-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا ليس لك هذا؟

لماذا ليس لك هذا؟

لا أعلم من هو أول من أطلق شعار “من أين لك هذا؟” وهو شعار جميل يراد به معرفة مصادر أموال المسلمين -خاصة المسئولين -، أمن حلال هي أم من حرام؟

لقد رفع كثير من حكام المسلمين – عبر تاريخهم –  هذا الشعار، ولكن منهم من رفعه صادقا، اجتهد في تطبيقه على نفسه، وعلى أقاربه، وعلى أصحابه؛ وأكثرهم رفعوه – ويرفعونه اليوم – نفاقا يراءون به الناس، ويستغفلونهم، لأنهم لم يعملوا في أثناء حكمهم إلا بعكس هذا الشعار، حيث يستغلون سنوات حكمهم – ومسئوليتهم – لنهب المال العام، والرشوة، وتوزيع الأموال والمشروعات على الأقارب والأصحاب، وتبذيرها في إشباع الشهوات، في الوقت الذي يموت فيه كثير من الناس جوعا، أو يعيشون معيشة ضنكا.. إن هؤلاء المسئولين – بمختلف مسئولياتهم ودرجاتها – الذين يتظاهرون بالنزاهة ويفعلون غيرها هم ممن ينطبق عليهم قوله تعالى: “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه، وهو ألدّ الخصام، وإذا تولّى ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتّق الله، أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم، ولبئس المهاد “. (البقرة 204 205).

إن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن الناس في العالم الإسلامي لم يعودوا يسمعون – مجرد السماع – هذا الشعار، لأن أكثر المسئولين – في مختلف المستويات والمسئوليات – بلغو من الوقاحة في ممارسة السرقة، والرشوة درَكَة ليس بعدها درَكَة، ولم يعودوا يخشون الله، ولا يستحيون من الناس؛ بل صاروا يجاهرون بما يستولون عليه مما لا حق لهم فيه..

كنت ذات يوم مع الأستاذ عبد الحميد مهري – رحمه الله – وكان معنا صحفي معروف، فقص علينا قصة جزم أنها حقيقية، حيث ذكر أن مجموعة من كبار المسئولين اجتمعوا منذ سنوات خلت، فقال أحد أولئك المسئولين: لابد من رفع شعار “من أين لك هذا؟”، في هذه المرحلة، لنستطيع تجنيد الشعب، لأن الظروف الإقليمية والدولية خطرة، ووطننا مستهدف؛ بسبب مبادئه الثورية، ومواقفه الأصيلة، وثرواته الكثيرة.. والإمبريالية متحفزة ونهمة.. سكت ذلك المسئول، ونظر الجمْع بعضهم إلى بعض، وساد صمت لمدة قصيرة.. ثم قطع مسئول آخر ذلك الصمت بنحنحة أزعجت  الجمع، وقال: إذا كان صاحبنا قد طلب منا أن نرفع شعار” من أين لك هذا؟”، فأنا أقول إن الشعار الذي يجب أن نرفعه هو “لماذا ليس لك هذا؟”.

ارتسمت علامات الاستغراب والتعجب على وجوه الحاضرين، وتبادلوا النظرات فيما بينهم، فلما رأى “صاحبنا” ذلك، تنحنح مرة أخرى، وقال: إن “الفلسفة التي أؤمن بها، وأعمل بها هي أن من لم ينفع نفسه ومن حوله من أقارب وأصحاب لا ينفع غيره…وراح يجادل عن “فلسفته”، ويحاول أن يقنع بها من كان معه في ذلك المجلس… ولن يقتنع بها إلا من سفه نفسه، وغلبت عليه شقوته.

إن ما نقرأه في الجرائد، وما نسمع عنه ونراه من كثير من المسؤولين “الكبار” في وطننا، الذين إذا رأيناهم تعجبنا أجسامهم، وإن يقولوا نسمع لأقوالهم، ونصفق لهم، ونتحيز لهم، يجعلنا نجزم أن أصدق شعار يطبقونه هو “لماذا ليس لك هذا؟.

إن آخر ما سمعناه وقرأنا عنه هو هذه الفضيحة التي تولى كبرها بعض “كبار” المسؤولين في شركة” سوناطراك”، ولولا الإيطاليون الذين اكتشفوها، وكشفوا أكابر مجرميها ـ هنا وهناك ـ لما سمعنا عنها.

عندما نسمع بعض “كبار” المسؤولين عندنا يتحدثون عن التضحية والوطنية، “نحتقر” أنفسنا، و “نشك” في وطنيتنا، لأننا ـ بانخداعنا لهم ـ نحسبهم من “خير القرون” أمانة، وإخلاصا، ولكننا إن اقتربنا منهم سددنا أنوفنا من رائحة الخيانة التي تنبعث منهم، رغم العطور القوية التي يستعملونها لتغطية تلك الرائحة الكريهة.

إنهم ـ لجهلهم ـ يحسبون الأمر هينا، وهو عند الله عظيم، لقد ران على قلوبهم، فلم يعودوا يخجلون مما يكتب عنهم مما يمارسونه من رشاوى وسرقات، وصفقات مغشوشة.

لقد قرأت في كتاب “ذاكرة ملك”، وهو عبادة عن حوار طويل أجراه صحافي فرنسي مع الحسن الثاني، أن الذي يزعجه ـ في وطنه المغرب ـ هو أن الرشوة صارت تمارس على مستوى أبسط الموظفين، لأنه يعلم ممارستها على مستوى الموظفين “الكبار”. وهذا في الغالب هو السائد في العالم العربي.

إن الوظائف كلها ـ من أدناها إلى أعلاها ـ في جميع الميادين هي أمانات يجب على من تولاها أن يؤدي حق الله ـ عز وجل ـ وحقوق عباده فيها، ومن قصر في آدائها، أو استغلها لمآرب خاصة فقد خان الله، ورسوله، والمؤمنين وهو يعلم. وقد أنبر “الأمين” رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، وما أكثر تفريطنا في الأمانات، ولكن المفرطين دركات، كما أن مؤدي الأمانات درجات. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
26
  • merghenis

    الأخ لزهر ،
    «كنت اسمع الى سورة مريم قال من اين لك هذا قالت هو من عند الله »
    التصحيح : 1/ سورة آل عمران 2/« قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ » الآية 37
    و السلام

  • مصطفي

    ان استحواذ الحاكم على المال العام لنفسه و ذويه من عاداتنا المتجذرة في ثقافتنا و موروثنا الحضاري. فهذا العالم و المؤرخ الكبير ابن خلدون يكتب بكل براءة و تلقائية عن حبه للمناصب و ميله لممارسة السلطة لما يتيحه ذلك من رفاهية و عيش رغيد لصاحب المنصب. و الحق يقال ان الرغبة في محاسبة ولي الامر على كيفية صرفه للمال العام ظاهرة مستحدثة و بدعة لم يعرفها سلفنا الصالح و سلوك غريب مستورد من بلاد الكفار.
    انشروا كلمة حق بارك الله فيكم.

  • مصطفي

    اف من الخطابات الاخلاقية الفارغة! في اي زمان عبر التاريخ حوسب الحاكم العربي او المسلم على المال العام? الم يكن الاغتيال و الاقتتال الطريقة العادية للوصول الى الحكم منذ عهد الخلفاء الراشدين? وكل ذلك الم يكن من اجل الاستحواذ على المال العام و القصور و قطعان الجواري? الم يقتل صاحب رسول الله و زوج ابنتيه و خليفته عثمان لانه كان يوزع المناصب و الاموال على بني عبد شمس دون غيرهم? ثم انه الم يدافع عن نفسه قائلا انه يعطي لذويه كما كان يفعل الرسول? الم يفعل الشيء نفسه الصحابي الجليل و كاتب الوحي معاوية?

  • Yacine

    مازالو الرجال في هاد البلاد كما انت يا الشيخ.الله اطول في عمرك.هده الخرجة تسهل الفيسبوك.

  • merghenis

    مقال الدكتور الحسني فيه آيات من سورة البقرة ، و هذه الآيات جاء فيها عدد من الأخطاء. فحتى تصحح كلها رأيت أن أنقلها لكم. فيكفيني أنني عملت ما عليّ. و السلام.

  • عمر

    بارك الله فيك يا سليل جمعية العلماء المسلمين إنك تنور العقول بمقالاتك وتثلج الصدور بتحاليلك و تنشرح القلوب لتحاليلك وكشفك عن أعطان الفساد ومرابض المفسدين في الأرض
    بوركت ياشيخ *** لاقض فوك

  • عنتر عماد

    بارك الله فيك عهدنا مواقفك الجريئة واْتمنى لجنة مكافحة الفساد الفعلية وليس الشعارية العمل بكلامك حتى ترتاح البلاد والعباد من هؤلاء الجراثيم التي تنخر الامة بهذه السلوكات التي طال اْمدها من غير عقاب

  • أبوبكرإمام

    فلو أنك صبغت البحر بملء قارورة حمراء لما صبغت البحر الإنساني بالزاهد والمصلح، ما

  • أبوبكرإمام

    القول وسيلة دعوية ذكرها القرآن أكثر من مائتين مرة واستعملها الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام ولكن القول مهما كان منمقا وكانت العبارات ترتدي لبوسا خلابا ثم يقتصر عنها صاحبها وهناك وسائل أخري اشد فتكا في خاصرة الباطل يعرض عنها أحسب أنه يجب أن يراجع قصده إن الله تعالي بعث هذا الدين بنبي يهدي وسيف ينصر كما قال ابن تيمية ، ولله در مصطفي صادق الرافعي عندما قال فلو أنك صبغت البحر بملء قارورة حمراء لما صبغت البحر الإنساني بالزاهد والمصلح، مادام الزاهد شيئا غير الحاكم والمصلح شيئاغير السيف

  • hamid

    سيدي الفاضل ,ان هذه بديهيات في علمنا الاسلامي وانت تعرف -وانت العارف بتفاصيل التاريخ الاسلامي-ان هذه الممارسات بدات مباشرة بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام وبالضبط في خلافة سيدنا عثمان حيث اطلق ايدي بني امية ينتهكون اموال المسلمين ويعيثون في الارض فسادا بحجة ان الرسول كان يقدم اهله وهذا كذب كما تعلم لان الرسول قدم اهله في الشهادة في سبيل الله فقط .ونرى اليوم تحالف بين علماء السوء وامراء الفسق لنهب خيرات الامةالغنية-الفقيرة .نتمنى ان تكتب مقالا لنعرف سر ارتباط هذه الظاهرة بالمسلمين ,وشكرا

  • hamid

    جزاك الله خيرا هذا ما كنت اود التنبيه اليه

  • مسعود

    مرة رأيت أحدهم مدَّ يده إلى المال العام فقلت له هذا حرام.
    فلم يسكت ولم يتنحنح وأجاب بكل عزة وثقة:
    الحرام هو مالم تطله يدي فقط.

  • SID ALI

    ارجوكم من هذا الرجل الطيب

  • ابو مريم الجزائري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله في استاذنا الفاضل الحسني، وفتح الله عليه فتوح العارفين.

    ارجو تصحيح الآيات الكريمة - كما ذكر الاخوة بارك الله فيهم- :{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهاد (206)}

  • حمدي م

    اخي الهادي الحسني حياك الله واطال في عمرك لتكون المرشد والدال للخير والناهي عن المنكر والمبين للحق والزارع في النفوس الميتة روح الوطنية وحب الله ورسوله والابتعاد عن الرذائل فجزاك الله خيرا وابقاك لهذه الامة ذخرا وسندا قويا نلتهم من ارائك كل يوم خميس موضوعا قيما خير من كل مايكتب في الجرائد من تحريض وتفرقة بين المواطن ودولته عوض رفع معنوياته وحثه على الوحدة وحب الوطن . اما المرتشون واللصوص وذوو الجاه فمصيرهم جهنم من امثال شكيب خليل الذي هو من مزدوجي الجنسية الامريكية وزوجته الفلسطينية

  • lazhar

    السلام علي يا أخي الهادي و على القراءالكرام .لما كنت اقرأ مقالك كنت اسمع الى سورة مريم قال من اين لك هذا قالت هو من عند الله ...هل فعلا اذا طبقت الشريعة تكون هناك اختلاسات ابدا و لا ارغب ان اكون بيد واحدة .و اعتقد للقضاء على هذه فما على القاضي الاول في البلاد ان يعطي الالستقلالية التامة للقضاء و ثانيا حرية الصحافة بحيث الصحفي له الحق ان يكشف المسطور و يحاسب كما هو المعمول به في بلجيكا الدولة الغير الاسلامية

  • Abdelwahab

    بارك الله فيك أستاذنا الجليل،

    حسبنا الله و نعم الوكيل،

    اللهم أجعل من يتولى أمور بلادنا أخيارنا،
    أما حكامنا اليوم فقد أهلك الحرث و النسل ، فخذهم يا ربنا أخذ عزيز مقتدر غير مأسوفين عليهم،
    و أخلفنا خير منهم وأكرم.

  • مسلم

    بارك الله في شيخنا الحسني ،ولكن أرجو أن تصححوا نص الآية:"....وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل...".

  • علي

    جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل على هذه المقالة المفيدة ونحن ننتظر كل خميس من أجل أن نقرأ ما تكتبه.سلمت وسلمت يمينك يا أفضل كاتب وأروع أديب.

  • hocine

    بورك فيك ولا فض فوك وأطال الله بقاءك وأنار دربك وسدد سهام قلمك,فقط أصحح الايه الكريمة(’’’’واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها’’’)

  • ابراهيم من قالمة

    بارك الله فيك استاذنا الفاضل و الله اننا لنكاد نيأس من الحال و نحبط أشد الاحباط لما نسمع ونرى ما يقوم به مسؤولونا الا انك يااستاذنا الفاضل لما نقرأ لك يعود الامل في أنفسنا لكن ما أحوجنا الى فرسان الحق مثلك لا يخافون في الله لومة لائم - بارك الله فيك استاذي
    - أرجوا منك استاذي ان تكتب عن حال القضاء اوطاننا و خاصة في وطننا الجزائر - بارك الله فيك أستاذي

  • محمد

    هناك خطأ في الآية، حيث حذفت منها "سعى في الأرض".
    الآية بعد التصحيح : "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"

  • يوسف

    لا فض فوك يا استاد اثلجت صدورنا بكلماتك وادعو الله تعالى ان يزيل عنا هؤلاء الظلمة ويسكنهم فسيح ناره آمين

  • ناصرالدين

    بارك الله فيك و حفظك اله مو مكرهم.فقط أرجو تصحيح الآية من سورة البقرة.

  • nouri

    بار ك االه فيكم استاذنا الفاضل واطال االه في عمرك

  • الحر

    بارك الله فيك وامد الله في عمرك لتنور العقول وتذكر الغافل وتعلم الجاهل وتنذر بكلام الله العاصي