-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منْ سرق مفتاح الأزمة؟

منْ سرق مفتاح الأزمة؟
ح.م

بحلول 22 جوان الجاري، دخل الحَراك الجزائري شهره الخامس، ليكون بذلك أطول ثورة سلميّة حديثة في الوطن العربي، دون أن تبلغ أهدافها النهائية في التغيير، بل لا يبدو في الأفق القريب أن الحلّ المرغوب فيه بات وشيكًا، إلاّ بالقفز على تطلعات الشعب في الحريّة والكرامة، عبر المرور الإجباري إلى انتخاباتٍ شكليّة تعيد إنتاج المنظومة القديمة بألوان جديدة، مثلما يحصل الآن في هياكل الموالاة المتهالكة، وهي بلا شكّ، مؤشراتٌ غير مطمئنة، تؤكد أنّ استهلاك الوقت المتاح لا يشتغل في صالح المطالب الجماهيريّة، بل يندرج ضمن مخطّط أطراف تراهن على قاعدة “الزمن جزءٌ من العلاج”، لكن في الاتجاه السلبي التفكيكي، عبر استنزاف الحَراك وشقّ صفوفه بافتعال معارك هامشيّة تصرف النظر عن الأولويات والمطالب الجوهريّة.

لم يعد مفهومًا: لماذا تراوح الأزمةُ وضعية الانسداد؟ هل عدمت الساحة فعلاً الحلولَ الموضوعيّة الممكنة؟ أم أنّ هناك من يفتعل قطع الطريق أمام الخروج من المأزق السياسي لفرض أجندات محدّدة أو السطو على السلطة عن طريق المناورة والخداع؟

بالنظر إلى المطالب المرفوعة من قبل الجماهير والآليات الضروريّة لتجسيدها، يتبيّن أنّ الأزمة الجزائرية اليوم أضحت في حكم “السهل الممتنع”؛ فهي لا تقتضي معجزة لفكّ ألغازها الشعبيّة وقراءة شفراتها السياسية والدستوريّة، غير أنها تظلّ عالقة بين إصرار ثوري يتمسّك بشعارات قابلة للتفاوض وتعنّتٍ من سلطة قائمة تصمّ آذانها عن هتافات الشارع، ما يعني أن المعضلة في حقيقتها تتعلّق بالوعي العامّ والإرادة العُليا، وهما شرطان ضروريّان للمرور بسلام نحو خارطة المستقبل.

سيقول البعض إن هذا الكلام ترنّح في المساحات الرماديّة للتملّص من تبعات الموقف السياسي الصّريح، لكنّ الحقيقة هي أنّ الواقع يبدو كذلك، إذ أنّ الكلّ متشبّث بمنطقه الصلب في إدارة صراع مرن ضمن تجارب التدافع السياسي، ولا يمكن إلقاء اللوم على طرف دون غيره، وإن كان من الثابت أنّ السلطة الفعليّة تتحمل دومًا قسطا أكبر من المسؤوليّة التاريخيّة في التمهيد لصناعة المخارج الآمنة، باعتبارها مركز القرار وصاحبة المبادرة الأولى.

لنتفق أنّ الحَراك قد أسقط الكثير من الشعارات التي لا تشكّل الإجماع بين الجزائريين، والتي كانت محلّ رفض قاطع كذلك من المؤسسة العسكريّة، وفي مقدمتها المجلس التأسيسي والفترة الانتقالية الطويلة والإعلان الدستوري وسواها، لينحصر الخلاف تحديدا حول استمرار عبد القادر بن صالح في رئاسة الدولة، مقابل إقرار فترة انتقالية لا تتعدّى 6 أشهر، أمّا ترحيل الحكومة الحالية فهو مجرّد ورقة تفاوضيّة متروكة عمدا لوقت الحاجة، في حين تتقاطع الإرادة الرسميّة والشعبية في ضرورة استحداث “اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات” بغضّ النظر عن التفاصيل المؤجَّلة، فهل من المستحيل أن نصل إلى توافق حول المسائل الخلافيّة القائمة؟

نكرّر مرّة أخرى أن مفتاح الحلّ يستوجب خطوتين عاجلتين: الأولى هي إسقاط حكومة التزوير التي عيَّنتها القوى غير الدستورية، فليس من المتخيّل إطلاقا إشراف فريق وزاري موروثٍ عن نظام بائد على رسم مرحلة جديدة من التغيير، فهو غير مؤهَّل لها ولا موثوق فيه، وثانيتها انتداب شخصيات وطنيّة مرموقة لتحضير حوار وطني بين الحراك والسلطة، للفصل في الآليّة الانتقالية والانتخابية بكل تدابيرها، لأنّ احتكار رئاسة الدولة المؤقتة لرعاية مثل هذا الاستحقاق التاريخي لا ينسجم تمامًا مع واقع الحال، باعتبارها طرفًا معطّلاً في الأزمة، فلا يمكن أن تكون هي الخصم والحكم.

مقابل ذلك، على قوى الحَراك الفاعلة والمعبِّرة عن الأغلبيّة أن تتقارب عاجلاً ضمن رؤية تفاوضيّة واقعيّة، لتكون في مستوى الرهان الوطني، لأنّ بقاءها مختبئة خلف شعارات الحَراك، يبرّر تماطل السلطة في عدم التنازل ولو جزئيّا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!