-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماردُ الذكاء الاصطناعي

ماردُ الذكاء الاصطناعي

تقول إحدى قصص العرب الخيالية أن صيَّادا أطلق ماردا محبوسا في قمقمه منذ مئات السنين، وبعد خروجه عن السيطرة دخل في رحلة بحث عن حيل لإعادته إلى محبسه بدون جدوى، وهذا ما يحدث حاليا مع عمالقة التكنولوجيا في العالم، الذين انتقلوا من سباق الهيمنة على أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى محاولة كبح جماح هذا “الوحش” الذي يسير بسرعة فوق ما كان يتوقع الجميع.

هذا التسارعُ المهول في تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي منذ نهاية 2022، ظهر بعد إطلاق روبوت الدردشة “شات جي بي تي” لشركة أوبن آي بدعم من مايكروسوفت، ليحذو حذوها عملاق البحث غوغل بنظام منافس اسمه “بارد”، وطالت العدوى عمالقة آخرين للتكنولوجيا مثل أمازون ومحرك “يانداكس” الروسي واستعداد شركات صينية مثل محرك “بايدو” لإطلاق روبوتات مماثلة.

وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يجري تطويرها، توحي بأن العالم مقبلٌ على مرحلة تكون فيها أفلام الخيال العلمي التي كنا نشاهدها على التلفزيون، واقعا معيشا، وأن تحل الآلة محل العقل البشري في إدارة كل شيء.

ويعتمد هذا الذكاء الاصطناعي على خوارزميات تتيح للآلة أن تتعلّم بنفسها، عن طريق محاكاة الخلايا العصبية في جسم الإنسان، فالشبكات العصبية الاصطناعية التي تم تطويرها أضحت لها قدرة على التعلُّم بطريقة توليدية، واستخراج الخصائص الأساسية من البيانات واتخاذ قرارات.

والغريب في هذا السِّباق المحموم بين عمالقة التكنولوجيا، أنَّ عرابيه بدأوا حملة معاكسة للتحذير منه، ووصلوا إلى حدِّ اعتباره خطرا على البشرية، بل وذهب بعضهم إلى توقع انقراض الجنس البشري بسببها، وأنه يضاهي الخطر النووي والأوبئة الفتاكة.

توقع هذا المستقبل الأسود للبشرية، لم يصدر من مراقبين عاديين أو عرَّافين، لكن من العالم الكندي جيفري هينتون الذي يسمى “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، والذي ظل منذ السبعينيات مهووسا بكيفية عمل الدماغ البشري ومحاولة تقليده على أجهزة الكمبيوتر.

وخلال السنوات الأخيرة حققت بحوث هينتون طفرة في مجال الذكاء الاصطناعي، حتى أن أحد طلابه كان وراء إطلاق روبوت المحادثة الشهير “شات جي بي تي”، فيما عمل هو لسنوات في “غوغل” وقرر الاستقالة قبل أشهر، وإعلان “ندمه” على تطوير هذه البرامج، وكانت توقعاته بأن تتفوَّق الآلة على الإنسان بعد قرابة 50 سنة، لكنه الآن راجعها، ويحذر من أن السباق الحالي سيجعل ذلك واقعا بعد سنوات قليلة.

ويبدو التشخيص الذي قدّمه هذا العالم منطقيا، بحكم أن تبعات انتشار استعمال روبوتات الذكاء الاصطناعي من دون ضوابط ماثلة للعيان، وقد سُجِّلت حالات كثيرة عبر العالم للاستعمال السيء لهذه البرامج.

ووقفت عدة جامعات على حالات غش باستعمال روبوتات المحادثة، واستعمالها حتى في تأليف كتب وبحوث، وتخيلوا أيضا أن هناك من يسأل “شات جي بي تي” مثلا عن فتاوى حول قضايا فقهية، علما أن هذه البرامج لا تفرِّق خلال تقديم أجوبتها بين منشورات لشخص عبر شبكات التواصل وبحث في كتاب نشره عالم مشهور.

وانتشار استعمال هذه الروبوتات في قادم السنوات قد يخلِّف حتى تفكك مجتمعات بسبب ضخ كمٍّ كبير من المعلومات غير الدقيقة والأخبار الزائفة، بسبب الاعتقاد السائد بأن ما تقدِّمه هذه المنصات هو حقيقة موضوعية، فضلا عن تهديد العلم بحد ذاته، لأن الناس في الماضي يتعلمون عن طريق الملاحظة والبحث الدقيق والاعتماد على المنطق والتفكير النقدي.

كما ظهرت مخاوف من تعويض الآلة للإنسان في عدة وظائف مستقبلا وحتى إنشاء جيوش آلية والاستغناء عن العنصر البشري في الحروب، وتغيّر مفهوم السيادة الذي نعرفه الآن بعد هيمنة شركات التكنولوجيا على العالم.

ويبدو هذا هو بيت القصيد في الدعوات التي أطلقها عرابو الذكاء الاصطناعي بأمريكا والغرب لتجميد تطويره إلى غاية وضع ضوابط له، وأن منطق “الاحتكار” هو المحرك الرئيسي لهذه الخطوة، بحكم أن دولا شرقية مثل الصين وروسيا خطت خطوات موازية في هذا المجال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!