-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما محلُّ العرب من قرار محكمه لاهاي؟

ما محلُّ العرب من قرار محكمه لاهاي؟

محكمة العدل الدولية وقراءة المحكمة للأدلّة في مرافعة جنوب إفريقيا إيجابية على العموم، غير أنّ هذا القرار يتطلب استكمالا قضائيا واستغلالا سياسيا وعمليا. وإذا كان الاستكمال القضائي يتطلب مزيدا من الوقت والبحث والتّحري وتجميع الأدلة المادية، فإن الاستغلال السياسي والعملي للقرار الحالي للمحكمة يتطلب سرعة وعزيمة وجِدّية.

إنّ قرارات وأحكام محكمة العدل الدولية لا توضع موضع التنفيذ إلّا بعد استصدار قرار من مجلس الأمن لتفعيل هذا القرار والحُكم وتنفيذه، وهنا تجد الجزائر نفسها أمام مسؤولياتها التاريخية والقومية -باعتبار عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن- في دعوة المجلس إلى الانعقاد لاتّخاذ قرار بشأن تفعيل حُكم محكمة العدل الدولية.

إنّ موقف الجزائر يُمثِّل وفاءً صريحا لوقوفها نصرة للشعب الفلسطيني ومع فلسطين في كل الظروف خلافا لموجة التّخاذل العربي منذ نهاية السبعينيات والمتدحرجة إلى درجة العمالة والنُّكران لحركة التطبيع تحت مسمى “السلام”.

ها هي الفرصة سانحة من جديد ليغسل بعض العرب عارهم في إدارة ظهرهم لإخوانهم في فلسطين. إنّها فرصة كبرى، وتغطية قانونية قد لا تتكرر لمن أراد من العرب أن يعود إلى صوابه، ويدافع عن أرضه ومقدّساته. كما أنّها شرعية دولية لتنفيذ قرار آخِرِ قمّة عربية بضرورة كسر الحصار على الفلسطينيين وإمدادهم على الأقل بالمعونات الضرورية من الغذاء والدواء والإيواء.

لم يعُد للعرب حُجّة في تقاعسهم وتخلّيهم عن واجباتهم القومية والإنسانية، وخِلاف بعضهم الإيديولوجي مع حركة حماس ونهج المقاومة أصبح غير مُقنع للجماهير العربية، كما أنّها حُجّة سمجة ورخيصة لا تزيد العرب عند الغربيين إلّا إذلالا واحتقارا.

لقد أصبح ضرورة مُلّحة أن يتحرك المجتمع العربي بمختلف تنظيماته الاجتماعية ليضع سلطات بلدانهم أمام الأمر الواقع بضرورة تنفيذ قراراتهم بجِدّية وحزم بعد أن مهّدت محكمة العدل الدولية الطريق للتنفيذ، وأعطتهم الشرعية لذلك، ولم يعد أمامهم أيّ عذر أو حُجّة للتقاعس والتبرير، ولم يبقَ أمامهم إلّا أحد خيارين: الالتزام بقرارهم، أو الكشف عن حقيقة تخلّيهم عن القضية الفلسطينية والارتماء العلني في أحضان العدوّ والعدوان.

حان الوقت لشعوب الدول المُطبِّعة ألّا تكتفي بالشعارات والمسيرات في الدول التي تبيح لهم ذلك تنفيسا عن غضبهم، ووجب أن ينتقل هذا الغضب إلى عمل ميداني لوضع سلطات بلدانهم أمام الحقيقة.
إنّه لا سلام دون وقف العدوان الصهيوني، ولا سلام دون أن يسترد العرب أرض فلسطين ويعيدوا بناء دولتهم المستقلة ذات السّيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشريف.

وما لم يتحقق هذا الهدف، فكل المسار السّلمي الذي ظهر خداعا وكذبا يجب أن يوضع له حد نهائي باحتضان المقاومة وتزويدها بما تحتاجه من رعاية سياسية ومادّية وإعلامية ودبلوماسية واجتماعية حتى تحقيق أهدافها وانتصار مشروعها.

إنّ هذا الجانب العملي والتنفيذي لقرار محكمة العدل الدولية هو التّرجمة الحقيقية لاعتبار القضية الفلسطينية هي القضية الأم والقضية الأولى والقضية الجامعة للدول العربية، وأنّ من يتخلّف عن ذلك يجب إعادة النظر في عضويته في جامعة الدول العربية.

وما لم تصل الدول العربية إلى هذا الوضوح والجُرأة، فإنّ مستقبل سيادتها ودولها سيظل محل شك ومحل أطماع استعمارية جديدة وبصور جديدة تتماشى أكثر مع طبيعة الصراع الدولي في تنازع المصالح والأحلاف، وعندها على العرب أن لا يلوموا إلّا أنفسهم لأنهم اختاروا أن يكونوا تُبَّعا مرة أخرى، وبذلك يخونون كل تاريخهم النضالي من أجل الحرية والسّيادة والانعتاق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!