الرأي

لم نُقسِم على نُصرة دكتاتور!

حسين لقرع
  • 1407
  • 5
ح.م

هناك تصريحٌ لافتٌ للانتباه أدلى به رئيس هيئة الأركان الأمريكي مارك مايلي، بشأن نتائج الانتخابات الأمريكية، وإمكانية بقاء الرئيس المهزوم دونالد ترامب في السلطة بالقوة بعد 20 جانفي 2021، لكنّ التصريح لم ينل ما يستحقّه من اهتمام ومتابعة.

يقول مارك: “نحن فريدون من نوعنا بين الجيوش، نحن لا نؤدّي القسَم لملكٍ أو طاغية أو ديكتاتور، لا نُقسِم لأجل فرد، ولا لبلدٍ أو قبيلة أو دين، نحن نقسم على الدستور، وكل جندي سوف يحمي تلك الوثيقة بغضّ النظر عن الثمن الشخصي”.

التصريح على درجةٍ عالية من الأهمية لأنه يأتي في وقتٍ يرفض فيه الرئيسُ الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب الاعتراف بنتائج انتخابات 3 نوفمبر الجاري التي فاز بها خصمُه الديمقراطي جو بايدن بفارق كبير، وتلويحه بالبقاء في الحكم، وعدم ضمان انتقال سلس للسلطة إلى الرئيس المنتخب في 20 جانفي من العالم المقبل، ما يعني أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على أزمةٍ غير مسبوقة في تاريخها قد تعصف بعقودٍ طويلة من استقرارها؛ فلأول مرة يرفض رئيسٌ أمريكي الاعتراف بنتائج الانتخابات بذريعة أنها “مزوّرة” وهو “الفائزُ” بها، ويلمّح إلى بقائه في الحكم بعد 20 جانفي، الأمر الذي سيضع الديمقراطية الأمريكية العريقة على كفّ عفريت، كما يضع الجيش أمام تحدٍّ خطير وخياراتٍ صعبة: هل يقبل بالأمر الواقع الذي سيحاول الرئيس المنتهية ولايته فرضَه على الجميع ويجاريه في نزوعه نحو الاستبداد والتشبّث المرَضيّ بالحكم؟ أم أنّه لن يتردّد في إخراجه من البيت الأبيض ونصرة الديمقراطية والشرعية ونقل السلطة إلى الرئيس المنتخب شعبيا جو بايدن؟

تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكي يجيب ضمنيا على هذا السؤال المهمّ؛ فالجيش سينصر الدستور الذي أقسم على حمايته مهما كان الثمن، والمقصود هنا هو الشرعية الشعبية، ما يعني بوضوح أنّ ترامب سيجد الجيش في انتظاره يوم 20 جانفي 2021 لاقتياده خارج البيت الأبيض، وضمان انتقال السلطة إلى خلفه المنتخَب، وربما اعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهم عديدة من بينها تعريض الأمن القومي للخطر والمساس بوحدة الأمة الأمريكية…

ويذكّرنا تصريح مارك مايلي بموقف جيوش كثيرة في العالم الثالث، لم تتردّد في الانقلاب على الشرعية، وإدخال بلدانها في أزمات سياسية وأمنية خطيرة كلّفتها خسائر بشرية ومادية كبيرة، والغرق في مستنقع التخلّف والأزمات، نصرةً لأهواء أشخاص جامحين مرضى بالسلطة، أو أقلياتٍ تغريبية رافضة لخيارات الأغلبية الشعبية، ومن أقرب الأمثلة إلينا، انقلابُ ضبَّاط فرنسا في 11 جانفي 1992، الذي أدانته لاحقاً شخصياتٌ عديدة في السلطة نفسها، وانقلاب 3 جويلية 2013 بمصر على أول رئيس جمهورية منتَخب في تاريخها، وارتكاب مجازر مهولة سقط فيها آلافُ المدنيين الذين طالبوا الجيشَ بإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية، مجازر تكفي لإصدار محكمة الجنايات الدولية أوامر بالقبض على مدبّريها ليمثلوا أمامها في لاهاي، لو كانت هناك عدالةٌ في هذا العالم.

الدولُ التي تحترم نفسها وشعوبها، تبني جيوشا محترفة تتفرّغ لمهامها الدستورية في حماية الأوطان من أيّ خطر خارجي، وترفض أن تكون أداة قمع في أيدي الحكام المستبدّين، ولا تتردّد في الانحياز إلى شعوبها، وحماية خياراتها الحرّة، ولا تتدخّل في صراعات السياسيين على الحكم إلا بالقدر الذي يحفظ الديمقراطية في البلاد، ويضع حدّا لكل مستبدّ مصابٍ بجنون العظمة يرغب في احتكار السلطة بلا حق.

مقالات ذات صلة