-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أكل وشرب وحلويات "على روح الميت"

مآتم تتحول إلى ولائم..!

نادية سليماني
  • 10395
  • 0
مآتم تتحول إلى ولائم..!
أرشيف

كم من شخص فقد عزيزا عليه، سواء ابنا أم أمّا أم أبا، ومع ذلك لم تُتح له الفرصة ليجلس مع نفسه لاستيعاب مصيبته. فبمجرد حدوث الوفاة، يجد نفسه مجبرا، على إقامة عشاء الميت، ثم وليمة ثلاثة الأيام ثم السابع وبعده الأربعون ثم السنة. والسّؤال المطروح، متى يجلس المكلوم في وفاة عزيز عليه مع نفسه لاحتواء مصيبته، في ظلّ هذا الهرج والمرج الحاصل.
ولهذه الأسباب وغيرها، تعالت أصوات مؤخّرا، على منصات التواصل الاجتماعي، منادية بإلغاء الولائم في العزاء والجنائز، حيث تعجب المعلقون على الموضوع، من حال شخص يفقد أمه أو أباه أو فردا مقربا من عائلته، وتراه يجري في الساعات الأولى للوفاة، حتى يحضر وجبة عشاء أو غذاء للمُعزّين، مدة ثلاثة أيام أو أكثر.

مُعزّون يضحكون ويقهقهون في مجالس العزاء
وقال “كريم” من العاصمة: “عندما توفّي والدي، أسبوعا كاملا والمعزون يتوافدون، ويمكثون لدينا يوما كاملا منتظرين الغداء والعشاء والقهوة بالحلويات وحتى الفاكهة.. والأمرّ من ذلك، أنهم يتبادلون الضحكات والقهقهات أمامنا، ونحن أصلا لم نتقبل بعد فكرة والدنا، وكنا في حالة صدمة شديدة”.
ورأت “جميلة” بأنّ وليمة الجنائز من أسوأ العادات في مجتمعنا، ولا يشعر بضررها إلاّ من جرّبها، قائلة: “في تلك اللحظات أقصى ما يتمناه أهل المتوفى، أن يجدوا وقتا ليحزنوا ويبكوا دون أن يراهم أحد، ويترحموا على ميّتهم بالطريقة التي تناسبهم”.
وقال آخرون بأن كثيرا من هؤلاء الأشخاص قدرتهم المعيشية متوسطة وحتى صعبة، ومنهم من يعاني الضيق في المنزل، ومع ذلك تجبره تقاليد مجتمعنا على استقبال المعزين بأطباق متنوعة وحتى حلويات.
ويعتقد البعض بأن الوليمة والذبيحة تعتبر صدقة، وهذا خطأ، بحسب قول الأئمة، لأن عمل الميت ينقطع ولا تنفعه غير صدقة جارية تركها خلفه، أو دعاء من ابن صالح، “أما الأكل في العزاء فيكون للأشخاص القاطنين بعيدا فقط، وليس لإطعام الجيران والأحباب، بما لذ وطاب”.
ويناشد مواطنون الأئمة التدخل وتوجيه النصح لإلغاء هذه العادة المتجذرة في مجتمعنا، التي أصبحت تثقل كاهل الأسر، لأن الصدقة على الميت ليست بهذه الطريقة وليست سويعات بعد الوفاة فقط، على حد قولهم.
“محمد” من العاصمة، روى لنا قصة صديقه المقرب الذي فقد والدته، قائلا: “من أصعب المشاهد التي لن أنساها طول حياتي، عندما رأيت صديقي يذرف الدموع على وفاة والدته، وفي الوقت نفسه، يحمل قائمة للطلبات التي يحتاجها لإقامة عشائها، إذ كان يتصل بنفسه بالجزار والخضار..”.
أما “مونيا” فترى بأنه حتى مساعدة أهل الميت ماديا من طرف الأقارب، لم تعد مثل زمان، بسبب الغلاء وتدني القدرة المعيشية، “غالبية ما يتلقاه أهل الميّت من مساعدات عبارة عن أكياس حليب، أو خبز أو طبق حلويات.. أما العبء الأكبر من المصروف فيقع عليهم”.

يُستحبّ أن يُعدّ الجيران طعاما لأهل الميت
وفي الموضوع، يؤكد الإمام، محمد زيتوني، أن اضطرار أهل الميت لإقامة وليمة لميّتهم “بدعة لم يفعلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه”، وهي من المآتم المنكرة، بحيث ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الشهير، قوله: (كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميّت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النّياحة).
وقال محدثنا إن هذا العمل مع كونه بدعة فيه أيضًا تكليف أهل الميت وإتعابهم مع مصيبتهم، وإضاعة أموالهم في غير حق، وأضاف: “لذلك، لا يشرع للمسلم صنع وليمة لميته لا بالذبح ولا بغيره ولا يجمعون الناس عليها.. فالنبي- صلى الله عليه وسلم- لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب، حين قتل في الشام في الأردن، أمر أهل بيته بأن يصنعوا طعامًا لأهل جعفر قال: اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم.

الصّدقة على الميت لا تكون في يوم مُعين
وأما من ذبح ذبيحة لأجل الصدقة بها عن الميت على الفقراء والمساكين يضيف الإمام تواتي أنه لا حرج في ذلك، “لكن لا تكون في وقت مخصوص، ولا يجمع لها أحد، بل تذبح ويوزع لحمها على الفقراء والمساكين صدقة في أي وقت كان ليس لها وقت مخصوص، وليس لها خصوصية بيوم الموت، بل متى فعلها في أي وقت لقصد مواساة الفقراء أو أعطاهم نقودًا، أو ملابس، أو طعامًا غير اللحم كل هذا نافع للميت، ويؤجر عليه فاعله، فالصدقة عن الميت نافعة بإجماع المسلمين، لكن ينبغي أن تكون في غير وقت الموت حتى لا يتخذ ذلك سنة وعادة، بل يوزعها في أوقات أخرى بين الفقراء من غير تخصيص وقت معين، لا يوم الموت، ولا يوم ثالث سابع الموت، ولا يوم “أربعين” الموت، أي لا يكون لها خصوصيّة”.

يجب ترك وقت لأهل الميت للموعظة والتدبر
ويعتبر المٌختصون في علم النفس، بأن الشخص الذي يفقد شخصا عزيزا عليه، يمر عبر مراحل نفسية وعاطفية، قد تؤثر عليه سلبا خاصّة في الأيام الأولى لوفاة ميته، حيث تؤكد المختصة في علم النفس، شهيناز بقاح، بأن الشخص الذي يفقد عزيزا بسبب الموت، يمر بأربع مراحل نفسية. أولها مرحلة الإنكار، وهي عبارة عن رد فعل دفاعي طبيعي ومؤقت، يظهر على شكل رفض وعدم تقبل واقعة موت الشخص، حيث يكون هذا الفرد في صدمة، ويحتاج إلى وقت كاف وهدوء لاستيعاب فكرة الموت، والتقليل من حدة الفقد والألم، “ولذلك، على المعزين تقدير هذا الموقف، وترك مسافة أو وقت لأهل الميت لاستيعاب مصيبتهم ولإظهارهم مشاعر الحزن والبكاء بأريحية، بعيدا عن نظرات المعزين”.
وتقول محدثتنا، بأن بعض الأشخاص يعتبرون تواجدهم مع أهل الميت في الدقائق الأولى للوفاة، مفيد لهم ويخفف عنهم الحزن، وهذا خطأ، “لأن أهل الميت يكونون ساعتها في حالة صدمة، وقد لا ينتبهون أصلا للمُتواجدين معهم، وهو ما يجعل كثيرين ينسون تماما أحداثا حصلت لهم ساعة الوفاة، وبالتّالي علينا ترك وقت لأهل المّيت، وعدم المكوث في منزلهم طويلا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!