الرأي

متى نهتدي إلى الإصلاح على الطريقة الماليزية؟

محمد سليم قلالة
  • 1242
  • 11
ح.م

عندما نَطلبُ الإصلاح أو التغيير علينا أن نُدرك بأننا نتعامل مع غاية تتعلق بمُركَّب اقتصادي – اجتماعي- ثقافي – سياسي، تَشكّل عبر فترة زمنية ليست بالقصيرة، ووَصل في بعض المستويات إلى حالة فقدان القابلية للتغيير، ولسنا نتعامل مع هدفٍ جزئي له علاقة بشخص أو قطاع أو شركة أو حتى مجموعة أشخاص وشركات وقطاعات تَبيَّنَ لنا فسادُها… بما يعني أنه علينا في المقام الأول، أن نعي جيدا درجة التداخل بين المتغيرات والمكوِّنات المُشَكِّلة لمعادلة “موضوع التغيير”، وفي مرتبة ثانية أن نُدرك الترابط التصاعدي والتنازل بين عناصر هذه المعادلة المُعقَّدة جدا، وفي مرتبةٍ ثالثة أن نأخذ بعين الاعتبار معامل الزمن وميكانيزم التكيُّف لدينا عند الشروع في عملية تفكيك مختلف المجاهيل.. دون هذا الإدراك الواعي للمتطلبات الثلاثة تُصبح الدعوة إلى الإصلاح أو التغيير أو الثورة كما يتساهل البعض في استخدام المصطلح، مجرد أداة للتلاعب بالعواطف والعقول لأجل الدفع بالمجتمع نحو تحطيم ما بَقي من صلابة في الأرضية التي يقف عليها، ليسقط تدريجيا في الهاوية المُعَدَّة له سلفا، ولا ينتبه إلى كونه قد سار شوطا في طريق السقوط إلا بعد فوات الأوان…

ولعل هذا ما وقع لأشقائنا في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان إلى حد الآن، ومصر في طريقها إليه، ونحن نعيش مقدِّمات ذلك إذا لم نتدارك الأمر في ما بقي لنا من زمن وقدرة على التكيف… بل حتى أشقاؤنا في تونس على خلاف ما يبدو لم ينجوا من ذلك، فالنظام السياسي ما بعد “بن علي” أوصل “ديمقراطيا” إلى الحكم مَن أصبحوا يتجرؤون حتى على أحكام القرآن الكريم!

بما يعني أن بحثنا عن التغيير الإصلاحي وليس التغيير التخريبي، ينبغي أن يتجاوز المجال الجيوسياسي المباشر الذي ننتمي إليه، ما بين أقصى تجربة فاشلة (سورية، اليمن)، وأكثرها نجاحا (تونس)، إلى النظر إلى تجارب أخرى أكثر نجاحا مثل ماليزيا… وأنه علينا ألا ننساق خلف مثالية البعض التي تصل إلى درجة الوهم، أو واقعية البعض الآخر التي تريد إخفاء الحقيقة. بل أن نجد نقطة التوازن الملائمة التي تُمَكِّننا من أن ننتقل بذكاء، تدريجيا نحو وضع جديد بعيدا عن كل تهويل أو تخويف ومن دون خسائر تُذكر.

لقد تمكنت شعوبُ جنوب شرق آسيا من تحقيق التقدم بسلاسة بسبب خياراتها الذكية والاقتصاد في الخسائر… لماذا لا نكون مثلها؟

عندما هيمنَتْ “عصابة” سياسية على الحكم ونهبت خيرات ماليزيا طيلة 15 سنة (2003ـ 2018) التي تركها حكم محمد مهاتير… لم يلجأ الشعب إلى خيار ثالث لتصحيح الأوضاع بل أعاد إلى الحكم محمد مهاتير عبر الانتخابات وليس بوسيلة أخرى… وفي ظرف 10 أيام استطاع استرداد ملايير الدولارات من ناهبيها، وشرع في استرداد الأموال المهرَّبة إلى سويسرا والولايات المتحدة وسنغافورة وألغى الضرائب غير المشروعة، ومَنع على وزرائه قبول أيِّ هدايا سوى الورد أو الطعام… أي أقام نظاما حقيقيا ضد الفساد، وهكذا تمَكّن هذا الرجل الذي يبلغ عمره 94 عاما، ليس فقط من كسب تأييد شعبه رغم تقدُّمه في السن، بل من الشروع في إصلاح حقيقي وتدريجي لنظام بلده السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أن يَدَّعي الثورية ولا أن يُزايد في الكلام على أحد… بل من خلال تحالف أسماه تحالف “الأمل”، فاز في الانتخابات.

مقالات ذات صلة