الرأي

ما ينبغي أن نتعلمه من ألمانيا!

محمد سليم قلالة
  • 1945
  • 14
أرشيف
أنجيلا ميركل

تمّت هذه المرة زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الجزائر بعد أن تأجلت في السنة الماضية في آخر لحظة. أكثر من 30 مشروعا استثماريا ألمانِيا، وعشرات الشركات لديها مكاتب أو فروع في بلادنا. ألمانيا هي خامس شريك اقتصادي لنا، وقضايا أمنية وسياسية عدة مشتركة بيننا يمكن التعاون بشأنها من ليبيا إلى مالي إلى الهجرة غير الشرعية… إلخ، ومطالب ألمانية معروفة لتفعيل العلاقات الاقتصادية معنا: مشكلة البيروقراطية، بطء المعاملات البنكية، جمود القوانين… إلخ.

كل هذه المسائل مهمة، إلا أن الأهم الذي يُفتَرض أن يُعتَبر أولوية الأوليات بالنسبة إلى الجزائريين، هو: كيف نتعلم من الألمان؟ وكيف نُكوِّن أبناءنا على أيدي الألمان؟ وكيف نَنقل تجربة التنمية البشرية الألمانية في بلادنا؟ ذلك أن مشكلتنا ليست أبدا كيف نُنتج عشرات الآلاف من السيارات، ولا كيف نبني مصانع هنا وهناك، رغم أهمية ذلك، ولكن كيف نتعلم من الألمان، كيف يتحول الجزائري إلى الجدّية وإلى العمل والمثابرة والانضباط ونبذ الكسل، وكيف يكتسب المهارات وكيف يُتقن المهن المختلفة على الطريقة الألمانية…

 المسألة الأساسية التي ينبغي أن نطرحها على الألمان هي هذه: كيف بإمكانكم أن تُعلِّموا أبناءنا في التكوين المهني وفي المعاهد والجامعات والمستشفيات… لكي يغيروا من الحال التي أصبحوا عليها بعد كم سنة من تغييب التكوين الحقيقي والاهتمام بالإنسان في بعده العلمي والمهني والحرفي؟

ألمانيا معروفة في هذا الجانب، ولا يوجد أفضل منها في العالم: لماذا لا نُعيد تعديل برامجنا في مجال التكوين المهني والتعليم العالي، والصحة وغيرها، وفق المنهجية الألمانية بدل الخليط السائد اليوم؟ لماذا لا تكون وزارة التكوين المهني والتعليم العالي والصحة والتربية وغيرها، هي أساس مثل هذه الزيارات، بدل أن نكتفي بتلك الجوانب التجارية والمالية والصناعية التي تُهمِل تكوين الانسان؟

يبدو لي أنه علينا أن نكون سعداء ودولة مثل ألمانيا تُعبِّر عن رغبتها في تعزيز العلاقات مع بلدنا، ولكن علينا أن نكون أكثر جدية في التعامل مع هذا البلد الكبير في أوربا والعالم، ألا نكتفي بتلك النظرة السطحية التي تجعلنا نفرح باستثمارات مادية بعيدة عن الاستثمار في الانسان، وأن نتطلع إلى أن يكون لنا تعليم مثل التعليم في هذا البلد، وأن نعتمد برامج التكوين المهني الألمانية في مختلف المجالات من الصناعة إلى الصحة إلى الرياضة… عندها فقط نُعطي للعلاقات بين بلدينا عمقها الحقيقي، بُعدها الاستراتيجي ونُساهم بحق في إعادة الأمل لأنفسنا بأن نصل ذات يوم إلى فهم أن حقيقة قوة ألمانيا لم تصنعها الإمكانات والثروات الباطنية والأموال إنما الانسان الألماني والروح الألمانية التي تحركه عن حب للعمل وإتقانه وتقديس لأداء الواجبات، وقبل ذلك عدم الاهتمام بتفاصيل الأحداث كما نفعل. فألمانيا مقتنعة بتعزيز علاقاتها مع الجزائر ونحن نشك في أن لنا بلدا اسمه الجزائر.

مقالات ذات صلة