-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بقي لجامعة العرب؟

ماذا بقي لجامعة العرب؟

ماذا لو أعاد العرب معيار العضوية في جامعة الدول العربية بعد مراجعة الهدف من وجودها، وإعداد برنامج جديد لعملها وتحديد مسؤوليات أعضائها؟

أجد نفسي مجبرا على طرح هذا السؤال لأنّ الجامعة اليوم لا تتمتع إلّا بثقة من يستفيد منها، وبكل تأكيد فإنّ الدول المنشغلة بالهمِّ العربي لا تجد لنفسها مكانا فيما يُسمى اليوم “جامعة الدول العربية”.

طرحتُ من قبل سؤالا حول مفهوم العمل العربي المشترك، وهو الشعار الذي يردّده مسؤولو الجامعة وأعضاؤها ليلا نهارا، ولكنّ مفهوم هذا الشعار غامض أو فارغ أو عديم الوجود عمليا في كل مسار الجامعة العربية العملي.
لقد مرّ على العالم العربي أحداثٌ جِسام لم يكن فيها للجامعة العربية دورٌ يذُكَر أو موقفٌ يُشكَر، بل إنّ بعض الأحداث أكّدت أنّ الجامعة لم تكن نصيرا لجمع كلمة العرب بل ساعدت أكثر على تشرذُمهم وإلحاق الضّرر بالدول والشعوب على حد سواء، وليس ما عاشته العراق وليبيا واليمن وسوريا منا ببعيد.

تتغنّى الجامعة لعقود متتابعة باعتبار القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، والمُحصِّلة ضياع كل فلسطين والتنكيل بشعبها من دون أن تستطيع دول الجامعة مجتمعةً أن تُسعِفهم بالغذاء والماء والدواء، ووقفت الجيوش العربية وحكوماتها صامتة متفرجة، بل كان بعضها مُساندا للعدوان سياسيا وأمنيا.

تأكَّدَ أنّ بعض أعضاء الجامعة أشدّ خطرا على الأمّة العربية من أعدائها التّاريخيين، وهم يقومون بأدوار تآمرية وتدميرية على سوريا والسودان واليمن وليبيا، ويحُدُّون سكاكينهم للوصول إلى بلد الجهاد والشهداء الجزائر، ويحرصون على الإبادة الجماعية في فلسطين، ومع ذلك يتمتّعون بالعضوية الكاملة في هذه الجامعة.

إنّ هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ويجب أن لا يستمر، وعلى الجامعة أن تراجع نفسها تنظيما وبرنامجا وتمويلا، فإمّا أن تكون حِصنًا منيعا للأمّة العربية أو أن تُحَلَّ لترى كلُّ دولة مصالحها وفقا لإرادة شعبها ومستقبل أبنائها.

والرّأي عندي أن لا مستقبل للأمّة العربية إلّا بصلاح شرعية سلطات دولها، وهنا مربط الفرس. إنّ الدولة التي تقوم على إرادة سلطان غالب لا يمكن أن تقبل التنسيق والتعاون مع الدولة التي يقوم سلطانها على شرعية الإرادة الجماعية لمواطنيها، ونظرا لذلك بقيت الأمة العربية مُمزّقة الأوصال عديمة الآمال، لا ميزان لها بين الأمم رغم مقدّراتها الضّخمة الإستراتيجية.

تأكَّدَ أنّ بعض أعضاء الجامعة أشدّ خطرا على الأمّة العربية من أعدائها التّاريخيين، وهم يقومون بأدوار تآمرية وتدميرية على سوريا والسودان واليمن وليبيا، ويحُدُّون سكاكينهم للوصول إلى بلد الجهاد والشهداء الجزائر، ويحرصون على الإبادة الجماعية في فلسطين، ومع ذلك يتمتّعون بالعضوية الكاملة في هذه الجامعة.

الأمّة التي يقع فيها بابُ المندب، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق، وتطُلُّ على أهمّ البحار والمحيطات، وتقع في قلب العالم، وتسبح على بحر من النفط، وتخزّن في جوفها أهمّ موارد الطاقة والمياه، حبلى بالثروات المعدنية، تتكلم لسانا واحدا، وتدين في غالبيتها العظمى بدين واحد، الأمّة التي عُرِفت تاريخيا مهبطا لكل الأديان السماوية، وتقاطعت على رقعتها كل الثقافات الإنسانية، هذه الأمة لا يمكن أن يُفَسَّر تشرذمُها اليوم إلّا بعدم صناعة قرارها السياسي من إرادة شعوبها، وما لم تُحَلَّ هذه المعضلة فلا أمل في الشفاء.

إنّ داء الجامعة العربية  كان إذن جينيا موجودا فيها منذ نشأتها، وربما أُنشئت بإيحاء من إرادة غير عربية تمهيدا لزرع الكيان الصهيوني في المنطقة والتفريق بين الأمّتين العربية والإسلامية.

هذا الاعتقاد يتأكّد تاريخيًّا مع ما عُرف من مواقف الجامعة عبر تاريخها الطويل بكل ما مرّ به العالم العربي من محن وحروب وأزمات، والتي لم تقم فيه الجامعة بأكثر من إصدار قرارات لا تتعدّى الشجب والتنديد، فإن تجاوزت ذلك فلا يكون مصير القرار إلّا إلى الإهمال وسلّة المهملات.

لم يُطبَّق من قرارات الجامعة إلّا تلك التي تُلحق ضررا أكيدا بسيادة الدول أو تعميق الخلاف العربي، ولكم في القرارات التي اتُّخِذت بشأن العراق وليبيا وسوريا المثال الأبرز.

ولن أُصدَم في المستقبل اذا اقترح بعضُ عرب هذا الزمن الرديء تغيير اسم الجامعة العربية إلى جامعة الشرق الأوسط ليُفتَح الباب على مصراعيه لعضوية الكيان الصهيوني، فلم يبقَ بعد التطبيع إلّا تأكيد وشائج وأواصر التعاون والمحبة التي يبدونها من دون حياء وخجل.

إذاً لا غرابة أن يعمل هؤلاء على تدمير السودان وليبيا وسوريا من أجل فتح المجال لعضوية أحبّائهم من آل صهيون ويحقّقوا حلمهم ويُنفِّذوا مَهمّتهم في تمزيق الأمّة العربية بعد أن عملوا وموّلوا إضعافها.
على الجامعة العربية أن تتجدد خدمة للأمّة العربية، أو أن تتبدّد ليجد بعض أعضائها أنفسهم غرباء في البلدان التي ينتسبون إليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!