الرأي

لِنعيد إحياء مجتمع الأمل…

محمد سليم قلالة
  • 567
  • 3
أرشيف

للأنظمة السياسية دور كبير في تغيير المجتمعات، ولكنه ليس دورا مطلقا كما يعتقد البعض، ذلك أن تركيبة المجتمعات المختلفة وطبيعة الأدوار التي تقوم بها بإمكانها مقاومة أعتى الأنظمة السياسية والانتصار عليها.

يكفي أن ننطلق من تجربتنا الوطنية لنختبر ذلك. النظام الاستعماري، رغم آلته الجهنمية السياسية والعسكرية والثقافية انتهى به المطاف إلى الفشل في فرض بقائه أمام إصرار المجتمع الجزائري على المقاومة طويلة المدى بجميع الوسائل والانتصار.

يبدو لي اليوم، أن هناك نوعا من التضخيم لقدرة الأنظمة السياسية على التأثير في المجتمع رغم ما أصبح لهذا الأخير من وسائل وقدرات للعب أدوار كبيرة في تحصين نفسه.
انتمي إلى جيل، أول ما التحق بالمدرسة غداة الاستقلال، وجد أمامه المعلم الفرنسي والمعلمة الفرنسية والتدريس باللغة الفرنسية لا غير. كانت اللغة العربية هي اللغة الثانية في الابتدائي، والمتوسط والثانوي ولا وجود لها في الجامعة. ما الذي كان يقوم به المجتمع للتعامل مع هذا الواقع الذي فرضه النظام الاستعماري السابق، حيث حرمه من وجود المعلمين باللغة العربية في أي من هذه المستويات؟

بكل تأكيد لم يستسلم ونجح في ذلك. كان التلميذ قبل أن يلتحق بالمدرسة التي تعلمه الفرنسية يكون قد تعلم القراءة والكتابة باللغة العربية، ويكون قد حفظ ما تَيَسَّر من القرآن الكريم وتَربى على المبادئ والأخلاق الإسلامية… ويستمر في ذلك إلى غاية توقفه عن الدراسة أو تخرجه. وبهذه الكيفية استطاع مجتمع ما بعد الاستقلال رغم كونه كان محروما من التعليم، جيل أمهاتنا وآبائنا، من العمل على إفراغ اللغة الفرنسية من محتواها الأيديولوجي والثقافي وتحصين أبنائه ضد التغريب…

وهو ما بدأ يفتقده هذا المجتمع ذاته، بعد السنوات الأولى من استعادة السيادة الوطنية… تدريجيا بدأ يتخلى عن دوره في بناء شخصية أبنائه وبلده، وتدريجيا قَبِل أن تُعوِّضه الجهات الرسمية في ذلك، بل وأن يُلغي نفسه تماما من هذه المهمة… إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم… غالبية تَتَنصل من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وتُحمِّل كل صغيرة وكبيرة للنظام السياسي القائم، وأحيانا لأشخاص بعينهم في النظام السياسي… والكل أصبح يُجز  بأن تغيير السياسة كاف لتغيير المجتمع… بل ووصل الأمر بالبعض، إلى تصور أنه يمكنهم تغيير الواقع بقرارات سياسية وقوانين فوقية… وهذا ما ينبغي تصحيحه… السياسة يمكنها أن تغير المجتمع سلبا إذا ما كانت القابلية لذلك، اذا ما تخلى عن مهامه، أو قبل بأن تحل الدولة محله، وردد في كل مرة: لست مسؤولا عما يحدث… الدولة تتحمل كل المسؤولية… ولكنها لا يمكنها أن تُغيره إذا قرر خلاف ذلك…

لذا، فإنه إذا كان ولا بد لنا اليوم أن نعقد الأمل، فالأفضل أن نعقده على وعي المجتمع بإعادة إحياء أدواره كما كان ذات يوم، على أن نعقده فقط على تغيير سياسي كثيرا ما خاب ظننا فيه…

مقالات ذات صلة