت خلالها بما لا يقل عن 19 غارة منذ العام 2013.. من دون أن يكون لنظام الممانعة الجرأة على الردّ ولو مرة واحدة، وكان دائما يتوعَّد بألفاظ جوفاء تدعو إلى السخرية عن احتفاظه بحق الرد في الوقت والزمان المناسبين، وذاك إلى غاية الغارة الإسرائيلية الأخيرة، حين رد فيها هذا النظام بخجل شديد، عبر إطلاق صاروخ مضاد للطيران قالت إسرائيل أنها أسقطته بمنظومة صواريخها شمال القدس، قبل أن يأتي الرد الإسرائيلي حاسما، بأنها ستلجأ في المرة القادمة في حال تجرَّأ الدفاع الجوي السوري على اعتراض الطائرات الإسرائيلية، إلى تدمير هذه المنظومة الدفاعية بالكامل، مع ملاحظة أن التفاهمات الروسية الإسرائيلية واضحة أيضا بهذا الخصوص، وقد كانت مجمل اللقاءات الثنائية السابقة بين بوتين ونتنياهو تتمحور حول حق إسرائيل في ضرب أهدافها داخل سوريا، من دون أن يكون للانتداب الروسي في المنطقة حق الاعتراض على ذلك.

4- الحقيقة الرابعة، هي أن إسرائيل هي التي كانت وراء نزع السلاح الكيماوي من نظام الأسد، باعتباره سلاح ردع فائق الخطورة، وأنها هي من كانت وراء وقف الهجوم الأمريكي الوشيك على نظام الأسد، ساعات قليلة من إصدار باراك أوباما أوامره بالضرب، وقد كان لافتا في تلك المقايضة الرخيصة، أن استعمال نظام الأسد لسلاحه الكيماوي ضد شعبه في أوت 2013، والذي أثبتته كل الحقائق، لم يكن “خطا أحمر” كما ظل أوباما يدَّعي ذلك طوال سنوات الثورة الأولى، بقدر ما كان خطا أحمر بأن يفكر نظام الأسد في استعماله يوما ضد إسرائيل، أو ابتزازها به، وهو ما استغلته إسرائيل جيدا، وجرَّدت نظام الممانعة من أقوى أسلحته “غير التقليدية”، بعد أن شتت قواه العسكرية التقليدية عبر التمسُّك به رئيسا لسوريا ودفعه دفعا لتدمير هذا البلد بشتى أنواع الأسلحة والبراميل المتفجِّرة، خدمة للمخطط الصهيوني الأكبر، في إضعاف القوة العربية من الداخل، حتى لا تقوم لها قائمة في أيِّ مواجهةٍ مستقبلية مع إسرائيل.

5- الحقيقة الخامسة، أن إسرائيل بشكل أو بآخر، لعبت دورا حاسما في بقاء المشكلة السورية قائمة إلى يومنا، وكانت وراء إخفاقات كل المحاولات الحثيثة السابقة لحلها دبلوماسيا، لأن الحل السياسي الذي يفرض ذهاب الأسد لن تقبل به بكل الأحوال، كما أن استمرار الحرب مصلحة إسرائيلية عليا، وقد أكد هذا الأمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غاندي ايزنكوت، خلال مؤتمر عقده قبل أيام مع رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، أن “من مصلحة إسرائيل استمرار الواقع الحالي في سوريا سنوات طويلة”، مشيرا إلى أن الهدوء في الجبهة الشمالية مع سوريا، استمرَّ بشكل كبير منذ حرب 73، وذلك على الرغم من الحرب الطاحنة التي اندلعت داخل البلد منذ ست سنوات، ما يعني أن استمرارها بالظروف الحالية، لا يشكل أي تهديد لأمن إسرائيل بل يخدم مصالحها على المديين المتوسط والبعيد.

6- تقسيم سوريا إثنيا وطائفيا، بدليل السكوت من البداية على دخول الميلشيات الشيعية الطائفية، ودخول حزب الله، لمواجهة الأغلبية السنية، ثم دعم القوى الكبرى، أمريكا وروسيا بتوافق مع إسرائيل، لتلك الميليشيات الطائفية، بالقوة الجوية لأكبر دولتين في العالم، علاوة على الدعم الفاضح للدولتين العظميين، بموافقة إسرائيلية، للأكراد، وتحديدا للأحزاب الكردية الانفصالية، على غرار حزب العمال الكردستاني، والـ”بي يي دي”، وما يُسمى قوات سوريا الديمقراطية، وهي كلها تنطلق من مبدأ إقامة دولة انفصالية شمال سوريا، بما يعني ذلك ضرب استقرار تركيا، ثم تبرير إقامة سوريا المفيدة في دمشق والساحل، إذا ما عجز الاحتلالان الروسي والإيراني عن ضمان الاستقرار وإخضاع الأغلبية السُّنية المنتفضة ضد الدكتاتورية والحكم الوراثي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!