الرأي

من‮ ‬قال‮ ‬إن‮ ‬لحوم‮ “‬العلماء‮” ‬مسمومة؟

تحوّلت القنوات المصرية، منذ الانقلاب على حكم الإخوان المسلمين، إلى أدغال من اللحى، التي يتنافس أصحابها على إطالة ألسنتهم، لأجل جلد جماعة الإخوان المسلمين، في حضرة مشاهير وشهيرات الفتنة من عصبة الإعلام، كما تنافسوا على إطالة لحاهم لأجل إيهام متابعيهم بأنهم من أهل السنة والجماعة، وإذا كان الله تعالى قد قال في كتابه العزيز لعامة الناس: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، فإن ما يقوم به هؤلاء الذين يسمون “علماء” هو الزج بالأمة في الفتنة والعذاب الأليم معا.

وإذا كانت أحداث ليبيا، قد أشعلت أول فتيل للفتنة عندما أفتى الشيخ القرضاوي، بقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، رغم علمه بأن سلاح القتل بين أيدي الفرنسيين ومن والاهم، وإذا كانت الفتنة قد بلغت الحلقوم في أحداث سوريا، عندما اغتيل الشيخ سعيد البوطي في قلب المسجد، من دون أن يجد من يترحّم عليه من العلماء الذين عاشوا معه أكثر من نصف قرن، فإن ما يحدث في مصر حاليا وضع من يسمّون أنفسهم بـ “العلماء” من أمثال المفتي علي جمعة، والدكتور أسامة السيد والشيوخ ثروت الخرباوي ومحمد مخيون وعمر عبد اللطيف، على مائدة وطلبوا من‮ ‬المشاهدين‮ ‬أن‮ ‬يتناولوا‮ ‬لحومهم‮ ‬حتى‮ ‬ولو‮… ‬كانت‮ ‬كما‮ ‬يتوهمون‮ ‬هم‮ ‬بأنها‮ ‬مسمومة‮.‬

 

ويخيّل للذي يتابع الآن القنوات العمومية والخاصة المصرية، أنها تحوّلت بالكامل، إلى قنوات دينية، تستضيف رجالا يستعمرون شاشة التلفزيون بلحاهم الكثيفة والطويلة العابرة للقارات، يحفظون القرآن الكريم ويفسرونه، حسب هواهم من أجل إرضاء كبيرهم “السيسي” الذي علمهم التفسير بكل أنواعه، وعندما يتدخل من يسمّي نفسه بعالم دين، ويقول إن ما قام به السيسي ذكّره بما قام به عمرو بن العاص في فتح مصر، ويقول آخر وهو أيضا من مدعّي العلم، إنه لن يتردد  مستقبلا في وضع محمد مرسي وحسن البنا مع عبد الله بن سلول، فإن كلمة “لحوم العلماء مسمومة‮” ‬التي‮ ‬قالها‮ ‬الحافظ‮ ‬بن‮ ‬عساكر‮ ‬رضي‮ ‬الله‮ ‬عنه،‮ ‬منذ‮ ‬أربعة‮ ‬عشر‮ ‬قرنا،‮ ‬تصبح‮ ‬في‮ ‬حاجة‮ ‬إلى‮ ‬شرح‮ ‬جديد‮ ‬لأن‮ ‬كلمة‮ ‬العلماء‮ ‬صار‮ ‬لها‮ ‬معنى‮ ‬جديد‮.‬

يذكر الجزائريون بكثير من الحنين ملتقيات الفكر الإسلامي التي جمعت مالك بن نبي بالشيخ القرضاوي وسعيد البوطي وموسى الصدر ومحمد عمارة، كانوا يتبادلون الأفكار ويقدمون للأمة حلولا، وسط صراع الرأسمالية والاشتراكية في ذلك الوقت، ولكنهم يصدمون الآن، وهم يرون أن كل عالم، تحوّل إلى معول في يد الزعيم، وأحيانا في يد المخابرات الأمريكية والصهيونية، يهدم ما بناه في عقول الشباب، الذين سافر بعضهم للـ”جهاد” في أفغانستان، وعاش آخرون في غابات وجبال الجزائر لمدة عشريتين، دون أن تتغير الأنظمة ودون أن تتمكن الأمة من استعادة الأرض المسلوبة منذ  خمسة وستين عاما  في فلسطين.. شيء واحد تغير وهو آراء “العلماء” الذين أكلوا لحوم الناس، وحذروهم من الاقتراب من لحومهم.. بحجة أن الحافظ بن عساكر رضي الله عنه قال: إنها مسمومة، وكان بالتأكيد يقصد العلماء وليس من يسمون أنفسهم “علماء”. 

 

مقالات ذات صلة