الرأي

من الانحلال إلى الحل!

ح.م

قرار حلّ البرلمان الذي تفضل به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، هو زلزالٌ عنيف لو كان قد حدث في دولة ديمقراطية تسير فيها الانتخابات بشفافية ووفق اختيار الناخبين بكلّ حرية لأبرز المرشحين الذين تقدِّمهم التشكيلات الحزبية والتي يُفترَض أن لا ترشّح إلا زبدة المجتمع في أي استحقاق محلي أو وطني، ولكنه عندنا لم يُحدِث أيَّ هزة، لأنه كان أشبه بحل ما هو مُحلٌّ أصلا، بل إنه حلّ لما كان مثالا في الانحلال بكل ما يتبع كلمة الانحلال من تجاوزات أخلاقية وسياسية، تبدأ بالأداء الهزيل لمختلف الأحزاب وتنتهي ببيع المناصب في المزاد العلني المادي والمناقصة العامة في الأخلاق، فيتمكن من المنصب بعد أن يكون قد رفع السقف المالي إلى الأعلى وأنزل المستوى الأخلاقي إلى الحضيض.

درجة القرف التي بلغها المجلسُ الشعبي الوطني في العقود الأخيرة، حتى لا نقول منذ أول عهدة له، جعلت الجزائريين ييأسون من هيئة تشريعية مثل البرلمان، وصار أي نائب مجرد قطرة في بحر “النائبات” التي يعيشها الجزائريون، وإذا كان من نافلة الكلام أن لا نضع الجميع في كيس واحد وأن نبحث عن استثناءات عندما نتحدث عن مهازل المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، فإننا نكاد نجزم بأنَّ نسبة المتسببين في هذا القرف قد لامست المئة بالمئة، لأن أي نائب تابع سيناريوهات بلوغ منصب البرلماني عبر “الشكارة”، وعاشر ممارسات البرلمانيين في رفع الأيدي جهلا وتعنتا، وتابع التجاوزات الخطيرة المقترَفة من طرفهم في الولايات التي يمثلونها وعلى المستوى الوطني، إنما هو مشاركٌ في الانهيار بصمتِه الشيطاني، حتى ولو حاول أن يلبس ثوب النزاهة الملائكي الاستثنائي الذي لا يليق به.

لم يجد البرلمانيون الذين زعموا بأنهم بلغوا قبة المجلس الشعبي الوطني بدعم من الشعب، رجلا واحدا يقف إلى جانبهم أو يدافع عن ورقته الانتخابية التي منحها لهذا النائب أو ذاك، بدليل الترحيب الكامل بحل البرلمان غير الشرعي الذي كان محطة وهمية لانطلاق كل المشاريع التي خرَّبت كل شيء جميل في هذه البلاد، وإذا كان التاريخ قد شهد بوجود حاملي حقائب وزارية من الكفاءات الممزوجة بالأخلاق الذين يظهرون بين الحين والآخر على قلّتهم، فإن المجلس الشعبي الوطني لم يترك في ذاكرة الناس أيَّ أثر لنائبٍ واحد قدِم من حزب نزيه وعاش لفكرة نزيهة وأمضى سنواته البرلمانية بعمل نزيه.

لقد كان الحل الأمثل والوحيد من القمة لهذا الانحلال، هو الحل، وبقي على القاعدة أن تباشر التحضير للانتخابات التشريعية وتقدِّم وجوها جديدة تطهِّر هذه البناية المدنَّسة الرابضة في شارع زيغود يوسف، فتسترجع روح اسمها من مجلس يجمع أخيار الأمة وشعبية من صندوق الشعب، ووطنية غيّبتها المصالح الخاصة، حتى يساهم النائب في علاج “النائبات” بعد أن كان طرفا فيها.

مقالات ذات صلة