الرأي

مسلسل تركي!

لا أفهم لماذا اختلف المتابعون العرب والجزائريون على وجه الخصوص، لقضية الصحافي المغتال جمال خاشقجي، في تحليلهم لخطاب الرئيس التركي رجب أردوغان، بين من خاب ظنه في رئيس تمنّوه أن يكون قاسيا جدا على المملكة العربية السعودية التي صدّرت إليهم الوهابية حسب قناعتهم، وبين مبارِك لكلماته التي وضعت المملكة التي أوقفت المدّ الشيعي حسب قناعتهم، بعيدة عن اتجاه أصابع الاتهام. فمن غير المعقول أن يصبح أمل بعض الناس ومبعث سعادتهم، مرتبطا بكلمات ينطقها رئيس تركي أو عاهل سعودي أو آية إيراني، بعد أن كان في زمن سابق الانقسام يندلع من أجل إحدى الدولتين العظميين، الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفيتي.
الرئيس التركي وهو يدخل مقر البرلمان- من دون أقفال ولا سلاسل- لم يكن في باله غير بلده تركيا، فقد عدّد في كلمته سكان بلاده الذين يزيدون عن ثمانين مليون نسمة وذكر اسم بلده أكثر من كل الأسماء، فكان واضحا أن ما همّه هو إرضاء هؤلاء الذين منحوه أصواتهم، وليس أناس آخرين، سهروا الليل كلّه، منتظرين صواريخ صوتية لا تبقي ولا تذر، فالرجل لا يهمّه أن يهلّل له أنصار المشروع الإيراني أو يكبّر لكلامه أنصار المشروع الوهابي، أو الذين يفنون العمر ليعيشوا من بقايا لحظات الوهم التي يقذفها الآخرون مثل الفضلات.
الرئيس التركي رشّ مستمعيه بكلام جارح في ظاهره، في حق الدولة العبرية في عدة مناسبات، ولكنه لم يفكر قطّ في قطع العلاقات مع هذه الدولية الغاصبة، أو توقيف المناورات العسكرية التي تجمعه بالصهاينة والمبادلات التجارية والسياحية مع تل أبيب، وتحدى باللعاب فقط الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها الغريب دونالد ترامب، ولكنه في قضية جمال خاشقجي يقوم فجرا لأجل إطلاعه بكل المستجدات ومعرفة رأيه، وينتظر مساعدة أمريكية لأجل انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، وأوصل بطريقة واضحة، رسالة إلى من انتظروه على أحرّ من الجمر، مفادها أنه لا يمكنه أن يكون ملكا أكثر من الملك يدافع عن دم خاشقجي، بينما أهله لدمه غافلون.
زمن زعيم الأمة الأول ولّى إلى الأبد، فلا همّ لترامب سوى مصالح الأمريكيين، ولا همّ لبوتين سوى مصالح الروس، وتدخّل تركيا في الشأن الليبي والعراقي والسوري بنفسها ونفيسها، إنما كان لأجل تركيا التي صدّرت لنا النسيج والحلوى والدواء والمنتجات الصناعية والفلاحية والمسلسلات التركية الشهيرة والطويلة مثل سيلا والعشق الممنوع ونور وحريم السلطان، وأيضا خطابات رجب طيب أردوغان التي لا تنتهي.
قديما قال الراحل مصطفى كمال أتاتورك عندما انهارت الخلافة العثمانية ودقّ في نعشها آخر مسمار، بأنه يرضى أن يكون ذيلا في جسد أوربا، على أن يكون رأسا وعقلا في جسد الشرق وآسيا والعالم الإسلامي، أما القيادة التركية الجديدة، فإنها تريد أن تكون ذيلا هناك.. وعقلا مدبّرا هنا.

مقالات ذات صلة