-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متاعب العطلة الربيعيّة!

متاعب العطلة الربيعيّة!

كان الفيلسوف الفرنسي الشهير أندري كونت سبونفيل André Comte-Sponville، المهتم بإدارة شؤون العمال والموظفين داخل المؤسسات بكل أنواعها قد ألقى محاضرة منذ سنوات أمام طواقم مستشفيات جامعة جنيف، كما يفعل في مؤسسات أخرى كثيرة. وكان عنوان هذه المحاضرة التي استمعنا إليها بالصدفة هذه الأيام “السعادة في العمل”. وقد تمعّنا في تحليلات هذا العالم أمام المسيّرين وفي تركيزه على أهمية أن نجعل الموظف في المؤسسة “سعيدا” -أي دون أن يشعر بكثير من الملل والتبرّم أثناء أداء مهامه- لأنه إن كان الأمر غير ذلك فالمؤسسة التي يعمل فيها ذلك الموظف ستكون بعيدة عن الازدهار والرقي في أداء الدور المنوط بها.

ويؤكد هذا العالم أمام المسيرين أن دورهم الأساسي ليس في دفع أجور موظفيهم بل يكمن في البحث عن إضافة عنصر “السعادة” لدى هؤلاء؛ فالراتب وحده لا يكفي لجعل الموظف يسعى بجدّ لتوظيف مهاراته ويتفانى في عمله ويتطلع إلى أن تكون مؤسسته أفضل من غيرها، بل سيقوم في أحسن الأحوال بأدنى ما يُطلب منه إذا ما حُرم من “السعادة”. ويضيف المحاضر أن إضفاء عامل “السعادة” هذا يتم بعدة أشكال حسب نشاط المؤسسة وبيئتها والتسهيلات التي يمكن توفيرها للمستخدمين فيها… وليس بالإغراءات المادية وحدها.

عطلة الربيع وعيد الفطر

تذكَّرْنا فحوى هذه المحاضرة عندما لاحظنا التواريخ التي ضبطتها وزارتا التربية الوطنية والتعليم العالي بخصوص مواعيد العطلة الربيعية في توقيتها مع موعد عيد الفطر… علما أن المناسبتين اللتين تكثر فيهما الحركة والتنقل والزيارات بين الأهالي عبر القطر خلال السنة هما فترتا عيد الفطر وعيد الأضحى المباركين.

تذَكّرْنا ذلك لأن المسؤوليْن في الوزارتيْن الذين اختاروا مواعيد هذه العطلة قد اجتهدوا ليس في الاتجاه الذي يدعو إليه الفيلسوف أندري كونت سبونفيل -أي الذي يدعو إليه المنطق السليم- بل اجتهدوا كثيرا في الاتجاه المعاكس الذي يزيد من متاعب العاملين من أساتذة وطلبة وتلاميذ وأوليائهم. وكنّا سنقبل بهذا الاجتهاد الأعرج لو كانت هذه المتاعب ستأتي بفائدة في سبيل طلب العلم وتحصيله من قبل التلاميذ والطلبة، لكن ما نلاحظه ويلاحظه المتتبِّعون أن العكس هو الصحيح.

لقد قررت الوزارتان بأن تكون عطلة الربيع في المواعيد ذاتها للتلاميذ والطلبة، وهما في الواقع غير ملزمتيْن بذلك رغم ما في ذلك من استحسان لفئة الأساتذة الجامعيين، ففي فرنسا مثلا -التي نعتدّ بها في كل شيء- نجدهم يوزعون العطلة الربيعية في المؤسسات التعليمية على 3 فترات مختلفة حسب الأقاليم، ولهم في ذلك مبرراتٌ تخصهم ولا تخصنا.

وما هو موعد هذه العطلة الذي حددته وزارتا التعليم قبل شهور؟ بداية العطلة كان يوم الخميس 21 مارس ونهايتها الأحد 7 أبريل، أي على بعد يومين من يوم عيد الفطر الذي يُمنح هذه المرة (مع عطلة آخر الأسبوع) 5 أيام عطلة إضافية متواصلة! هذا هو اختيار هؤلاء المسؤولين القائمين على تحديد العطل المدرسية والجامعية. يعني ذلك أن الطالب والتلميذ والأستاذ والمعلم سيتوقفون عن العمل أسبوعين كاملين، ثم يلتحقون بمؤسساتهم مدة يومين، وبعد ذلك يعودون لعطلة تدوم 5 أيام!

بداية العطلة كان يوم الخميس 21 مارس ونهايتها الأحد 7 أبريل، أي على بعد يومين من يوم عيد الفطر الذي يُمنح هذه المرة (مع عطلة آخر الأسبوع) 5 أيام عطلة إضافية متواصلة! هذا هو اختيار هؤلاء المسؤولين القائمين على تحديد العطل المدرسية والجامعية. يعني ذلك أن الطالب والتلميذ والأستاذ والمعلم سيتوقفون عن العمل أسبوعين كاملين، ثم يلتحقون بمؤسساتهم مدة يومين، وبعد ذلك يعودون لعطلة تدوم 5 أيام!

كنا تصورنا في البداية، مثل غيرنا، أنه من الأرجح أن تستدرك الوزارتان هذا العيب وتعفيان المنتسبين إليهما (تلاميذ وطلبة) من الحضور خلال اليومين الفاصلين للعطلتين على أن يتم تعويضهما –على الأقل في التعليم العالي- بعد العطلة أو قبلها، وهذا كان أحد الحلول الممكنة. لكن لا حياة لمن تنادي.

كيف لا نستغرب والسيد وزير التربية، مثلا، يلفت انتباهَه أحدُ نواب الشعب قبل أيام ويسأله حول إمكانية تمديد العطلة المدرسية إلى ما بعد عيد الفطر، فيردّ بأن “في قطاع التربية كل يوم بقيمته وأهميته وقامته” حسب ما تردد في وسائل الإعلام؟! وربما نوافق السيد الوزير فيما ذهب إليه، لكن هذه الملاحظة الوجيهة كان ينبغي أن تُوجَّه قبل شهور إلى المسؤول الذي حدّد مواعيد هذه العطلة بعد توبيخه.

ووزارة التعليم العالي…

أما في وزارة التعليم العالي فحدّث ولا حرج؛ فكل مسؤول يفتي بفتواه: على مستوى رأس الهرم لا تعقيب ولا تعديل. وأما على مستوى المؤسسات، فكل مؤسسة تقرر ما تشاء: من هذه المؤسسات –وهي كثيرة- ما لا تطلب توقيع محضر استئناف الدروس للأساتذة يوم 7 أبريل، ومنها ما يطلب توقيع هذا المحضر عن بُعد؛ ومنها ما يلزم بالحضور الشخصي لتوقيع محضر الالتحاق بالمؤسسة. بل هناك أيضا مؤسسات اجتهدت –وحسنًا ما فعلت- وسمحت داخليًا للطلبة والأساتذة باستدراك اليومين بعد العطلة. لنتصور، في هذا السياق، أستاذا يقضي عطلته مع أسرته بعيدا عن مقرّ عمله وليس له محاضرات أو دروس يقدّمها يوم الأحد والاثنين (7 و8 أبريل)… ومع ذلك تطلب منه مؤسسته القدوم شخصيا للمؤسسة من أجل توقيع محضر الاستئناف يوم 7 أفريل ليعود بعد ذلك من حيث أتى ليواصل أيام العطلة والاحتفال بأيام العيد مدة أسبوع آخر!

كل هذه الفوضى تحدث في المؤسسات بدعوى الالتزام بالقوانين. والوصاية تعلم أن الطلبة في مثل هذه الظروف سيكون الغائب منهم أكثر من الحاضر، وأنه لا جدوى من دروس تُعطى في ظرف اجتماعي كهذا. دعنا بعد ذلك نتساءل: هل نبّه رؤساء الجامعات والمدارس العليا في الوقت المناسب الوصاية إلى سوء اختيار مواعيد العطلة؟ فإن فعلوا ولم يُستجب لهم فهذا أمر خطير إذ لا يجوز عدم الإنصات للمسؤولين المباشرين لشؤون المؤسسة، فهم أعلم بسرائرها؛ وإن لم يفعلوا فهذا أخطر حسب رأي الفيلسوف أندري كونت سبونفيل لأنهم في هذه الحالة لا يراعون المصلحة العامة.

أخيرا، نسأل: ما الذي منع الوزارتين من أن يتم تحديد هذه العطلة خلال الأسبوعين  28 مارس- 14 أفريل (بدل 21 مارس-7 أفريل)؟ لو كان هذا خيارهم لما “كسب” التلاميذ والطلبة يومين بين عطلتين كما هو الحال الآن (وأي كسب!) بل كانوا سيكسبون أسبوعا كاملا (21-28 مارس) بطريقة قانونية لا ثغرات فيها، وكان سيتمتع الجميع بالعيد وبأيامه الممتدة طولا وعرضا ضمن العطلة الربيعية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!