-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مالك حدّاد كان على حق

مالك حدّاد كان على حق

يقال إنه في سنة 1975، عندما قرّر الرئيس الراحل هواري بومدين، بعثَ وزارة الإعلام والثقافة بمسمَّاها الجديد، التفتَ إلى الأديب والمثقف والمفكر الجزائري الراحل مالك حداد، صاحب مقولة: “اللغة الفرنسية منفاي، لذا قرَّرتُ أن أسكت”، واقترح عليه حمل حقيبة الثقافة، في عزّ الثورات التي أطلقها الرئيس الراحل، ولكن الروائي الراحل، صاحب “الإحساس الأخير” اشترط على بومدين، بأن يكون مقرّ الوزارة في مدينته قسنطينة، ورفض طبعا بومدين هذا الشرط، الذي رآه في غير محلّه أو ربما سابقا لزمانه، وعاش بعدها مالك حداد للثقافة الجزائرية الأصيلة إلى أن توفاه الله، وهو في ربيعه الخمسين.

أتساءل أحيانا: لماذا يقبل عالم الثقافة والتاريخ والسياسة والقانون، بأن يبقى مقرّ اليونيسكو مثلا في باريس، وبأن يبقى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ومقر محكمة العدل الدولية في لاهاي، من دون تغيير أو توسيع أو على الأقل الدخول في العالم التكنولوجي، الذي قيل إنه حوّل العالم إلى قرية صغيرة، ولكن بمقرّات ثابتة، وجميعها هناك.

انتقالُ الحكومة الجزائرية بكل حقائبها إلى ولاية تيسمسيلت التي ربما لا يعرف بعض الجزائريين عنوانها الجغرافي، وكانت قد تنقلت في فترة سابقة إلى ولاية خنشلة، لأجل تنفُّس مشاكل المواطنين، هو إجراءٌ راقي وحكيم، إذا شرّح مشاكل المنطقة، وبلغ التشخيص الصحيح للأمراض التي يعاني منها السكان، فمن غير المعقول أن يخاطب وزير الداخلية مثلا، ولاة الجمهورية بضرورة الخروج إلى المواطنين، وعدم البقاء في المكاتب المكيفة والدافئة، بينما يبقى هو برفقة الحكومة في القصر الذي شهق بآلاف القرارات منذ عقود طويلة، وكانت تموت قبل أن يسمع بها المواطنون.

عندما نقول ونفتخر بكون الجزائر بجغرافيتها، هي قارة قائمة بذاتها، علينا أن ندرك شساعة الجغرافيا، وبأن البعيد عن العين هو دائما بعيدٌ عن القلب، وبأن ما نجده في الأودية والمستنقعات، قد لا نجده في البحار والمحيطات، وكما خرجت الحكومة من العاصمة وخرج الولاة من مقر عواصم الولايات، على المواطن أن يخرج من تفكيره الشخصي الذاتي إلى آفاق أخرى تُغيِّر من نظرته إلى الحياة وتُنقذه من النظرة التشاؤمية الضيقة التي سجنته بين المكان والزمان.

اتَّكأ الروائي والفيلسوف مالك حداد، في مقترحه الغريب للرئيس الراحل بومدين، على تراث مدينة قسنطينة وتاريخها، مدينة بن باديس ومالك بن نبي وقادة الثورة التي نهل نصف مجموعة الـ22 منها بين مولد ودراسة، وإلى ما تكتنزه في معمارها ولباسها وأكلها وفنها بين “زلايج وجوزية وقطيفة وعيساوة ونحاس ومصوغات” فجاء اقتراحه سابقا لزمانه، وجاء رفض الرئيس الراحل بومدين تماشيا مع مرحلة الوحدة وضرورة أن تبقى كل الوزارات برجالاتها، أمام أعين رجل، اجتهد بطريقته فأصاب وأخطأ كما هو حال عظماء التاريخ، وهو التاريخ الذي أعطى الحق لمالك حداد وتبلور الآن، في حكومة صارت ترى اجتماعها خارج العاصمة، أكثر منفعة أحيانا.

ملاحظة: مالك حداد هو الذي دفع الروائية أحلام مستغانمي بعد لقاء بينهما، لأن تحبّ قسنطينة بثقافتها وتراثها، وأن تعيش لأجلها فجاءت روائع رواياتها، بحبر مالك حداد السرّي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!