-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مرحبا بالأشقاء في الجزائر الجديدة

أبو جرة سلطاني
  • 748
  • 0
مرحبا بالأشقاء في الجزائر الجديدة

تحتضن الجزائر يومي 29 و30 يناير الجاري الدورة 17 لمؤتمر اتحاد مجلس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تحت الرعاية السامية للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بعنوان كبير واعد برفع التحدي على صعيدي العصرنة والتنمية.

وستكون القضية الفلسطينية حاضرة في صلب النقاش البرلماني على مدار يومين تستضيف فيهما الجزائر وفودا برلمانية من نحو 54 دولة تستلم الرئاسة الدورية خلال هذه الطبعة لأول مرة منذ تأسيس اتحاد المجالس قبل زهاء ربع قرن (17 جوان 1999).

ولتعريف القارئ بهذا الحدث الإقليمي الواسع نناقش مدخلات هذه الدورة ومحرجاتها من ثلاث زوايا متكاملة:

1 / رهانات التعاون الإسلامي والحوار والتنسيق.

2 / تراكم النجاحات بريادة الجزائر وثباتها على مواقفها.

3 / دورة رهانات العصرنة والتنمية: التحدي والاستشراف.

لم يسبق للجزائر أن احتضنت دورة لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي منذ شاركت في تأسيسه بالعاصمة الإيرانية طهران سنة 1999، مع أنها لم تغب عن أي دورة عادية ولا طارئة خلال الربع قرن الماضي، ولم تتخلف عن سداد مساهماتها، ولا عن الصدع بصوتها في أحرج اللحظات، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وخلال السنوات العجاف التي مرت بها كثير من الدول الإسلامية في ما عرف باسم “ثورات الربيع العربي” بين 2011/ 2016. أو خلال الدورات الاستثنائية التي عالجت تداعيات جائحة كورونا وما قدَّمته الجزائر لبعض الأشقاء والجيران من مساعدات إنسانية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. ولم تتعثر هذه الجهود خلال سنتي الحراك المبارك.

طريق التحرير يبدأ بوحدة الصف الداخلي ونبذ الانقسام والتشرذم.. وشعب الجزائر يهيب بكم أن تلمّوا شملكم وتوحّدوا صفكم وتتركوا ما بينكم من تنازع.. ففي الانقسام فشلٌ وذهابُ ريح القوة والأخوّة: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

بعد الرئاسيات التي جرت نهاية سنة 2019 عرفت الجزائر ديناميكية جديدة وحركية دبلوماسية غير مسبوقة أعادتها إلى واجهة الأحداث وشدت إليها انتباه المراقبين على الصعيد الإقليمي والعالمي بما أدّته من أدوار شجاعة، وجريئة أحيانا، في الفضاء العربي والإفريقي والإسلامي والدولي أظهرت وجها مشرِّفا لجزائر تنهض على جميع الأصعدة بشكل تراكمي متدرج ولكنه هادئ وواثق في مستقبل الأجيال وفي قدرة الشعب على تجاوز تشريف وطنه في كل استحقاق.

الجديد في مقاربة الرئيس الداخلية مسك زمام الأمور بيد واحدة. وعلى الصعيد الخارجي تجسيد مبدأ المعاملة بالمثل مع جميع الشركاء، دون تمييز ولا استثناء، بمن فيهم من كانوا ذات يوم ينظرون إلينا بعين مستعمر الأمس.. ومن ظنوا أن الجزائر سوقا استهلاكية فقط.

كانت البداية فرحة استرجاع رفات بعض شهدائنا في أتون هبّة وطنية تحدثت بصوت مسموع عن “الذاكرة الوطنية” وعن احترام السيادة.. واستتبع ذلكم الحدث الشجاع سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية كشفت عن عزم رئيس الجمهورية على تنفيذ الـ54 تعهُّدا التي وعد بها الشعب غداة حملته الانتخابية بغير هوادة، ومنها الشق الخارجي الذي رد للجزائر هيبتها ووضع العلاقات الثنائية والمتعددة في نصابها مع الشقيق والجار والصديق القريب والبعيد.

خلال ثلاث سنوات أدرك الجميع أن شعار “الجزائر الجديدة” لا يستثني أحدا من الذين كانوا يظنون أن الجزائر حديقة خلفية، وأن أنابيب الغاز الجزائري مكسبٌ قارّ لهم غير قادر على تغيير خط سيره من الغرب تلقاء الجنوب وعصرنة امتداداته بطاقات إضافية (الشراكة الجزائرية الإيطالية). فلما تم تجسيد مبدأ المعاملة بالمثل ودخل حيز التنفيذ علم كل أناس مشربهم “فالجزائر لا تشارك التطبيع ولا تباركه”.

في هذه الأجواء عقدت الجزائر عزم الرجال باحتضان تظاهرات إقليمية ودولية، كانت تبدو لكثير من الملاحظين أحلاما بعيدة المنال. ولكن القيادة رفعت التحدي وكسبت الرهان (من تنظيم العاب المتوسط إلى القمة العربية إلى لمّ شمل الأشقاء الفلسطينيين إلى تنظيم الشان الإفريقي..). والقادم أفضل.

وبفعل تراكم النجاحات، دعوة وتنظيما ومشاركة وقدرة على تجاوز الصعوبات… جلبت الجزائر أنظار شركائها رغم محاولات التشويش من هنا وهناك، فتدفقت الوفود حتى تحولت -في بعض المحطات- إلى ما يشبه الإنزال السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والتنموي.. بحثا عن تعاون وتبادل خبرات وشراكة في بيئة مستقرة وفي مناخ استثماري أزال أغلب العراقيل التي صنعها المحتكرون للثروة والسلطة (الجمع بين المال والسياسة) خلال سنوات “القوى غير الدستورية” كما كان يسميها البعض. وصارت أخبارها متداولة بأرقام فلكية كشف عنها مجرى القضاء في إطار الوقاية من الفساد والحد من انتشاره في أطر قانونية واضحة وشفافة. ومازالت الإرادة السياسية ماضية في تجفيف المنابع واسترجاع الأموال المنهوبة وقد وجّه رئيس الدولة آخر تحذير للكانزين.

في أجواء هذه الديناميكية الجديدة تنعقد الدورة 17 لاتحاد مجالس الدول الأعضاء لمنظمة التعاون الإسلامي بشعار اختارته الجزائر عنوانا لسقف مرفوع سيكون عنوانا لتحد مزدوج تواجهه جميع الدول الإسلامية هو: رهانات العصرنة والتنمية. دون أن تعدو عين المشاركين عن قضيتها المركزية: فلسطين وما يعانيه شعبها من قهر أمام تبجُّح المحتل على مرأى ومسمع من الأسرة الدولية وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسائر المنظمات الدولية والإقليمية.

إن الملفات المطروحة للنقاش في جدول الأعمال المقترح لهذه الدورة، قد وضع الأصبع على الجرح بمعالجة أربع قضايا بحاجة إلى أن تتضافر جهود دول العالم الإسلامي كلها لحلحلتها بمقاربة جديد قد يعرضها السيد رئيس الجمهورية في كلمة يتوجه بها إلى الوفود المشاركة. ومن المحتمل أن يتم اعتمادها ورقة عمل يتضمنها “إعلان الجزائر”. وقد تتحول إلى خريطة طريق لنشاط مؤسسات الاتحاد ولجانه الدائمة والفرعية خلال رئاسة الجزائر لهذا الفضاء البرلماني المشترك بين الدول الأعضاء. هذه الملفات هي:

1 / ملف القضية الفلسطينية وما يتعين على التعاون الإسلامي الاضطلاع به كأولوية تفرضها مواثيق هذه المنظمة.

2 / ملف العصرنة والحوار والوسطية والتنسيق والتعاون لمواجهة ثقافة الكراهية والحد من انتشار (الإسلاموفوبيا) وتغذية التطرف على نحو تجرّأ فيه بعض خصوم الإسلام على حرق المصحف الشريف بموافقة جهات رسمية..!! وقد نددت الجزائر بهذا الفعل الشنيع.

3 / ملف حماية الأقليات في العالم وإشراك جميع الأنظمة التي تعيش فيها جاليات وأقليات مسلمة (الإيغور، الروهينغيا، كشمير وجامو..). في مسعى التعايش السلمي وتعميم ثقافة المواطنة والسلم والسلام العالمي وحوار الحضارات بدل التصادم.

4 / وأخيرا ملف التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي والتكتلات الإقليمية لمواجهة تحديات تنتظرنا على الأبواب، بعضها ناجمٌ عن جائحة كورونا وبعضها عن تداعيات الأزمة الأوكرانية وبعضها عن الكساد الذي يمر به العالم كله.

مرحبا بأشقائنا البرلمانيين الممثلين لاتحاد مجلس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. مرحبا بالجميع في أرض الشهداء آملين أن تكتشفوا -خلال إقامتكم بالجزائر- وجها جديدا للتعاون والتكامل والحوار والتنسيق.. فتكون الدورة 17 نقلة نوعية بعيدة لا تكتفي بالتوصيات والبيان الختامي فحسب، بل تقترح آليات التنفيذ التي تجعل العمل الإسلامي المشترك طريقا لتحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهي الغاية التي من أجلها تأسَّس المؤتمر الإسلامي سنة 1969. ومن أجلها قام اتحادكم سنة 1999. ومن أجلها تجتمعون اليوم في جزائر الشهداء. جزائر التحرير.

طريق التحرير يبدأ بوحدة الصف الداخلي ونبذ الانقسام والتشرذم.. وشعب الجزائر يهيب بكم أن تلمّوا شملكم وتوحّدوا صفكم وتتركوا ما بينكم من تنازع.. ففي الانقسام فشلٌ وذهابُ ريح القوة والأخوّة: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!