الرأي

منصات التنافر الاجتماعي!

ح.م

أبانت الأحداث الأخيرة، التي عاشتها الجزائر في جميع المجالات، بحلوها على قلّته، ومرّها على كثرته، سوء تعامل رواد ما يسمى بالتواصل الاجتماعي، الذين فشلوا في رصّ الصفوف، وكانت تغريداتهم تصبّ في خانة زرع الفتنة وإبعاد الجزائريين عن الحلول المنشودة، ففي كل حدث يحمل المغرّدون معاولهم لهدم ما تبقى من البيت غير المرصوص، فهم مرّة مُفتون، يقفون أمام باب جهنم يزجون بالناس في غياهب اللهب، ومرات علماء عصرهم لا يعجبهم العجب، ومن يتابع التعليقات المقدمة على كل من يتم اقتراح اسمه للحوار أو كجزء من حل مشكلات الجزائر، يُدرك أننا بصدد التأسيس لجمهورية الرفض، بواسطة وسيلة التنافر الاجتماعي التي لا تواصل فيها بين أفراد المجتمع.

في مأساة هلاك مجموعة من الشبان والشابات، في حفلة المغني “سولكينغ”، لم يجد بعض الجزائريين– وللأسف عددهم بعشرات الآلاف– أي حَرج وهم يشمتون في الموتى وفي أهاليهم، ويتوعّدونهم بالحساب العسير يوم القيامة، ويلعنون المغني ويفتون بحرمة الغناء والموسيقى والرقص وحضور الحفلات. وفي الفيضانات التي شهدتها العديدُ من مدننا، راح الكثير يصوّرون المأساة ولا يمدّون يدا للعون، وبلغت جرأة آخرين أن وثقوا لـ”جرائمهم” بالصورة والصوت، كما حدث في جريمة وقعت في باتنة، أو كما حدث مع بعض المحتجين الذين اقتحموا مكاتب المديرين وجرّوهم بالقوة إلى الخارج في عملية طرد تم توثيقها صوتا وصورة، أما عن قذف أعراض الناس والسخرية منهم والتنابز بالألقاب ونقل الصور “المفبركة” والإشاعات، فإن الأمر تجاوز كل الخطوط الحُمر، وتحوّلت كل صفحة على فايس بوك إلى صحيفة لسوابق عدلية من نسج الخيال، وكل تغريدة هي حفيف الثعابين ولكن مصحوبة بالسم الزعاف، وكل تعارف افتراضي بين أصدقاء الفضاء الأزرق هو اتفاقٌ على السوء وتنافر اجتماعي.

 وغرق في هذا الوحل الأزرق حتى الجامعيون والمحسوبون على الدين والفكر والثقافة والعلم، وتعقدت الحالة حتى بلغت درجة الميؤوس من علاجها، وصار اللجوء إلى الافتراضي لحلّ مشاكل الواقع، مزيدًا من المشاكل. وعكس ما حدث في بعض الثورات العربية وخاصة في تونس ومصر، فإن منصات التواصل الاجتماعي فشلت في جمع الناس الذين بعثرتهم الأزمات.

لقد حوّل كل جزائري صفحته على فايس بوك، إلى مملكة فاضلة، ففي قضايا الدين، يحوّلها إلى منبر يطلق منه الفتوى التي تحكم على الناس بعذاب القبر والسعير، وفي قضايا العدالة إلى محكمةٍ لا مُرافع فيها سوى قاض يحكم بالمؤبد والإعدام من دون مرافعة محام أو التماس نائب عام، وفي الرياضة إلى مدرب يذوب أمامه كل مدربي العالم، وفي السياسة إلى ناقم على جميع الناس، وبدلا من أن تمنحنا مواقعُ التواصل الاجتماعي، مواهبَ كنا نظن أن الواقع أهملها ودفنها، منحتنا “جيشا” من المعتوهين والحاقدين والشامتين، الذين حوّلوا حلم التواصل الاجتماعي إلى هاجس للتنافر الاجتماعي.

مقالات ذات صلة