-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لِمَنْ أَعِيشُ؟

لِمَنْ أَعِيشُ؟

لا علاقة لي بالطب إلا مَا اضْطُرِرْتُ إليه، ومع ذلك فقد وجَدْتُني في يوم الثلاثاء الماضي (23-05-2023) في كليتي الطب والصيدلة الجديدتين، وذلك تلبية لدعوة كريمة من بعض الطلبة للحديث عن مناسبة وطنية هي «يوم الطالب»، عندما لبّى الطلبة نداء الجِهَاد، فتركوا الأقلام وامتَشَقُوا الحسام ليَسْتَنْقِذُوا الجزائريين بين أشداق الفرنسيين المجرمين الوحشيين، بل أساتذة التوحُّشِ وفنَّانُوهُ في العالم.

اقترح عليّ من اتصلوا بي أن يكون حديثي إليهم تحت عنوان: «لمن أعيش؟». وهذا العنوان حقُوقُه محفوظة للإمام ابن باديس، الذي اختاره عنوانا لمحاضرة ألقاها في «جمعية التربية والتعليم» بقسنطينة، ونشرها في مجلة «الشهاب» المجاهدة في عدد شهر جانفي 1937. وهي منشورة في آثار الإمام.

لقد أَجَابَ الإمامُ عن تساؤله بقوله: «أعيش للإسلام وللجزائر». وما كان في جوابه هذا يمارس “حملة انتخابية” مخادعة لله وللناس، أو «بُولِيتِكْ» كما يفعل أكثر السياسيين في العالم كله، ولكنه كان صادقًا قوْلًا وفعْلًا، وقد أكّدت الأيام صدقه. فما عاش ابن باديس إلا مؤمنا بـ«الإسلام الصحيح»، كما يقول الشيخ أبو يَعْلَى الزواوي، وما أَحَبَّ إلا الجزائر، التي قال لأخيه الإبراهيمي إن الخروج منها «يكتبه الله فرارًا من الزحف»، فجاهدَ لاستنقاذها حتى أتاه اليقين، مُعَاهِدًا أن يقضي على ذلك بياضه كما قضى عليه سواده، أي شبابه وشيخوخته. وشرح شرحا بَدِيعًا قوله إنه ليس «متعصبا» دينيا، «ولا شُوفينيّا» وطنيا… فلا يحتقر “دينا” مهما يكن خُرَافِيًّا، ولا يسخر من قوم أو يدعو لاستغلالهم.. ولكن طاقته وجُهْدَه لا يُمَكِّنَانِه من العمل إلا للجزائر، داعيًا أبناء الأوطان الأخرى إلى العيش لها، فيسعد الجميع.

عندما كنتُ متوجِّها إلى قاعة المحاضرات سألتُ مرافقي عن عدد الطلبة والطالبات فأخبرني بأنه في حدود الستة عشر ألفا، وسألتُ إن كان يوجد في هيئة التدريس أستاذٌ فرنسيٌّ فنفى ذلك، فحمدتُ المحْمُودَ –سبحانه وتعالى- ولعنتُ الفرنسيين المجرمين الذين كَذَبُوا وادَّعَواْ على لسان أحدهم بأن “العرب” –أي الجزائريين- «عرقٌ غير قابل للتربية» (race inéducable)، وها هم أبناء هذا «العِرْق الشريف» في مختلف العلوم يعلِّمون الفرنسيين في الجامعات الفرنسية، وأن جزائرية ترأس الآن إحدى أهم المؤسسات العلمية الفرنسية، وهي «معهد باستور». وما ذهبت هذه الجزائرية إلى فرنسا إلا وهي عالمة.

لقد أَحسستُ أن الطلبة والطالبات يكابدون ما سمّاه الإمام الإبراهيمي «الظَّمَأَ التاريخي» نتيجة المنظومة “التغْبَوِيَّة” التي قادها المُسَمُّون «les français-Arabes»، فاجتهدت واجتهد صديقي محمد الأمين بلغيث أن نقدِّم عَرْضًا مُكَثَّفًا عن جريمة فرنسا الكبرى في الجزائر، وهي ما سماه الإمام ابن باديس «الموت الفكري»، وما سماه أحد الأساتذة «الاحتباس الحضاري»، إذ مَنَعَتْنَا فرنسا المجرمة من المساهمة في العمل الحضاري للإنسانية جمعاء..

لقد أوصيتُ الطلبة والطالبات، وطلبتُ منهم ومنهن أن يبلّغوا ويبلّغن الغائبين والغائبات أن لا يثقوا في فرنسا مهما تودّدتْ وتَتَوَدَّدْ، فهي مصدر ومنبع الشر، ولا تستطيع الصبر على الكيد للجزائر والجزائريين، وقد كتب أحد أكابر مجرميها وهو جاك سوستيل كتابا عنوانه: «la page n’est pas tournée»، فلنستعدّ، ولْنُعِدّ.. وليكن شعارنا جميعا ما قاله الإمام الإبراهيمي في باريس نفسها «هيهات أن نَصْفَحَ عن باريس أو نصافحها بعد أن جَنَيْنَا المرَّ من ثمراتها». (الآثار.. 2/466) وأن لا نهتدي بـ”عبد القادر المالي” الذي استنَّ سُنَّةَ تقبيل الفرنسيين مثنى وثلاث ورُبَاعَ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!