الرأي

ما أرخص الجمل لولا القط

عمار يزلي
  • 989
  • 5
ح.م

الانتقال الديمقراطي الشعبي، مرحلةٌ انتقالية مرة أخرى، أو بالأحرى مرحلة نقل الحكم الشعبي إلى مكانه بعد أن كان الشعب يحكمون بدله باسمه دون مشاركته. هذه أمنية الرئيس والسلطة السياسية القائمة الآن بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جاءت إثر مخاض عسير وحَراك كان يطالب بأكثر من مطلب واحد وفي اتجاهات متعاكسة أحيانا.

الجيش الذي حمى الحراك وقاد الانتقال السلمي إلى برِّ رئاسيات مهما قيل عنها أو شابها نقص، فإنها كانت شفافة وديمقراطية ونزيهة خلافا لانتخابات عشرين سنة وأكثر من عمر الانتخابات الرئاسية التعددية عندنا.

ليس كل شيء يولد كاملا، وليس كل مخاض يولد بلا ألم ولا جهد ولا تعب ولا ضيق: ضيق الانتقال السلس جاء ليعكِّر صفوه الوباء، وجاء ليلغِّمه الوضع الاقتصادي والاجتماعي المترهِّل، جراء سنوات النهب والفوضى “الخناقة” التي مست كل القطاعات من فرط تقطيع أوصال البلاد من طرف قطاع طرق السياسة من سياسيين وزعماء المال السياسي الفاسد.. أو ما اشتهر على تسميتهم بـ”العصابة”.. التي ما زالت تشتغل ضمن دواليب الإدارة والجمعيات ومواقع النفوذ بغرض تثبيط العزائم وعرقلة التغيير والانتقال نحو جزائر جدِّية كما يحلم بها غالبية الشعب.

التعديل الدستوري الذي نحن مقبلون على الاستفتاء عليه، ما هو إلا لبنةٌ أولى في هذا الاتجاه. التعديل لم يكن شاملا وإنما مسَّ بعض جوانب التسيير السياسي والنظام السياسي وتجنب الخوض في مواد الهوية التي أرادها البعض أن تكون حبل مشنقة السلطة الجديدة والبِركة التي تغرق فيها كل محاولة مدّ طوق نجاة للرغبة في التغيير. هم أنفسهم أصحاب المرحلة الانتقالية والمجلس الانتقالي من يطرحون فكرة فتح النقاش على مصراعيه من أجل مجلس تأسيسي، الذي يعني إنهاء الدولة برمَّتها والعودة إلى الصفر. التعديلات الدستورية لا تتضمن الكثير من الفوارق بين الدساتير القديمة ولم تمسّ مواد الهوية، بل حافظت عليها حتى لا تصبح مادّة للمتاجرة من بعض الفئات والجهات التي ترى أن الأمازيغية أو العربية هي لها دون غيرها وهي من تتحكَّم في فرضها وتسييرها. البقية من المواد، هي في الأصل عودة إلى دستور 89، مع بعض التعديلات التي فرضتها الحالة الجديدة والتفرُّد بالسلطة كما حدث مع عهدات الرئيس الأسبق، ونظام العهدتين يراد له أن يُثبَّت كي لا تتحوَّل إلى مواد لزجة رخوة يعدِّلها كل رئيس يرغب في الزيادة ولا يرغب أبدا في النقصان.

التعديل الدستوري، كلٌّ متكامل، ولا يمكن أن نقول لا لمادة ونعم لمادة أخرى، وهذا سرُّ التخوُّف لدى بعض القوى السياسية الوطنية منها والإسلامية، وكأنَّهم يرون في الاستفتاء خيارا في شكل مقولة “ما أرخص الجمل لولا القط”.. غير أن هذا التخوُّف يجب أن لا يكون، خاصة إذا كنا فعلا نثق أنَّ القيادة السياسية الجديدة تؤمن بالتغيير السلس والعميق نحو دمقرطة الحياة السياسية وإشراك الجميع من دون إقصاء إلا من أقصى نفسه بنفسه أو تطرَّف أو رفض أو تحالف مع قوى خارجية تريد الإبقاء على النظام القديم وأرتاجه، فإنه من هذا الباب، لا يمكننا أن نقوِّض جهد الدولة والرئيس في عمله على إحداث نقلة نحو نظام جمهوري جديد يُخرج البلاد من دائرة التبعية للغرب ولفرنسا وللمحروقات ويقدِّر العمل الإنتاجي والإبداعي والفكر والابتكار المعرفي والصناعي من أجل اقتصادٍ محلي يُعوَّل عليه في الاكتفاء الذاتي والتصدير نحو القادرة الإفريقية وبقية الدول المجرورة، متحديا بذلك الوضع القائم منذ الاستقلال.

مقالات ذات صلة