-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مقبرة العلماء

مقبرة العلماء

أقسم بمن خلق الوجود وقدّر الأقدار أن الشيخ عبد الرحمن شيبان – رحمه الله – حدثني، وقد يكون حدث غيري، أن الشيخ العربي التبسي – رحمه الله- قال له: إن الجزائر مقبرة العلماء..

 تذكرت هذا القول وأنا أقرأ أن مسئولي “التربية” عندنا “لعْبوها” لطالبتين متفوقتين في شهادة البكالوريا وأسقطوهما من قائمة من كرّموا لتفوقهم برحلة إلى تركيا أو ماليزيا. والطالبتان هما صراح سلاطني من ثانوية مالك ابن نبي من مدينة تبسة التي حصلت على نقطة 17.20، وكانت بذلك هي الأولى على ولايتها، وخديجة حاج حسان التي أحرزت المرتبة الثانية بولاية البليدة بحصولها على نقطة 17.74. (الخبر 30 / 7 / 2013 ص5) كما قرأت (في جريدة الشروق 30 / 7 / 2013 ص2) أن فريد مطروح أحرز على البكالوريا في هذه السنة، وقد بلغ من العمرتسعة وثلاثين عاما، فلما ذهب إلى “جامعة” الجزائر (2) للتسجيل رفض “أهل الذكر” أن يسجلوه، وحجتهم الداحضة هي أنه بلغ من الكبر “عتيا”، وأنه – بهذا السلوك الجاهلي – ما عليه إلا أن “ياكل القوت ويستنّى الموت” لأنه بتعبير “أخينا” الكبير “طاب جنانو”.. ولا تعليق على هذه الحالات الثلاث إلا أن محنة العلم والعلماء في الجزائر تذيب القلب من كمد، وتدمي العين من حزن.

 

لقد قتل أعداء العلم في الجزائر الأمل في نفسي الطالبتين المتفوقتين، وقد تكونان ندمتا على ما بذلتاه من اجتهاد، مادام التكريم يناله الخاملون والخاملات. وليس على المجتهدين أن يجتهدوا..

وأما الشاب الذي بقي قلبه معلقا بالعلم، مقبلا عليه رغم تقدم سنه، فبدلا من أن يشكر، ويضرب به المثل، ويقدم قدوة حسنة لغيره من الشباب والكهول والشياب؛ بدلا من ذلك اقتلعت من قلبه وعقله شجرة الأمل والإرادة، وزرعت في مكانها شجرة الجهل، ليزرعها بدوره في نفوس آخرين.

لقد أثبت الذين رفضوا تسجيل فريد مطروح بـ “حجة كبر سنه” أنهم “جاهلون” ولا يصلحون إلا لحماية الجهل..

أما علم هؤلاء والقائلون – تزهيدا في العلم- “كيشاب علقولو الكتاب” أن سيد الأولين والآخرين – صلى الله عليه وسلم- أمره ربه – عز وجل- في أول آية أنزلها على قلبه بالقراءة وعمره أربعون عاما؟ وهي أول مرة يؤمر فيها إنسان بالقراءة، وما أجمل قول الشاعر أحمد شوقي في هذا المعنى:

ونودي اقرأ، تعالى الله قائلها    لم تتّصل قبل من قيلت له بفم

لقد تساءلت كثيرا كلما قرأت عن عالم جزائري عبر التاريخ أنه نبغ في الخارج، فأجد الجواب في أن الأمر كان في وطنه في يد “ماركة نحبك يا الشُّعْب..”

وكم تساءلت: لماذا لم يوجد في بلدي مؤسسات علمية كبرى كمسجد القيروان، والزيتونة، والقرويين، والأزهر، والأمويين، وقرطبة، وغيرها في العالم العربي والإسلامي؟

لقد قرأت كلاما للمناضل النظيف اليد، المثقف علي يحي عبد النور أن كل حكام الجزائر في زماننا هذا لا يملكون شهادة البكالوريا، فكيف يقود “أعمى” مبصرا؟ “فهل ينبغي لنا أن نضحك أم نبكي؟” كما قال الزعيم فرحات عباس.

إن في صدري كلاما كثيرا عن احتقار العلم وإهانة العلماء – في جميع التخصصات- في الجزائر، وأخشى إن أخرجت ذلك الكلام أن يفسد صومي.. ومع ذلك فإني أكتفي بتلخيص ذلك الكلام بالقول: “إن الجهل لا يبني دولة”، وهذا ما يذكرني بمقولة شوان لاي رئيس وزراء الصين، حيث قال في سنة 1955: “إن سياستنا “لاتخطىء” لأنها علم”. (مالك ابن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. ص 135).

وأما أكثر أغنيائنا فهم على مذهب رؤسائهم، لا يهمهم إلا الراقصات واللاعبون، وقد أكرم بعضهم في قسنطينة مدربا فرنسيا تكريما “فوق الحاتمي” جعله يقول: بماذا أحمل هذه الهدايا، بالباخرة أم بالطائرة؟ في حين توجد “مؤسسة الإمام ابن باديس” في “شوخْنه”، ولكن عميت عنها أبصارهم، بعدما عميت بصائرهم.. و”ابك يا بلدي الحبيب”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
19
  • kamel

    كلامك من دهب يا شيخ الحسنى

  • فايز

    لافض فوك يا استاذ الأساتذة وجعلك الله قدوة لكل شباب الجزائر والعالم العربي وكم نحن في أمس الحاجة لمن ينير طريقنا بالعلم وفقك الله وسدد خطاك.

  • خليفة

    ألم تروا كيف يستهزأ بالأستاذ الوزير بشير مصيطفى لما يتحدث بلغة العصر عن التنمية و اليقظة الإستراتيجية ولا يلقى لكلامه بال؟
    لأنه و ببساطة عالم في ميدانه و نسأل الله العلي القدير أن يؤتى حكامنا رشدهم فيكونوا بمنزلة فرعون يوسف لسيدنا يوسف عليه السلام بدلا من أن يكونوا بمنزلة فرعون موسى لسيدنا موسى علهه السلام

  • ام كلثوم

    رحم الله حافظ ابراهيم الذىقال يوما. والمال ان لم تكتنفه شمائل.بالعلم
    كان مطية اخفاق..نعم الجزائر غنية بثرواتها الباطنية واراضيهاالخصبة وبمواردهاالبشرية لكن هل ينفع ذلك اذاغاب العلم وفقدت الاخلاق.حادثة الطالبتين تتكرر سنويا وهى ان دلت على شىء انما تدل على ان اولى الامر منا والنهى لايقدسون العلم والعلماء ولايهتمون بالشان الفكرى بقدر اهتمامهم بالجانب الترفيهى.حقا انه جرم فىحق المتفوقتين واحباط لهما وانه ذنب لايغتفر لوكان القانون صارما لكن ماالعمل اذاكان هذاالسلوك متوارثا ومتجدرافينالايجد من يغيره

  • يزيد

    وإني والله أقسم بربنا المعبود وقاهر الأشرار أني اهتديت إلى قولة عالمنا المبجل ولما أكن سمعتها عنه..فعلتني بهجة وغبطة ذكرتني النبي الكريم وتميما الداري.
    سلبت جائزتي التكريمية حين كنت من أوائل الناجحين في التعليم الأساسي ..لأني من الدوار ومديري من المدينة..وشتان بين الاثنين، وكان أساتذتي -ولله الفضل والمنة- قد احتاروا أية علامات يعطوننيها وفيهم من يهرع إلي إذا حزبته المسائل في العلم وغيره.
    وبدأت أخرج إلى الدنيا لأعلم أين أعيش ووسط من أعيش.
    سلطان لا يعرف أن مصلحته في تقديم النوابغ وإكرام العلم!!

  • merghenis

    مهلا يا أستاذ! مع إحترامي،كيف عرفت و كتبت «ليزرعها ( شجرة الجهل) بدوره في نفوس آخرين.» ؟ إذا هو ظلموه فليس بالضرورة جعلوا منه شخضا رايح يظلم الناس.

  • احب الثقافة و العلم

    التعليقات على العلم و الثقافة قليلة جدّا !!!!!!!!!
    شعب يهتم كثيرا بما هو تافه مثل التطبيل و الرقص و ... و ... و ... و ... و يسميه فن !!!!!!!!!
    يهتم بكرة القدم و تراه يعلق و يحلل و يرى نفسه لاعبا أوربيا مشهورا أو مدربا قديرا لم يسعفه حظه مع أنه لا يفقه شيئا في الكرة - يغلق فمه خير له - .
    و ....... و ........و و و و و !!!!!!!!

  • العنتري عبدالله

    كم أحترم هذا الرجل و مواقفه رغم أني أختلف معه في بعض الامور فيما يتعلق بالوهابية

  • حيران

    وكم تساءلت: لماذا لم يوجد في بلدي مؤسسات علمية كبرى كمسجد القيروان، والزيتونة، والقرويين، والأزهر، والأمويين، وقرطبة، وغيرها في العالم العربي والإسلامي؟

    تساؤلك تجد حتما جوابا عليه عند الذين جعلوا الاحتفال بيوم العلم
    هو 16 أفريل ذكرى وفاة رائد النهضة الجزائري العلامة عبد الحميد بن بن باديس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • و ما بعد الحق؟

    قرأت لك في احد مقالتك استاذنا الفاضل أن البشير الإبراهيمي وافته المنية قبل ان ينعم بمسكن هنيئ كباقي النخب الحالية و التي تصف و ترقص من اجل الحصول على هدية السلطان و الحج بأموال الشعب إلى بيت الله المنان، فالدولة تشجع (مقولة إلي قرا قرا بكري) و( كي شاب علقولوا لكتاب) ( إلي فاتو ياماتو ما يطمع في ياماة الناس) و العلم في زماننا copier coller و إعتقد و لا تنتقد نسأل التوفيق و السداد أستاذي حفظك الله.

  • تلميذ البشير بوكثير

    كلامك ايبرّد القلب يا شيخنا الفاضل .

  • ابو العلاء

    ما شاء الله يا ليت كل الجزائريين يقرأون هذا المقال

  • أوشن محمد العربي

    ان أكثر الناس اليوم اقبالا على الاسلام هم الغربيون لأنهم أكثر الناس علما و معرفة لأن الاسلام دين يدرك بالعلم وهذا هو الاسلام الذاتي الذي حدثنا عنه الشيخ ابن باديس رحمه الله .أما نحن فالحمد للله الذي أورثنا الاسلام ورثناه من أبائنا و أجدادنا كما هو، أخذناه بما فيه من بدع و زيغ وهذا هو الاسلام الوراثي وهذا حال الأمة اليوم تملك الدين و لا تملك العلم فالدين و العلم تاج الأمة لقوله تعالى (يرفع الله الذين امنوا منكم و الذين أتوا العلم درجات)جمعية العلماء المسلمين
    عين مليلة

  • بدون اسم

    (تابع) وبالفعل ستظل نبراسا ساطعا في ميدان الاخلاق والعلم والمعرفة وحب ااطلاع ومعاشرة اهل الحكمة والاتعاض باصحاب السلف الصالح لانك من شجرة طيبة الرائحة وذات الثمار الكريمة . ونظرا لسيرتك الذاتية ومسارك الرائع وما درسته في الجزائر والكويت وانقليترا وفرنسا وما قمت بتدريسه بجامعة الجزائر وحاظرت به في الملتقيات الوطنية والدولية لخير شاهد على اعمالك الجليلة في الحياة المدنية وكذا بالكلية العسكرية لمختلف الاسلحة بشرشال من عام 1972 الى 1974 كظاط احتياطي واستاذ بهذه الاكادمية . شرفتنا وشرفت الجزائر .

  • عربية مسلمة

    مجتمع لا يجيد الا اجهاض آمال و نجاحات غيره :))
    لن ننسى من جهة اخرى ان هنالك مواهب جزائرية تقتل بدل ان تطور
    هي بذور ثمينة لكن للأسف مجتمعنا تربة غير صالحة للزراعة
    مع ذلك لا تيأسوا ولا تستسلموا لواقع مجتمعنا المتخلف الذي لا يهتم ولا يبالي
    واجعلوا بدل تربة المجتمع الغير خصبة نشارة الخشب بطموحاتكم
    فقط لا تفقدوا الأمل

  • ابراهيم

    السلام عليكم ، تذكرت حينما قرأت مقالك ، بعض الاحداث ، منها ان بعض الاغنياء السلفيون يغدقون بالاموال الطائلة على طلبة العلوم الشرعية و يحرمون الطلبة في الاختصاصات الاخرى ضنا من ان العلوم الشرعية هي التي يوجب فيه العلم فقط ....مع العلم هناك من طلبة في مجالات اخرى فقراء محبون للعلم و متدينون .
    عندما افكر في التفوق احب الخروج من الجزائر ...

  • زهرةلخضر

    السلام عليكم يا استاذ يكفي انك ذكرت المتفوقين بالاسم وهذا شرفهم حسب راي هذه بلادي يكرم فيها الراقص والطبال ويتجاهل المسؤول ومن معه اهل العلم والفكر وبالمناسبه شكرا لجريدة الشروق التي كرمتك ومنخلالك كل المنسيين

  • عمر محمدي

    سلمت يمينك يا استاذنا الكريم ولا فض فوك فعلا الجزائر بسياستها الحالية مقبرة العلماء حاضنة الغشاشين جنة الجهلاء الا من رحم ربك ...نسأل الله العافية

  • بدون اسم

    بارك الله فيك