-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا

سلطان بركاني
  • 1325
  • 0
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا

رحّب العلمانيون في طول العالم العربيّ وعرضه، خلال الأيام الماضية، بافتتاح ما سمي “البيت الإبراهيميّ” في الإمارات، المؤلّف من ثلاثة مبانٍ: مسجد للمسلمين، كنيسة للنصارى، وكنيس لليهود! وانتخوا للدّفاع عن المشروع ووصفه بأنّه أيقونة التسامح الدينيّ! ومهاجمة كلّ من ينكره من علماء ودعاة المسلمين! مع أنّهم دأبوا على إظهار امتعاضهم من إنفاق الأموال في بناء المساجد وبيوت العبادة، بدل إنفاقها في بناء الجامعات والمستشفيات!

وعلى خطى العلمانيين ثارت حفيظة بعض الدّعاة المجنّدين إماراتيا لصالح مشروع علمنة الإسلام وصَهره في قالب الديانة الإنسانية التي خطّطت مراكز الأبحاث الغربية على أن تكون النّسخة النهائية للديانة الإبراهيميّة، وراحوا يتّهمون العلماء بأنّهم كفّر الدّولة القائمة على مشروع البيت الإبراهيميّ، في محاولة من الجناة السّاعين في تحريف دين الله ولبس الحقّ بالباطل وإزالة الحواجز بين الحقّ والباطل وبين التّوحيد والشّرك، إلى أخذ دور الضحيّة، وتخويف العلماء والدّعاة من إنكار المشروع المشبوه.

من مواجهة الإسلام إلى اختطافه!

بعض الأطراف المعروفة بتناغمها المطلق مع المشاريع الغربية في العالم الإسلاميّ، تريد إظهار مشروع “البيت الإبراهيميّ”، على أنّه مشروع إسلاميّ، تشرف عليه دولة مسلمة، ويهدف إلى إرساء قيم التعايش والتسامح بين أتباع الأديان الثلاثة، لكنّ حقيقة الأمر أنّ المشروع غربيّ المنشأ شرقيّ التّنفيذ، ترعاه “مراكز الدبلوماسية الروحية” المدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وصندوق النقد والبنك الدوليين، وهي –أي مراكز الدبلوماسية الروحية- مراكز ماسونية تعادي الأديان كلّها، وتركّز عداءها على الإسلام. تحمّل الأديان مسؤولية الحروب والصّراعات! وترى أنّ الطريقة التقليدية في مجابهة الإسلام لم تُؤتِ أكلها، لذلك تجرّب حلا بديلا يقوم على اختطافه، ومحاولة صناعة نسخة مدجّنة له، باسم “الديانة الإبراهيمية” أو “الإنسانية”، تقوم على المبادئ العامّة للتعامل بين البشر، كالتسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، وتتنازل عن عقيدة الدين الحقّ، لصالح الحقّ المشاع، وتقبل بقيم الديمقراطية والقوانين الوضعية، والحرية المطلقة بما في ذلك حرية اختيار الدين وتغييره، وحرية اختيار الجنس وتغييره، والحرية الجنسية، وحرية الشذوذ، وغيرها من الحريات! لذلك لم يعد غريبا على الدويلة التي تستضيف مشروع البيت الإبراهيمي أن تحتضن المؤتمر الدولي الخامس عشر حول الهوية الجنسية وحقوق المثليين، في العشر الأواخر من رمضان، يومي الخميس 23 والجمعة 24 رمضان من العام الجاري 1442 هجرية (6 و7 ماي 2021م)!

البيت الإبراهيميّ.. ومشروع التطبيع الدينيّ مع اليهود

مشروع البيت الإبراهيميّ يناط به هدف آخر، هو ترسيم وتوطيد العلاقة مع الكيان الصهيونيّ، على أساس التعايش مع أبناء العمومة من اليهود، وقد سبق للداعية وسيم يوسف محامي البيت الإبراهيميّ، مع ازدياد وتيرة الهرولة نحو التطبيع، أن برر الخطوة، ولم يكتف بذلك حتى برّأ ساحة الصهاينة من المؤامرات التي حاكوها للأمّة، حيث قال: “إسرائيل لم تفجّر المساجد، ولم تصنع الفتنة بين السنّة والشيعة، ولم تحرق كنائس العرب، وكل من فعل هذا هو نحن”!

محامو هذا المشروع، ستكون لهم الجاهزية الكاملة لتبرئة ساحة المشروع الصهيو-صليبي، كما برّأ النّصارى اليهود قبل ذلك واعتذروا إليهم، وقال يوحنّا بولص الثاني في العام 1986م قولته التاريخية: “بالنسبة إلينا، ليست الديانة اليهودية ديانة خارجية، بل إنها تنتمي إلى قلب ديانتنا، وعلاقتنا بالديانة اليهودية مختلفة عن علاقتنا بأي دين آخر”، وخاطب اليهود قائلا: “أنتم إخوتنا الأحباء ونستطيع القول: أنتم إخوتنا الكبار”..  لن يكون مطلوبا من أعضاء البيت الإبراهيميّ من اليهود والنّصارى أن يعترفوا بنبيّ الإسلام –عليه الصّلاة والسّلام- أو ينادوا المسلمين بـ”إخوتنا الصّغار”! بل سيكون مطلوبا من المسلمين أن يعترفوا بأنّ اليهودية والنصرانية -في نسختيهما المحرفتين- ديانتان إبراهيميتان!

من البيت الإبراهيمي.. إلى البيت الإنسانيّ.. إلى البيت الجاهليّ!

مشروع البيت الإبراهيميّ لن يقف عند ما يسمّى الديانات الإبراهيميّة، بل سيكون له دور بارز في التعايش مع الديانات الوثنية في هذا العالم كالبوذية والهندوسية، وفي اعتبارها وجهات نظر محترمة في الاعتقاد وفهم الحياة.. خاصّة أنّه قد سبق للإمارات أن نصبت تمثالا لبوذا إله البوذيين، على جانب الطريق السريع “أبو ظبي-دبي” في 31 مارس 2019م، وافتتحت معابد للهندوس على أراضيها.. أمّا الهدف الأهمّ للمشروع فسيكون التّوطئة لقيام الجاهلية الجديدة؛ جاهلية الإلحاد المتعايش مع الأصنام ومع كلّ الرزايا التي تفرّقت بين الجاهليات الأولى التي بعث فيها الأنبياء عليهم السّلام.

لا بدّ من فضح المشروع وكشف سدنته

علماء الأمّة ودعاتها وأئمّة مساجدها، وكتّابها ومثقّفوها الرساليون، وحتّى شبابها الغيورون على دينهم، مدعوون جميعا، لفضح مشروع البيت الإبراهيميّ، وفضح أحباره المنتسبين إلى العلم والدّعوة، وعدم الالتفات إلى تهمهم الجاهزة التي يلصقونها بكلّ من يفضح سعيهم إلى تمييع دين الله الحقّ وتحريفه لينال رضا الماسونية العالمية.

الدّين عند الله واحد هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله غيره: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)) (آل عمران، 19)، والشريعة الإسلامية هي الشريعة الناسخة لكلّ الشّرائع السّابقة، والديانتان اليهودية والنصرانية، محرّفتان؛ فلا اليهودية التي يدين بها اليهود الآن هي دين نبيّ الله موسى عليه السّلام، ولا النصرانية دين نبيّ الله عيسى عليه السّلام، واليهود والنّصارى الآن قوم كفّار مشركون، من مات منهم على دينه فمصيره جهنّم خالدا مخلّدا فيها: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)) (آل عمران، 85).. والخلط بين الإسلام الحقّ والديانات المحرّفة، ومساواتها به، وكذا جعل القرآن الكريم، على قدم المساواة مع التوراة والإنجيل المحرّفين، كفر بالله تعالى، قال سبحانه: ((وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون)) (البقرة، 42). قال قتادة رحمه الله: “لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، إنّ دين الله الإسلام، واليهودية والنّصرانية بدعة ليست من الله” (تفسير ابن أبي حاتم، 1/ 98).

قال ابن تيمية رحمه الله: “قول القائل: المعبود واحد وإن كانت الطّرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمّن إمّا كون الشّريعة النصرانية واليهودية المبدّلتين المنسوختين موصلة إلى الله؛ وإمّا استحسان بعض ما فيها ممّا يخالف دين الله، أو التديّن بذلك، أو غير ذلك ممّا هو كفر بالله وبرسوله، وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة” (اقتضاء الصراط المستقيم: 1 /540).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!