-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محمد زيان يسفّه بيير مورلان

محمد زيان يسفّه بيير مورلان

أهطع يوم السبت الماضي عشرات من العلماء والأساتذة – ذكرانا وإناثا – إلى فندق “الميركير” بالدار البيضاء، مجيبين دعوة معهد ليس كأحد من المعاهد، لتكريم عالم ليس كأحد من العلماء بوسام ليس كأحد من الأوسمة.

فأما العلماء فهم بعض خيرة الجزائريين الذين اختلفت تخصصاتهم، وتنوعت اهتماماتهم، ولكنهم اتفقوا على خدمة العلم ونشره محصّنا بالخلق الحسن، شعارهم في ذلك قول الشاعر:

لا تحسبنّ العلم ينفع وحده ما لم يتوّج ربّه بخلاق

وأما المعهد فهو “معهد المناهج” الذي يبرّهن على أن القائمين عليه آتاهم ربهم رشدا لما علم فيهم من علم وعمل، فهو وإن لم يمض على إنشائه إلا بعض سنوات إلا أنه تفوق – بجدية القائمين عليه ونشاطهم – على غيره من المعاهد والجامعات، التي تملك الأموال الطائلة، والإمكانات الهائلة، ولكن همم المسؤولين عنها فاشلة.. و”ما راءِِ كمن سمع”.

وأما العالم المكرّم فهو محمّد بولنوار زيان، الذي انعكست معاني اسمه على شخصيته، فهو محمد، أي محمود الذكر، ولا يحمد إلا من امتاز في ميدان من الميادين، والميدان الذي امتاز فيه محمد هو العلم الذي بلغ فيه في تخصصه أعلى المراتب وأسمى الأماكن.. والعلم نور، ومن طبيعة النور أن يضيء ما حوله فكان بولنوار، هذه الأنوار التي زانت صاحبها فهو زيّان، إذ من مبادئه التي ينصح بها “تعلم واعمل لتسعد نفسك ومن حولك”.

وأما الوسام فهو “وسام العالم الجزائري” الذي أنشأه “معهد المناهج”، شعورا من القائمين عليه بقيمة العلم، وتقديرا منهم لعلماء الجزائر الذين لم تقدرهم دولتهم. وأقرب مثال على إهمال المسؤولين للعلماء ما وقع في التاسع من هذا الشهر، حيث توفى الله – عز وجل – الدكتور محمد ابن عبد الكريم فما دلّ الجزائريين على موته إلا خبر قصير نشر في بعض الجرائد، ومن قبله توفيت مطربة، فكادت الحياة تتوقف في الجزائر، وأرسلت طائرة خاصة لنقل جثمانها، وقبرت في مهرجان.. وجندت وسائل الإعلام الثقيلة للحديث عنها، والتنويه بـ”مآثرها”. والطيور على أشكالها تقع.

لقد منح هذا الوسام الصغير – في عمره ومبناه، الكبير في بعده ومعناه في طبعته الأولى للدكتور أبي القاسم سعد الله، وفي طبعته الثانية للدكتورين محمد ناصر وجمال ميموني، وفي طبعته الثالثة للدكتور عبد الرزاق ڤسوم والأستاذ محمد الهادي الحسني، وفي طبعته الرابعة للدكتور سعيد بويزري، وأحرز عليه في هذه الطبعة الخامسة الدكتور محمد بولنوار زيان، الذي قدر الله -عز وجل- أن يكون إحدى آياته يدمغ بها باطل أحد المبطلين الفرنسيين وهو بيير مورلان، الذي أتبعه شيطان الجن، وسخّره لأقبح المهمات شياطين الإنس من الفرنسيين..

لقد خان هذا الـ “بيير” شرف العلم وأمانته، وانسلخ من الضمير العلمي وباعه بثمن بخس، وذبح المنهج العلمي على مذبح الهوى المذموم والتعصب العرقي المقيت، إذ زعم – لجهله المركّب، وسو خلقه، وتبريرا لجريمة قومه الفرنسيين الذين منعوا الجزائريين من أداء واجبهم في طلب العلم – أن الجزائريين “غير قابلين للتربية”، كبرت كلمة تخرج من فم ابن أمه هذا.. الذي جهل – أو خان – قول أحد كبار علماء قومه، وهو روني ديكارت، الذي ينسب له قول معناه “إن أعدل قسمة قسمها الله بين البشر هي العقل”، الذي هو مناط التكليف.

إن مقولة هذا السفيه تصور الله – سبحانه وتعالى – ظالما، وما هو بظلام للعبيد، وقد حرّم الظلم على نفسه، ويجعل فعله منكرا، وإنه – تعالى – لا يأمر بالمنكر ولا يأتيه…

إن هذا العالم الجزائري الذي سفه ذلك الـ”بيير” وقومه من نوابغ علم الرياضيات، الذي هم من أكثر العلوم صعوبة. وقد ولد في بلدة طيبة من وطننا، وهي بلدة عين التوتة بمنطقة الأوراس في عام 1966، وتحصل بجده وجتهاده على أعلى الشهادات، وتخرج في أرقى المعاهد والكليات، وهو يعلم في أشهر الجامعات، وينقل علمه إلى غيره من العلماء عبر الملتقيات، والمتخصص من المجلات..

لقد لمس الحاضرون في حفل تكريم هذا العالم الجزائري، الذي يجسد شموخ الأوراس وصلابته، لمسوا أربعة أمور تزيده تقديرا وتكريما هي:

) تديّنه، فهو ملتزم بدينه، حريص على إسلامه الذي هو دين العلم والعقل، مما يؤيد مقولة العالم الفرنسي كلود تراسمتان وهي: »لقد أصبح الكفر مستحيلا«، فإن قال مجادل بالباطل ليدحض به الحق: فما بالنا لم نسمع عن إسلام هذا العالم الفرنسي؟ قلنا: لعله ممن يكتم إيمانه، فإن كان مات (في منتصف التسعينيات من القرن الماضي) على الكفر، قلنا: فهو – إذن- ممن ينطبق عليهم قوله تعالى: “وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا”، وقد ذكرني تكريم هذا العالم الرياضي بمقولة للإمام إبراهيم بيوض تدل على عمق فهمه للإسلام، وحسن فقهه لمقاصد القرآن، وهي: “إن الحساب من علوم القرآن”، وقد سمعت هذه المقولة في خطبة جمعة بمسجد مدينة الڤرارة.

) حبه لوطنه الجزائر، فهو لم يتنكر لفضلها عليه، ويفخر بالانتساب إليها، ويرفع ذكرها، وينشر في الآفاق إسمها، ولا يلطخه كما يفعل سفهاؤنا من زوار مزابل الغرب، حيث يذهبون عقولهم بالخمر، ويبذرون أموالهم في الفسق والميسر، ويأتون الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. وهو لا يرجو من وطنه إلا -كما قال-: “أن أحصل على قاعة في ركن جامعة أدرس فيها أبناء وطني”.

) برّه بوالديه، وإشادته بفضلهما، خاصة أمه الحقيقة بالإشادة، لأنها “مجاهدة” أنجبت للجزائر عشرا من الكريمات، وخمسا من الكرام، مما يذكر بقول محمد العيد آل خليفة:

إن الجزائر لم تزل في نسلها أُما ولدوا خصبة الأرحام

ولو اطلع أحدنا على جواز هذه المرأة الأصيلة – إن كان لها جواز سفر – لوجد مكتوبا فيه بأنها عاطلة، أو بطالة، أو ماكثة بالبيت استقلالا لدورها، واستعظاما للراقصات، وللكاسيات العاريات.. ومن على رؤوسهن كأسنمة البخت..

) تواضعه، فمن رأى هذا العالم أو سمعه ظنه إنسانا عاديا، وما ذلك إلا لتخلقه بخلق التواضع، فهو يتحدث بهدوء، ولا يمشي في الأرض مرحا، وغير مصاب بداعي العجب والغرور اللذين يقصمان الظهور، وإذا من حق عالمنا أن يردد مع الحكيم أبي العلاء المعري:

وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل

فما منعه من ذلك إلا أصله النبيل، وخلقه الأصيل.

فهنيئا لعالمنا بوسامه، ونرجو له مزيدا من التألق والتفوق، وشكرا لمعهد المناهج التميز بالمنهجية في العلم، والانضباط والجدية في العلم، ونبارك ما صرح به مديره الدكتور محمد بن موسى بابا عمي من العزم على إنشاء “مؤسسة” تتفرغ لهذا “الوسام”… و”لمثل هذا فليعمل العاملون”، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • merghenis

    لعل هذا "كلود تراسمتان" هو Louis-Claude de Saint-Martin لأنه كتابه l'Homme de désir كتاب ديني.

  • اكلي

    ارجو من الاستاذ الفاضل ان يكتب -ان امكن- اسماء الاعلام الاجنبية التي يستشهد بها في مقالاته بالحروف اللاتينية الى جانب العربية ليسهل علينا البحث عن اصحابها و الاطلاع ان استطعنا على كتاباتهم. فقد حاولت بلا جدوى ان اعثر عبر الانترنت على "كلود ترسمتان" و لم افلح رغم اني اجتهدت في كتابة لقبه بعدة طرق. مع احترامي.

  • Bilal

    Parce que tu n'a rien compris fils de FAFA.Il faut que tu rendre a l'ecole et refaire ton enseignement primaire!

  • Bilal

    أولا شكرا لك على موضوعك الرائع عن العلم وتواضع العلماء الحقيقيين لكن يبدو لي أن هناك من القراء من يهوى الجهل والكبر لذلك نقطوا على الردود المعجبة بالسلب! نسأل الله أن ينورنا وأياهم بنور العلم لنرى الحق حقا فنتبعه

  • بدون اسم

    قلتها استاذي الكريم الطيور على اشكالها تقع
    لايكرم عن حكامنا و الكثير من اخوننا في الوطن و القومية الا المغنيين والراقصات ولا يحترم الا البلهاء اصحاب العقول الفارغة من العلم
    تشد الرحال و يقرع الطبول طبول الفسق و الفجور بحلول راقصات و مغنيات والشعب يطلب بحضور علماء و دعاة و لا حياة لمن تنادي
    فاذا كان عقل الامة و مسيرها لا يهمه الا الملذات و الشهوات و اخر ما يفكر فيه هو وطنه و شعب انتخبه فعلى الدنيا السلام
    الا اننا لا نقطن من رحمة الله و هذه الامة ليست بعاقر على ان تلد رجال حقيقيون
    شكرا استاذي

  • جزائري

    استاذنا الفاضل؛
    مع كل احترامي لمقامكم، استسمحكم لاقول اني اتحرج كثيرا من الناحية العقائدية من المقولة التي ذكرتموها في المقال :
    <...قول أحد كبار علماء قومه، وهو روني ديكارت، الذي ينسب له قول معناه "إن أعدل قسمة قسمها الله بين البشر هي العقل"، الذي هو مناط التكليف...>

    لان العبارة توحي ان الله فيما سوى العقل اقل عدلا وهذا محال في تصورنا كمسلمين. والله تعالى اعلى واعلم واعتذر مسبقا ان كنت اخطأت الفهم وشكرا لكم.

  • ramzi

    le jour né pas sa

  • Aboubaker

    واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما...

  • merghenis

    مقال الأستاذ الحسني يدفع إلى البحث 1/ لمعرفة المزيد عن محمد بولنوار زيان. لمن يهتم ،فهناك مقال نشرته جريدة النصر يوم2011/12/21 ،أعتقد أن قراءة هذا المقال فيها فائدة كبيرة لأن منها تعرف الصعاب التي كان عليه أن يتخطاها،
    منه الأستاذ يعمل حاليا فيNASA.
    2/المقولة: "أن الجزائريين " عرق(race)غير قابل للتربية" قالها الإستدماريون ،جاءت في أحد مقالات الأستاذ السابقة(ثقوب في الاكرة).
    3/ نتائج البحث سلبية فيما يخص المدعو "بيير مورلان".والأستاذ ( قسم التاريخ ) له مصادره .
    شكرا أستاذ.

  • زين العابدين

    أقل شيء يقال للأستاذ محمد الهادي، هو عن طريقه تعرفت شخصيا على ابن من أبناء الجزائر البررة، ومن نخبة ما أنجبت الجزائر في العلم والأخلاق. شكراً يا أستاذ، وشكراً للعالم محمد بونلوار

  • الأخلاق

    أستاذنا الفاضل عالمنا الجليل
    والله لقد اقشعر جلدي وأنا أقرأ هذا المقال
    مقال باذن الله يجعلك تتفاءل أكثر لأن جزائرنا المسلمة الحبيبة لديها خام متنوع طبيعي وبشري
    مانحتاجه منكم علماؤنا الأجلاء التنسيق مع الوزارات التربية والتعليم والبحث العلمي والتعليم العالي والشؤون الدينية لوضع استراتيجيات تخدم البلاد والعباد
    وبارك الله فيكم

  • medfatih

    Être intellectuel monsieur c'est dire ce que l'on pense avec des intentions honnêtes, c’est avoir un esprit critique vis a vis la situation pour faire avancé les choses, et si tu n’es pas d'accord avec le fait que le savant en Algérie est marginalisé, je pense que vous avez aucune idée de ce qu’est entrain de passer

  • عبد العلي

    لو كا نت لنا ثلة من أمثال هذا العالم الرياضياتي والمتخلق القرآني..
    لكان لنا شأن وشأو آخر .. لكن -وكم تؤلم لكن- صدقت الحكمة القا ئلة:
    { أزهد الناس في العا لم أهله وجيرانه } !!!

  • محمد باباعمي

    أستاذنا العزيز، الأديب الملهَم، الأستاذ محمد الهادي الحسني؛ سلام الله عليك، وتحية طيبة، أنتم قدوتنا، إلى أفقكم ترنو عيوننا... دمتم للأمة مرشدين أدلاء... الداعي لك بالخير، تلميذك محمد باباعمي

  • ali

    un long article pour finalement rien dire; c"est ça être intellectuel en algérie?? quel malheur

  • RAOUF

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
    هده الالتفاتة من معهد المناهج مشكوريين عليها و نثمنها
    وارجو ان يكرم في اقرب وقت الدكتور محمد الهادي الحسني نضير ماقدمه و يقدمه من خدمة للاسلام و الوطن

  • عثمان

    كما حضر رئيس الجامعة الاسلامية و كل مسؤولي الولاية ، لقد أصبح تهميش علمائنا مقصود قالجهل يخدم أهله ظنا منهم بأن العلم عدوا لهم ، نسأل الله أن يستفيق قادتنا و ينزلوا الناس منازلهم .و نسأل الله أن يبارك فيك و في صحتك و يجلك ذخرا لهذه الامة التي تحاج لامثالكم وشكرا .

  • عثمان

    سيدي الكريم بودي أن أدكر سيادتكم الموقرة بأحد الاساتذة الافاضل في جامعة قسنطينة و الذي هو في درجة أستاذ التعليم العالي منذ 21 سنة تحصل درجة دكتوراه شرفية من جامعة مونبوليه في 2008 و كرم هناك من أعلى مسؤولي قطاع البحث العلمي و كان يشغل منصب عميد كلية علوم الارض،الجغرافيا و التهيئة العمرانية لكن بعدها بسنة تم إقالته من منصبه في الجزائر و لم يحضى بتكريم من طرف القائمين على الجامعة الجزائرية سوى التكريم البسيط الذي حاول طلبته الدارسين على يده إقامته على شرفه و لم يحضر رئيس الجامعةرغم حضور كل العمداء