-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قطاع التعليم العالي يدخل عالم الرقمنة

مكتبات بلا جدران.. مكاتب بلا أبواب والتوظيف بنقرة زر!

نادية سليماني
  • 3528
  • 0
مكتبات بلا جدران.. مكاتب بلا أبواب والتوظيف بنقرة زر!

سهّلت الثورة الرقمية المعاملات ويسّرت التعاملات، وظهر الأمر جليا في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر، عبر أكثر من 150 عملية رقمية، ساهمت في تحسين تمدرس الطلاب والنهوض بالبحث العلمي. ولأنّ الرقمية اختراع بشري، فسلبيّاتها قائمة لا محالة. فهي شجّعت الكسل العلمي، ووجد طلبتنا صعوبات للدراسة عبر الخط. فإلى أيّ مدى خدمت الرقمية قطاع التعليم العالي، وأعطت مصداقية للبحث العلمي؟ وإلى أي حدّ قد تسبب الضرر؟
تطوّرت التكنولوجيا الرقمية العقود الأخيرة، وساعدت المجتمعات على التطور والتواصل بشكل سلس، وبات يستحيل إغفال استعمالها في شتى المجالات. وساير قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر، التكنولوجيات الحديثة، من حيث تحسين التعليم وترقية البحوث العلمية.
وكانت الانطلاقة بعد جائحة كورونا، لأنها وضعت القطاع تحت اختبار حقيقي، لرصد تكيّفه مع المستجدات المفاجئة. فرغم أن الفيروس أغلق الجامعات، وقطع سبل التواصل الجسدي داخلها، كانت الرقمية طوق نجاة، عبر منصات إلكترونية، يسّرت مختلف العمليات.

الرّقمنة سهّلت الولوج إلى المرفق العمومي
اعتبر مدير التكوين العالي بوزارة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جمال بوقزاطة، لـ” الشروق”، أن الرّقمنة ساهمت في تقريب المرفق العمومي من المواطن، وسهّلت الولوج إليه، لاسيما في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، الذي أثرته الرقمنة. وبحسب بوقزاطة، استعمال الرقمية أثر إيجابا، على عملية تسجيل حاملي البكالوريا الجدد في الجامعات التي يريدون وعن بعد. إذ تكفي الطالب نقرة زرّ، للتسجيل في الجامعة التي يريد، وبملف تسجيل ملخّص بطريقة رهيبة.

التكنولوجيا حققت التكامل بين مختلف القطاعات
وقال بأن التكنولوجيا الحديثة، حققت التكامل بين مختلف القطاعات. فأصبحت وزارة التعليم العالي، تستعين ببطاقية وطنية لحاملي البكالوريا الجدد، أنجزتها وزارة التربية الوطنية، مع توفير بنك معلومات للمتفوقين.
بينما وفّرت وزارة الداخلية أرقام الهوية الوطنية للطلبة الناجحين، لتسهيل معرفة الوضعية الاجتماعية للأبوين، في حين أنشأت وزارة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، منصة يدفع عبرها الطالب حقوق التسجيل، مستعينا بالبطاقة الذهبية أو عبر تطبيق خاصّ بالبريد، سيتم تعميمه على مراكز بريد عبر الوطن. وقال المتحدث: “الرّقمية جعلتنا نتحصّل على المعلومة بشكل سلس، لنتّخذ قرارات سريعة “.

تعليم “هجين” في جامعاتنا ولأوّل مرة
وأبرز بوقزاطة أن نجاح عملية تكيف وزارة التعليم العالي مع جائحة كورونا، جعلها ترسّم نمط تعليم “مدمج أو هجين”، أي يكون التعليم حضوريا وعن بعد، وذلك عبر أرضية بيداغوجية. فيما سيستفتى الأساتذة والطلبة، لتقييم فعالية هذا النظام، عبر استبيانين وضعتهما الوزارة.
وختم أن العمل في وسط رقمي، يوفر معلومات آنية لاتخاذ قرار سريع، مع تتبّع سير أي عملية، “بعدما كنا سابقا ننتظر المعلومة ثم ننقحها، وبعدها نتخذ القرار الذي يستغرق وقتا”، على حدّ قوله.

“بروقراس”.. بنقرة زر تتمّ جميع عمليات التعليم
وأشار مدير الشبكات وتطوير الرقمنة على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، البروفيسور محمد الأمين خرفي، أن العمليات الرقمية المستحدثة في قطاع التعليم العالي مؤخرا “قطعت أشواطا ممتازة.. بحيث تستعمل الوزارة، أكثر من 150 عملية رقمية، دون الحديث عن المنصات الرقمية والتطبيقات”.
أولها نظام “بروقراس” الذي يمكّن من متابعة جميع العمليات الخاصة بالتعليم عبر نقرة زر، من تسجيل الطلبة إلى اختيار أفواجهم، وتنظيم الامتحانات والمداولات، وصبّ النقاط.
وقال خرفي لـ “الشروق” أن الوزارة تتسلم كل المعطيات الخاصة بالطالب الجديد من الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، داخل ملف مرقمن. ثم تبدأ عملية تسجيله “رقميا” من اختيار شعبته إلى غاية إيداعه الطعن.
وعبر نظام “بروقراس”، تمّت رقمنة الإدارة والموارد البشرية، ورقمنة عملية ترقية الأساتذة إلى مختلف الرتب، مع ما يرافقها من إعلان النتائج ودراسة الطعون، إضافة إلى رقمنة عمليّة تقييم مهمات وتربصات الأساتذة.

عمليّة توظيف الأساتذة.. ستكون رقمية
وكشف خرفي أنّ الوزارة تعمل حاليا، على رقمنة عملية توظيف الأساتذة “لتكون أكثر شفافية وعدلا”. وحتى الأستاذ الباحث عن التوظيف، سيجد كل المعلومات في هذه الأرضية الرقمية، إضافة إلى رقمنة ملف الدكتوراه، وإعلان النتيجة والطعون، ورقمنة انتخاب الهيئات البيداغوجية والعلمية من الترشح إلى الانتخاب.
وفي مجال الخدمات الجامعية، تم رقمنة العمليات المتعلقة بإقامة الطالب ومنحته، والنقل الجامعي.

منصة رقمية للوثائق البيداغوجية
ولأنّ عملية المصادقة على الوثائق البيداغوجية للطلبة، من كشوف نقاط وشهادات، تعرف إقبالا كبيرا، مع ما يرافقها من اكتظاظ بالجامعات نهاية السّنة الجامعية، طوّرت وزارة التعليم العالي خلال السنة الجارية، منصة رقمية www.mesrs.dz، هدفها استيعاب الطلبات.
وقال محدّثنا بأن غالبيّة الجامعات عبر الوطن، باتت تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، باستحداثها واجهة على “الواب”، تعرض فيها آداب وأخلاقيات المهنة الجامعية، لغرض الموافقة عليها من الطالب والأستاذ والإداري.
وبات إجراء تربص الأطباء يتم رقميا، بعدما كانوا يتنقلون سابقا، من مستشفى إلى آخر بحثا عن مكان إجراء التربص، أما اليوم، فوفرت لهم الوزارة منصة رقمية، مدونا فيها جميع أماكن إجراء التربص.
وختم خرفي بأن جميع القطاعات توجهت نحو الرقمية، التي يجب استغلالها على أفضل وجه، لتحسين الحياة. لدرجة تجاهلنا الحديث عن سلبيات الرقمنة، لأنها واقع مهم “بل علينا حصر الحديث حول تطويرها أكثر، وتكوين الأفراد لاستغلالها أحسن. وخطأ الاعتقاد بأن الرقمية قضت على مناصب الشغل، لأن المناصب ستتكيف مع التكنولوجيات”، على حدّ قوله.

مكتبات “دون جدران”.. وفّرت الوقت والجهد
وتعدّ المكتبات الرقمية، نقلة نوعية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إذ حملتنا من عالم المطبوعات الأكاديمية الورقية، إلى التقنية الإلكترونية. موفرة الجهد والوقت وعبء التنقل على الطالب والباحث. منها مكتبات موجودة على أرض الواقع، وفرت للمستخدمين الرقمييّن وسائط إلكترونية، وأخرى افتراضية أو مكتبات “دون جدران” تضمّ كتبا ونصوصا مخزنة بصيغة رقمية.
واستفاد الطلبة والباحثون من الرقمية، في مجال برمجيات الكتابة البحثية، بعدما أزاحت الرقمية الآلة الراقنة والأقلام، وعوّضتها الحواسيب والهواتف الذكية. وصار بالإمكان كتابة بحث أو مذكرة تخرج، وتزويدها بجداول بيانية ورسومات توضيحية.
واختصرت الرقمية المسافات لتبادل خبرات الباحثين، عبر محاضرات وندوات عن بعد. وأتاحت للطلاب فرص الاطلاع على عروض التكوين والدّراسة.

الرقمية أعادتها للجامعة بعد 20 سنة فراقا
وساهمت التكنولوجيا الحديثة في عودة أشخاص إلى جامعات غادروها منذ عقود، بعدما أتاحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الدراسة عن بعد. وهو ما استحسنه الموظفون وربات البيوت.. “نوال. ك”، من الجزائر العاصمة ربة منزل ووالدة لثلاثة أطفال، حصلت على شهادة الليسانس في الإعلام منذ أكثر من 20 سنة. سجلت في شهادة الماستر عن بعد، تقول: “التكنولوجيا الحديثة حمستني للعودة للدراسة، لأن 80% من المراجع أخذتها من الإنترنت”.

وجبات الإقامات يختارها الطلبة “إلكترونيا “..!!
وطوّرت الرقمية قطاع الخدمات الجامعية، فمثلا ديوان الخدمات الجامعية لعين الباي بقسنطينة، أطلق منصة إلكترونية، تستفتي الطلبة المقيمين حول قائمة الغذاء والعشاء طيلة الشهر، وصفها الطالب “كريم.ن” بالمبادرة المشوقة لمواكبة العصرنة.
ولكن مع مساهمة التكنولوجيا الرقمية في ترقية البحث العلمي وتطويره، فهل بمقدورنا الجزم بأن التأثير الإيجابي للرقمية على مجال البحث العلمي، كان كاملا وشاملا؟ إذ رأى متخصصون بأن الرقمية شجعت الطالب على الكسل، لاعتماده الكلي على الإنترنت، وآخرون حرموا من المراجع، لعدم امتلاكهم “إنترنت” أو “جهاز كمبيوتر” ولا حتى “هاتفا ذكيا “.

مواقع إلكترونية لاستنساخ البحوث والدراسات.. !!
سهلت التكنولوجيات الحديثة السرقات العلمية، لدرجة ظهرت مواقع إلكترونية، تعرض خدمات إنجاز البحوث والدراسات وحتى استنساخها.
ولطالما سمعنا عن باحثين استنسخوا بحوث غيرهم، وطلاب أنجزوا مذكرات “نسخ لصق”، وكم من مذكرة ماجستير نوقشت أكثر من مرة، وهو ما ضرب جودة البحوث العلمية ومصداقيتها.
وسعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاحتواء الظاهرة المشينة، باللجوء إلى التوثيق الإلكتروني، عبر النظام الوطني للتوثيق على الإنترنت SNDL، الذي يتضمن قاعدة بيانات إلكترونية، تشمل مجموع البحوث والدراسات الوطنية والدولية، وبمختلف اللغات.
وجرى اختراع برمجيات لكشف هذه الممارسات، ومنها Plagiarism، Plagscout، check for، Plag tracher، Turnitin، Dupli checker
كما أن فقر المنظومة المعلوماتية ببلادنا، غيّب وضع نظام تشفير رقمي لعدة جامعات جزائرية، وهو النظام الذي تحرص عليه عديد المؤسسات الأكاديمية والعلمية عبر العالم، لمنع التداول الإلكتروني للبحوث المقدمة لدى هيئاتها العلمية، تجنبا لسرقتها.

التعليم المدمج.. له نقائص علينا تداركها
وبخصوص نظام التدريس المدمج “حضوري وعن بعد”، المزمع تطبيقه رسميا خلال الدخول الجامعي المقبل، يرى الأستاذ بجامعة المدية، الشاذلي سعدودي، بأن توجه الوزارة للتعليم المختلط، هي خطوة مهمة سارت عليها عديد الدول “لكن ينبغي تقييم هذا النمط التعليمي وعرض سلبياته وإيجابياته، من خلال ندوات علمية وأيام دراسية”، معتبرا لـ “الشروق”، أن اللجوء للاستبيان فقط “غير كاف “.
واعتبر منصة “مودل” للتعليم عن بعد، معقدة بالنسبة للأساتذة والطلبة، فضلا عن ضرورة معالجة مشكل الإنترنت، وقال: “حبّذا لو يخصّص مخبر في كل جامعة، لتمكين الأساتذة من تسجيل دروسهم بالصوت والصورة، وعدم حصر التعليم عن بعد في دروس ” PDF”.
ويرى نائب الأمين العام للاتحاد الطلابي الحر، بن عبد المالك عبد الكريم، لـ”الشروق”، بأن التكوين الهجين ورغم إنقاذه الموسم الجامعي، بسبب الظروف الاستعجالية التي ظهر فيها، “لكننا شهدنا مشاكل في تطبيقه، وفجوة بين الأستاذ والطالب، لعدم التحكم في استعمال التكنولوجيا، وضعف تدفق الإنترنت”.
أما منصة “مودل” فواجهت، غياب تفاعل من قبل الطلبة، ما حوّل التعليم عن بعد إلى “نمط سردي، وإرسال لملفات إلكترونية”. وهو ما يستدعي، بحسبه، العمل على تطوير التعليم عن بعد، ليكون تكوينا حقيقيا، في ظل وجود تباين بين الجامعات والمدارس العليا، لاستيعاب هذا النمط التعليمي والتعامل مع التقنيات الحديثة “.

التعليم التقليدي أساسي.. و”الرّقمية” دعّمته
وأشار الأستاذ الجامعي، سعيد بهناس، لـ “الشروق”، بأن التكنولوجيا الحديثة أسهمت وبشكل كبير في التكوين الجامعي، وكانت دعامة للتعليم التقليدي، الذي يبقى أساسيا، لأن حضور الطالب والأستاذ فيزيائيا ضروري للتفاعل أكثر، “لكن الاستفادة من الكتب الإلكترونية وبرامج الذكاء الصناعي وقنوات اليوتيوب، تشكل دعامة إضافية للتكوين”.
وقال إن جائحة كورونا مثلا، فرضت منطقها على التعليم بمختلف أطواره، فكان لزاما التكيف معها بتكنولوجيات حديثة. أمّا الإشكال، فهو في افتقار عدة طلبة لوسائل التواصل عبر الشبكة. ومع ذلك قدمت الوزارة اجتهادات “وإن لم تكن كافية، فيمكن تطويرها مستقبلا”، بحسب قوله.

الكتاب الرقمي لن يعوّض الورقي في التلقي والقيمة
ودعا الأستاذ الجامعي إلى تفعيل وتعميم البرمجيات الإلكترونية، المعتمدة من بعض الجامعات لكشف السرقات العلمية، مع تشديد العقوبات على المتورطين فيها. وختم بأن أهمية الكتاب الرقمي لا جدل فيها، ولكنه لن يعوض الورقي من حيث التلقي والقيمة. ولذلك علينا السعي للحفاظ على الكتاب الورقي، لضمان بقاء المؤلف واستمرارية القارئ، وإلاّ، وقعنا في فخ براغماتية القراءة.
والخلاصة، أن الرّقمنة باتت أكثر من ضرورية، في تسيير وتحيين وتحسين حوكمة أي قطاع، مع ضمان الشفافية وتقصي الأثر. وسيزداد تطورها السنوات المقبلة، حتى نتحول إلى مجرد أرقام في الحياة. بينما تتحدد نوعية تأثير الرقمية، من خلال طبيعة استخدامها.
وبالتالي، فاستخدام التكنولوجيا الرقمية في البحث العلمي والتعليم العالي، ساهم في الرقي بمكانة الطالب الجامعي والأستاذ، مع تيسير العمليات البيداغوجية والبحثية والموارد البشرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!