-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محمد، رد حقيبتك!

عمار يزلي
  • 866
  • 0
محمد، رد حقيبتك!

التغييرات والتعديلات الوزارية، صارت هذه الأيام جارية على ساق وقدم، بعدما كان عمر الحكومات في العهدتين الأولى والثانية أطول! السبب هو أن هذه العهدة الأخيرة ربما للرئيس ـ أو التي قد تكون تتمة لعهدة أخرى لا نعلم في أي شهر أو سنة يتوقف عمرها ـ لم يعد فيها الرئيس يعول على طول نفس الحكومة بقدر ما صار يضيق به النفس عندما يرى عجز هذه الوزارة أو تلك أو هذا الوزير أو هذا الوالي أو هذا الجنرال عن أداء مهامه. بل أكثر من ذلك، أن الوزارات في عهد سلال، لم نعد نعرف كيف يتم اختيار عناصرها وعلى أي قواعد (ما عدا الولاء! هذا شيء مسلم فيه… وبخاري!. لكن الحسابات لم تعد بالتأكيد هي نفس الحسابات قبل 15 سنة!

فعندما استقدم عمارة بن يونس، واستقدمت تومي، كان الغرض من ذلك معروف: قصقصة أجنحة سعدي المكسورة أصلا، لكن مع ضعفها، فقد كانت قوته في ضعفه! هذا هو حال المعارضة و السلطة عندنا على حد سواء: هي في يد أقلية ساحقة! وهذا ما أراد فعلا الرئيس أن يفعله في بدايات عهدته الأولى بحثا عن الاستقرار السياسي من خلال دعامات وحلفاء من كل الاتجاهات. هكذا، استقدم وزراء من حمس واستقدم أسماء ممثلة لتيارات أخرى ثقافية وفكرية وسياسية ومذهبية. غير أن اليوم، يبدو أن قصقصة الأجنحة قد أكلت أكلها وأن الدجاجة تم “ترييشها” بالمطلق ولهذا لا غضاضة في الاستغناء عن عظام الدجاجة بعد أن شويت على نار هادئة واستهلكت لأجل نور التهدئة! فكان الاستغناء عن بن يونس وقبله عن تومي! فالقضية لم تكن مسألة خمور ولا تمور! لأن الخمور قضية الحكومة وعمارة بن يونس لم يكن إلا أداة منفذة وهو قالها بعظمة لسانه! فالمسألة ليست خمورا، وإلا لقلنا أن الحكومة أخيرا قد اعتنقت الإسلام وتابت! نفس الشيء مع تومي التي عمرت كما عمر عمارة! المسألة معها هي الأخرى ليست فسادا ولا أموالا مهدورة ولا قسنطينة ولا عواصم ولا مهرجانات أكلت أموال الجزائريين من أجل “بريستيج” فارغ! المسألة هي أن تومي قد استهلكت وحرقت أوراقها ولم تعد صالحة للاستعمال، لا على المستوى الشخصي ولا على المستوى السياسي ولا الإيديولوجي!، وبقي بن يونس يمجد الرئيس حتى في عز تنحيته طمعا في العودة ذات يوم إلى وزارة أو سفارة أو حتى خفارة! هذا حال السلطة عندنا، تشتريك من أصحابك لتبيعك في سوق النخاسة بعد أن تمتص منك رحيقك ـ هذا إن كان عندك رحيق أصلا، بل لنقل، لتمتص منك ماء وجهك معتقدة أنها تمسح وفقط من أنفك مخاطك! ـ

هكذا، صار التغيير كل حين والتعديل في كل آونة طمعا في السباق مع الوقت، خاصة أن النفط قد شح مدخوله بما يعني أنه على العقلية السابقة “التبذيرية” أن تتبدل وأن نسرع الخطى قبل نهاية المهلة الثالثة التي أمهلها الجزائريون للرئيس لتنفيذ وعود عهداته، قبل أن ينفض الجمع من حوله ويخرج الشعب مطالبا “بكل حقوقه الموعودة، المكتسبة وغير المكتسبة، التي طمع فيها بعد انتخابه لأول مرة، وحتى قبل ذلك! مطالب باقية تنتظر من يوم الاستقلال: السكن، العمل، حقوق الناس الفردية والجماعية، التعليم، المرأة، الرجل، الطفل.. الشباب بكل فئاتهم! مطالب متبقية منذ الثورة، لا بل منذ مطالبنا من فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، لا، بل مطالبنا منذ رسالة الأمير خالد إلى ويلسون عقب الحرب العالمية الأولى، بل إلى ما قبل، إلى ما قبل الاحتلال، مع الدايات وحكم الأوليغارشيات التركية المالية والعسكرية والآغوات المفسدين..نزولا هكذا.. إلى عهد سيدنا آدم!..مطالب لا نهاية لها ولا تاريخ بداية، تتبعنا إلى يوم الدين!

الرئيس وحكومة سلال، عليها أن تفي بوعودها التي قطعتها على نفسها قبل أن يجف النفط ويستفيق الشعب الساكت إلى حين يفعل مورفين المال والإسكاتبالارتشاء والتسويات الدنيوية، وشراء السلم والذمم وشراء الحلفاء والتحالفات وبيع الناس وشراء الناس في البرلمان وفي الإدارة وفي المؤسسات الأمنية. كل هذا صار الآن قليل الجدوى، لأن المال قل، ولأن المفسدين قد أخذوا ما فيه الكفاية وأكثر، ولم تعد هناك برامج ضخمة في الأفق من شأنها أن تسيل اللعاب. فاللعب قد انتهى وصفارة الحكم قد تصفر في أي لحظة. لهذا، يحاول النهاب أن ينهوا مساراتهم وعملياتهم في أسرع وقت قبل الرحيل والمغادرة، لأنه بعد انتهاء، حتى الوقت الإضافي (والعهد الرابعة في رأيي الخاص هي وقت إضافي!)، لن يكون هناك وقت لإسكات الناس ولا لإخماد نيران المطالب التي تتعاظم كل يوم! وهذا أيضا ما يفسر بداية استفاقة الرئيس الذي شرع في تطهير المحيط طمعا في محيط أقل طمعا وجشعا أو ربما خوفا أو تخوف من أشياء هو يعرفها… نحن نعرفها!


نمت على هذا الزخم من الأشواك التي ننام عليها قريري الأعين، لأجد نفسي أنا هو عمار بن يونس وقد عدت إلى الحكومة وزيرا للفلاحة! أول ما قمت به هو أني استقدمت مخطط فرنسا قبل سنة 1880، عندما لاحظت أن فرنسا أقدمت على زرع الكروم الكريمة في الجزائري بعد أن بقيت لعشر سنوات بدون خمر بسبب مرض أصاب الكروم في أراضي فرنسا كلها تقريبا، ما جعلها تتكرم علينا وتنقل إلينا الكروم سنة 1880 ومعها سيدخل المعمرون وتمنح لهم الأراضي، ويدخل أيضا بنك “كريدي ليوني” لأول مرة إلى الجزائر قصد تمويل إنتاج الكروم والخمور!.بناء على هذا المخطط، قدمت للحكومة مشروع زراعة الكروم على كل الأراضي التي كانت تحتضن هذه الأشجار المباركة الكريمة! هكذا، قلت لهم: سنصدر خمور الأندرينا عوض النفط الذي كان “عندينا”! سنجني أرباحا لا مثيل لها! أولم تفعل فرنسا ذلك قبل اكتشافها النفط عندنا؟ الرومان، ماذا فعلوا؟ نفس الشيء: الكروم وزيت الزيتون!زراعة أشجار الزيتون أيضا سنطورها في بلاد الشمال، في بلاد القبائل وغيرها من الأماكن التي تصلح فيها هذه الزراعة! لماذا الزيتون؟ لأنه يتماشى مع الخمر! عندما تريد أن “تخبطها”، لابد لك من القطعة، أي “الأبيريتيف” والأبيريتيف عندنا هو الزيتون! كما نطور إنتاج الببوش، بوجغللوا، لأنه هو الآخر يستهلك في التبرنات كأبيرتيف! ويباع في أوروبا ويستهلك في الفنادق الفخمة مع الخمر! الخمر إذن صناعة فلاحية كاملة، تتماشى معها كثير من الصناعات الفلاحية! هكذا، سندخل الجنة بدون حساب ولا محسوبية! أوليست الجنة فيها أنهار من خمر لذة للشاربين؟ نحن سيكون عندنا بحار منها وليس فقط وديان! كل الناس سيشربون وسنبيع وسنشرب بإذن الله وستصبح الجزائر جنة تجري من تحتها الأنهار!

عندما أفقت من سباتي، كان اليوم يوم السبت، مع ذلك أسرعت إلى المسجد لصلاة الجمعة حتى قبل الوقت! اللعنة، تخلطلت علي الأوقات مع تخلاط هذا الوقت!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!