-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما أشطرنا في محاربة الاستثمار والمستثمرين!

فيصل القاسم
  • 10585
  • 14
ما أشطرنا في محاربة الاستثمار والمستثمرين!

روى لي مستثمر عربي ذهب ذات يوم إلى دولة إفريقية بغية الاستثمار. وكان يظن قبل توجهه إلى إفريقيا أن دول القارة السوداء لا تقل تخلفا وتنفيرا للمستثمرين الأجانب عن الدول العربية. لكنه تفاجأ أيما مفاجأة عندما وصل إلى البلاد وبدأ مشاوراته مع بعض رجال الأعمال المحليين.

فهم لم يرحبوا به ترحيبا عظيما فحسب، بل سهـّلوا له الطريق إلى القصر الرئاسي بسرعة البرق كي يقابل رئيس الجمهورية. وروى لي المستثمر العربي كيف استقبله الرئيس كما لو كان زعيما، حيث رتبوا له استقبالا فخما، فقد وصلت إلى الفندق الذي يسكن فيه سيارة فارهة للغاية يرافقها عدد كبير من السيارات الأخرى، مما جعل المستثمر يشعر ببعض الارتباك والخجل ظنا منه أن هذا الاستقبال يمكن أن يكون لشخص آخر أكبر مقاما، لكنه تأكد بعد لحظات أن موكب السيارات الذي وصل إلى الفندق جاء خصيصا من القصر الجمهوري لاصطحابه إلى مكتب الرئيس. وقد وجد صاحبنا على باب القصر ما يشبه الوفد الرسمي كان بانتظاره للترحيب به. وتوالت مراسم الترحاب حتى وجد نفسه وجها لوجه أمام السيد الرئيس الذي كان واقفا في بهو المكتب بانتظار الضيف الكبير.

لقد كان ذلك الرئيس الإفريقي الذي استقبل المستثمر العربي ودودا للغاية، فرحب بالضيف ترحيبا عظيما، ثم راح يقدم له الإغراء تلو الآخر كي يسهـّل له الاستثمار في بلده، فأخبره أولا بأنه سيمنحه قطعة أرض كبيرة مجانية كي يقيم مصنعه عليها، وسيوفر لها كل المستلزمات من طرق وصرف صحي، لا بل إنه وعده بأن يجعل المنطقة المحيطة بالمصنع منطقة جميلة مزروعة بأنواع طيبة من الأشجار. ثم قال للمستثمر إنه لن يدفع أية ضرائب للدولة لمدة خمسة عشر عاما، وأن بمقدوره أن يُدخل ما يشاء من مواد أولية عبر الموانئ البحرية والجوية والبرية دون أن يعترض سبيله أحد، وإذا شعر المستثمر بأن هناك من ينافسه في مجاله فإن الرئيس سيصدر قرارا يخوّل فيه المستثمر العربي باحتكار صنع المنتوجات التي ينتجها مصنعه دون أي منافسة له داخلية أو خارجية. وبدوره لم يصدّق المستثمر العربي الإغراءات التي قدمها الرئيس. لماذا لأنه قادم من عالم عربي تتفنن فيه بعض الحكومات العربية في تنفير المستثمرين وتحويل حياتهم إلى جحيم.

لا أعتقد أن هناك دولة في العالم تنافس بعض البلدان العربية في محاربة المستثمرين العرب والأجانب الذين يحاولون الاستثمار في هذا البلد العربي أو ذاك. فلو أصغيت لبعض الذين شدوا الرحال إلى بعض الدول العربية للاستثمار في بعض المجالات لسمعت قصصا يشيب لها الولدان لما فيها من غرابة وتفنن شيطاني في سد الأبواب أمام المستثمرين والاستثمارات. وكأن هناك خطة مدروسة في بعض الدول العربية بمحاربة الاستثمار وإبقاء البلاد والعباد في حالة تخلف وفقر مدقعين.

لا أعتقد أن المستثمرين الذي يأتون إلى بعض الدول العربية يحلمون بخمسة بالمئة من الترحاب والتسهيلات التي حظي بها المستثمر العربي الذي ذهب إلى إفريقيا. فغالبا ما يصل المستثمرون إلى بعض المطارات العربية دون أن يجدوا أحدا في استقبالهم. وحسبهم أن ينجوا من براثن موظفي الجمارك وحمالي المطارات الذين يحاولون ابتزازهم من اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم أرض البلاد. وكما يقول المثل: المكتوب يـُقرأ من عنوانه، فالمعاملة التي يلاقيها المستثمرون في المطارات ما هي سوى مقبـّلات للمعاملة التي تنتظرهم داخل البلاد، حيث يتلقفهم بعض النصابين والمحتالين والمرتزقة الذين يستأثرون بالأرض وما عليها. فبينما قدّم الرئيس الإفريقي للمستثمر العربي المذكور آنفا خدمات مجانية عظيمة لتشجيعه على الاستثمار، يبدأ القائمون على الاستثمار ومحتكروه في بعض الدول العربية بابتزاز المستثمرين الأجانب والعرب. وبدلا من منحهم تسهيلات، يطلبون من المستثمرين على الفور أن يحددوا لهم النسبة التي سيعطونهم إياها من الأرباح، هذا إذا لم يفرضوا عليهم شرطا مرعبا وهو أن يقبل المستثمرون بأن يشاركهم حيتان الاستثمار المحليون في أموالهم، كأن يقولوا لهم مثلا عليكم أن تكتبوا لنا جزءا من رأس المال باسمنا، ونحن نقوم بتسهيل الأمور لكم. وليتهم يسهـّلون الأمور فعلا. فما أن يبدأ المستثمرون بشراء الأرض التي سيقيمون عليها استثماراتهم حتى يواجهوا ألف مشكلة وعقبة.

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتمكن مستثمر أجنبي أن يستثمر في العديد من الدول العربية دون أن يمر عبر الوكلاء المحددين للاستثمار. وهم في الغالب المقربون من هذا الزعيم أو ذاك.  فهم يحددون للمستثمر مجال الاستثمار، وهم الذين يخضعونه لمصالحهم الخاصة. لاحظوا الفرق بين رجال الأعمال الأفارقة وبعض رجال الأعمال العرب المحتكرين للاستثمارات في هذا البلد أو ذاك. الأفارقة اصطحبوا المستثمر العربي إلى مكتب الرئاسة كي يسهـّل له الاستثمار في البلد، أما العرب فهم ليسوا أكثر من وحوش كاسرة لا يهمهم تنمية البلاد والعباد بقدر ما يهمهم تنمية استثماراتهم الخاصة وتنمية أرصدتهم في البنوك الأجنبية. ولا عجب فمثل هؤلاء المستثمرين أو بالأحرى مصاصي الدماء لا يمتون للوطنية بصلة، فأموالهم تحوّل في العادة إلى الخارج، ولتذهب مصالح البلاد في ستين ألف داهية. فالمستثمر الوطني هو الذي يسهـّل ويشجع الاستثمار الأجنبي في بلده، لا الذي يصطاد المستثمرين العرب والأجانب كي يسلبهم أموالهم ويدمر استثماراتهم.

ذات يوم أراد أحد كبار المستثمرين أن يبني منشأة سياحية في بلد عربي ما، فتكالبت عليه معظم الوزارات لتجعله يلعن الساعة التي فكر فيها بالقدوم للاستثمار في بلد عربي. فهذا الوزير يقول له إن هذه الأرض ملك عام، ولا تستطيع أن تبني فوقها منشأة سياحية، مع العلم أن المستثمر دفع ثمنها أضعافاً مضاعفة، ناهيك عن المبالغ التي راحت إلى جيوب السماسرة. ثم يأتيه وزير آخر ليخبره بأن الأرض أثرية. ثم يأتيه رئيس البلدية ليزيد الطين بلة، ثم تأتي الشرطة لتهدده بأنه إذا وضع كيسا من الإسمنت في تلك الأرض فإنه سيذهب إلى أقبيتهم “الجميلة” كي يقضي هناك عددا من السنين تحت الأرض. ثم يتدخل الجيران محاولين ابتزاز المستثمر كل على طريقته، فمنهم من يعده بتسهيل الأمور عند الوزارة الفلانية لو دفع المبلغ المرقوم، وآخر يغريه بالتوسط له عند المستثمر الفلاني أيضا مقابل الدفع مسبقا، وهكذا دواليك.

وحدث ولا حرج عن الصعوبات والعقبات والمنغصات التي تواجه المستثمر فيما لو نجح بعد إفراغ جيوبه في شراء الأرض. فلا يمكنه أن يحصل على آليات من دوائر الدولة إلا بعد أن يرشي البواب قبل رئيس البلدية، ناهيك عن تخصيص مبالغ محددة لرئيس المنطقة ومن لف لفه من رجال الشرطة وأشباههم. كل بمقدار في بعض البلدان العربية، فلا تحلم أن تحصل على أي موافقة دون أن ترصف الطريق إليها بالكاش أو غيره.

ولا داعي لذكر العقبات التي تضعها بعض الدول في وجه الاستثمار الأجنبي بحجة الحفاظ على الاقتصاد الوطني، وهي حجج لم تعد تقنع تلاميذ المدارس. فأكبر عدو للاقتصاد الوطني هي بعض الحكومات ولصوصها المتدثرون بلباس حكومي ووطني زائف.

كيف يمكن أن نصف البلدان العربية التي تحارب الاستثمار والمستثمرين المحليين والأجانب؟ أليست هذه هي الخيانة الوطنية بعينها؟ هل هناك خيانة للأوطان والشعوب أحقر وأسفل من هذه الخيانة؟؟    

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • Dahamane

    Il fait faire attention à la fuite des capitaux. pour invistir en algerie il y a des conditions tel que reinvistissement du bénifice en algerie et le transfert de l'argent à l'extérieur ou pas plus de 25%
    Merci

  • مستثمر يشغل مئات العمال

    صدقت

  • جزائري

    صدقت...
    حاولت مؤخرا بدأ مشروع أكسب به رزقي, و بطبيعة الخبرة التي أملكها قررت فتح مقهى أنترنت. بدأت أولا باقتراض و جمع مبلغ كاف للمشروع, بحثت عن محل ملائم و اتفقت مع صاحبه, هيأت المحل, اشتريت التجهيزات و وضعتها مكانها و بات كل شيء مكتملا, فقط بقي لي ما ظننت أنه آخر شيء و هو أن أحصل على رخصة العمل ضمن هذا النشاط. ذهبت لأستعلم عن الاجراءات و الوثائق اللازمة لبدأ نشاطي وهنا كانت المفاجأة...
    كان ضمن الشروط أن أحصل على اشتراك أنترنت احترافي - و هذا طلب مفهوم - ثم علي أن أحصل على شهادة مطابقة للعقار الذي يحوي المحل, استفسرت عن هذه الوثيقة فقالوا لي أن العقار يجب أن يكون مكتملا بمعنى أن يتم البناء حتى الطابق الرابع... ثم علي أن أفتح باب للنجدة في المحل و أحصل على الموافقة عليه من الحماية المدنية علما أن مساحة المحل الذي اخترته لا تتجاوز 70 متر مربع... ثم علي أن أشهر عن فتح مقهى الأنترنت في أربع جرائد مقروءة, اثنتان بالعربية و اثنتان بالفرنسية... ثم علي أن أحصل على موافقة أهل المنطقة التي افتتح فيها مقهى الأنترنت عن طريق استفتاء كما قال لي الشخص وراء المكتب...
    أظن أن فتح حانة أو ملها ليلي سيكون أسهل...
    أنا الآن مقتنع تماما أن من يسنون هذه القوانين يريدون ابقاءنا نحن الشباب شباب عاطلا. فاما أن تكون رجل مال و سلطة فيفسح لك المجال و إلا "كالي الحيط"

  • بدري

    شكرا على هذا المقال سيدي لكن اذا اراد هذا المستثمر العربي ان يستثمر في الجزائر مثلا فعليه ان يأتي بمدير فرنسي ن هكذا يستطيع ان ينجح في مشروعه والله لو زرع الشوك فسيجني العنب هكذا يقول المنطق في الجزائر لان الذين يسيرون في الجزائر وخاصة في مجال الاستثمار لاعلاقة لهم لا بالجزائر ولا بالعروبة وليست لهم صفة البشر هؤلاء الناس ياسيدي المحترم يعلمون ابناءهم الحروف الفرنسية في الصغر بدل ,آيات قرانية ممسخين مسلخين ان رايت شكلهم لوليت منهم خوفا ورعبا ولك في وزير الاستثمار الجزائري خير دليل فهو لايعرف حتى التكلم بالعربية ولا يفهمها حتى في المجلس الوزاري عندما يتكل الرئيس بالعربية يضع سماعة الترجمة هو ووزير التربية ووزيرة الثقافة ....عيب كبير عليك يابوتفليقة والله غير عيب العالم يشوف فينا قولي يابوتفليقة واش من مجلس وزاري في العالم الوزير يترجملو ماذا يقول الرئيس .... والله ياسيدي في الجزائر يوجد اناس يمقتون العربية ويحاربونها ويكرهونها اكثر من كرههم للشيطان الرجيم والله على مااقول شهيد.....انشري ياشررررررروق يزينا من الحقرة

  • بدون اسم

    شكرا ياريت الرسالة تصل لا ربما نستفيد من هذه الاستثمارات ومن التكنولوجيا المقدمة فيها للقيام بتنمية البلاد

  • hatem

    أفكار أقل ما يقال عنها أنها وضعت خنجر على الجرح و تصف ولو بالتقريب الواقع المزري الذي تعيشه الدول العربية لا في مجال الاستثمار فحسب بل في العديد إن لم نقل كل المجالات.
    أريد أن أوصل فكرة الى من لهم يد :
    "ان لم تنفع فلا تضر"

  • أمين

    يِؤسفني جدا كمواطن عربي أن أقرأ متل هذه الحقائق التي تزيد في القلب حزنا وأسي لما يواجهه المستثمر في البلد العربي سواء كان أجنبيا أو من الأشقاء العرب.
    و لا يسعنا كمواطنين إلا أن نأمل أن تتبع الأنظمة العربية منهاج ذاك الرئيس الذي رحب بالمستثمر العربي ووفر له كل التسهيلات لا لمصلحة شخصية ولكن لسبب واحد و الذي يتمثل في أن المستثمر عربي.
    اللهم لا تآخذنا بما فعل السفهاء بنا.
    و شكرا

  • غضبان

    اولا السلام عليكم اشكرك على هذه المواضيع السامقة الفكر والوعي ، واود في هذه الكلمات ان الجزائر قد انتشر فيه مرض انفلونزا المحابات والرشوة الى اقصى حد وصارت حتى بعض المؤسسات الحساسة تتعامل بهذه الصيغة المحلية المشينة،وكم من مستثمر هرب من ولايتي جراء هذه المعاملات الانانية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف اعالج هذا الداء الذي انتشر في كل دوائر النفوس وفوق مكاتب الذهنيات في بلد كالجزائر ؟
    وشكرا

  • عبد الله محمد

    صحيح أن مناخ الاستثمار في البلاد العربية منفر ، وطارد ، ومغشوش ، الا أن الشيء الذي ينخر جسد هذه البلدان بصورة أخطر و أعمق هو الفساد بجميع أشكاله وتجلياته ، فهو مكمن الداء الحقيقي الذي لابد من علاجه أو الحد من تغلغله وتفشيه

  • محمد

    كلام واقعي و حقيقي يا اخي ان سبب تاخرنا هو ناجم عن خيانة الوطنية تري بالعين المجردة و لكن جل الناس لا يفهمونها لان هناك سياسة مستبدة و تخلف عقلي لدي شعوبنا بمكوثهم الصمت و ترك الحال علي ما هوعليه دون تكلم او حتي ابداء راي . لا حرية التعبير و لا دموقراطية ولا هم يحزنون . حلنا حالة مريض الادز حكامنا و شرطتنا و عسكرنا يهجموننا بطريقة بشعة و ما سبسب كل هدا . لا اعلم لكن اعلم ان روح الوطنية قد اختفت كما هو الحال في مرض الادز تغير الادن الطبيعي الدي يدافع عن الجسم باخر يهاجمة . شكرا

  • raouf

    و الله تصلح رئيس للجزائر

  • مصطفى

    كلامك فارغ يا فيصل القاسم لأنك لا تتمتع بالمصداقية تضرب في بلدان و تغمض العين عن أخرى و هذا ما أكره .
    يا أخي القصور في البلدان الإفريقية كالمنازل عندنا و الرئيس يجلس على كرسيه و ينظر يمنة و يسرة ينتظر الجهة التي يأتي منها الإنقلاب ، فماذا تقارن ؟

  • البرج الشامخ

    هم يسعون الى كسب النفوذ المادي والسياسي لتوريث الحكم
    متخافش يموتو و يخليوهم
    متخافش كاين ربي

  • ahmed

    في ما يخص الإستتمار في الجزائر
    ماتتخبطش بزاف ياسي فيصل
    الحقيقة يجب إعطاء المستتمر حقه و الترحاب به كمفيد أما أن نضرب له الشيتة هذا ممنوع في ثقافة الجزائريين
    أما الأرض فهي موروث الشهداء ليست للبيع تبقى للأجيال إذا إقترضها فذلك شيء آخر
    نرحب بكل المستتمرين على أن لا يتعدو حدود الله و سيادة المواطن على أرضه