-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بدا مؤيدا لتقديم باريس اعتذارا عن جرائمها.. ستورا:

لهذا تأخر تدريس “الثورة التحريرية” في المدارس الفرنسية

محمد مسلم
  • 1896
  • 0
لهذا تأخر تدريس “الثورة التحريرية” في المدارس الفرنسية
أرشيف

هل تعلم أن تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، أو ما تسميه فرنسا “حرب الجزائر”، لم يكن مسموحا بتدريسه في المؤسسات التربوية الفرنسية، إلا في العام 1999؟ السؤال يبدو مثيرا للكثيرين ممن يجهلونه، ولكنه الحقيقة. فما هي أسباب وخلفيات هذا القرار السياسي؟
كان الهدف من ذلك هو النسيان، كما قال بنجامان ستورا في حوار خص به أسبوعية “لافي” (الحياة). أو قل إنها محاولة من السلطات عدم إشاعة أن فرنسا الرسمية مولعة بالحروب، فقد خاضت في القرن الماضي العديد من الحروب، منها الحرب العالمية الأولى (1914/1919)، ثم الحرب العالمية الثانية (1939/1945)، ثم الحرب في الهند الصينية (الفيتنام خاصة) في بداية خمسينيات القرن الماضي، ثم الحرب في الجزائر (1954/1962).
يقول المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا في الحوار: “لقد أرادوا التقدم في المجتمع الفرنسي، خاصة أن هذا المجتمع جرفته رياح التحديث في الستينيات والسبعينيات. فمن ناحية، يريد “الحركى” والأقدام السوداء والمجندون السابقون (في الجيش الفرنسي) أن ينسوا من أجل بدء حياة جديدة”.
ويضيف: “هناك أنواع أخرى من النسيان أكثر تعقيدًا في التحليل: النسيان المنهجي الذي تنظمه الدولة، من خلال جميع قوانين العفو التي تم إقرارها، والتي نصت عليها اتفاقيات إيفيان، والتي أكدت على عدم إجراء أي محاكمات ضد الفاعلين في الحرب. ثم هناك قانون عام 1964، وقانون عام 1968 الذي يعيد ويمنح العفو للمؤيدين السابقين لمنظمة الجيش السري (OAS)، وقانون عام 1974 الذي يعوض “العائدين” (من الأقدام السوداء)، وأخيرا قانون عام 1982 الذي يعفي الجنرالات الانقلابيين…”.
وبالنسبة للمؤرخ المتخصص في العلاقات التاريخية بين الجزائر وفرنسا، فإن تطورات جديدة ساهمت في تغير التعاطي مع الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، من بينها قرار بعض الفاعلين في الجيش الفرنسي البوح بأسرارهم الصادمة في الجزائر بعدما شعروا بقرب نهايتهم، وعلى رأسهم “المجرم” بول أوساريس، الذي اعترف في مذكراته باغتيال المحامي علي بومنجل، بعدما كانت رواية جيش الاحتلال تقول إنه انتحر.
يقول ستورا “لقد كان اعتراف أوساريس في مذكراته بمثابة الصاعقة. وأخيرا، في عام 1999، قررت الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي) التصويت لصالح الاعتراف الرسمي بحرب الجزائر، تحت ضغط من جمعيات المحاربين القدامى. وفي وقت لاحق، في عام 2001، قام أول مؤتمر للمؤرخين بدراسة تدريس هذه الحرب. هذه هي المرة الأولى التي نتساءل فيها عما إذا كان ينبغي لحرب الجزائر أن تدخل الكتب المدرسية!”.
وكان من نتائج فتح المجال أمام تدريس “حرب الجزائر”، بروز مجموعات أو تكتلات لها علاقة بملف الذاكرة، مثل أبناء الحركى وأبناء المهاجرين الجزائريين الذين يكافحون من أجل الاعتراف بتاريخ 17 أكتوبر 1961 في الأجندة الرسمي بفرنسا”، باعتبارها كانت بمثابة قمع وحشي من قبل الشرطة الفرنسية لمتظاهرين جزائريين سلميين يطالبون بحقوقهم المدنية والسياسية.
أما عن خلفيات تعمد السلطات الفرنسية عدم تدريس “حرب الجزائر” في المنهاج الرسمي الفرنسي، فيرى ستورا بأن، خروج فرنسا من الجزائر شكل “أزمة” عند الفرنسيين، لأن الجزائر كان لها وضع خاص في المستعمرات الفرنسية السابقة، فقد ألحقت عنوة بفرنسا وكانت تعتبر جزءا من ترابها في القوانين الرسمية، وقد تزامن ذلك مع صعود “القومية الجديدة التي ترفض بشكل قاطع النظر إلى المسألة الاستعمارية بطريقة سلبية ولكنها تعتبرها مجدا ضائعا”.
ويتحدث هنا عن صنفين من الفرنسيين يختلفان في التعاطي مع هذه القضية، ويقول: “في حرب الذاكرة، هناك من يريد أن يواجه هذا التاريخ بسلبياته وإيجابياته، وهناك من يريد فقط أن ينظر إلى جانب واحد: وهو تاريخ العظمة الفرنسية التي تخلق الهوية السياسية للجبهة الوطنية” (حزب مارين لوبان المتطرف).
ويختم رئيس اللجنة المختلطة لبحث ملف الذاكرة عن الجانب الفرنسي معربا عن أمله في أن تواجه الدول المستعمرة وعلى رأسها فرنسا تاريخها بشجاعة، مستشهدا بالدور الذي لعبه التقرير الذي أعده بطلب من الرئاسة الفرنسية، الذي رافع كما قال، من أجل اعتراف فرنسا بمسؤوليتها في تصفية موريس أودان، وعلي بومنجل، اللذين ناضلا من أجل القضية الجزائرية، وتدريس الذاكرة في المناهج التربوية الفرنسية.
كما ألمح إلى أنه لا يعارض اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر، لكنه سقط في فخ الازدواجية ومحاولة التوفيق بين الجلاد والضحية، وذلك ردا على سؤال بهذا الخصوص، يقول ستورا: “طلبت اليابان العفو من الصين عن احتلال منشوريا، لكن ذلك لم يمنع من وجود متحف رجعي في قلب طوكيو لتمجيد مجرمي الحرب! خطاب واحد لا يكفي لاسترضاء الطرفين. ظلت فرنسا في المستعمرات لأكثر من قرن. الإصلاح مهمة طويلة الأمد. يجب علينا أن نقوم بعمل تربوي وتثقيفي. وهذا يتطلب وقتا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!