-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يكسر الحلقة المفرغة؟

محمود بلحيمر
  • 2748
  • 0
من يكسر الحلقة المفرغة؟

ما يجب أن يكون في مناسبة كبيرة مثل 5 جويلية، عيد الاستقلال والحرية، هو خطاب سياسي قوي يكسر الجمود الحالي ويدفع للتفكير جديا في بناء المستقبل على أسس صحيحة، لأنها اللحظة المناسبة للتذكير بأن تضحيات الجزائريين ليست من أجل راية ومظاهر شكلية للسيادة ولكن من أجل بناء دولة عصرية تفرض الاحترام.

  • دولة يفترض أن تنتفي فيها، مثلا، ظاهرة هروب الأبناء من “الحراڤة” في قوارب مميتة تقطع البحر المتوسط نحو الضفة الأخرى التي يعتقد أنها “جنة” بديلة عن “جحيم” تعيشه في بلادها! من السهل اتهام هؤلاء الشباب بـ “قلة الوطنية” لكن من الصعب حل المشاكل التي دفعتهم لصنيعهم هذا، والمتهمون الأوائل في القضية هم من أنتجوا الظروف التي جعلت هؤلاء الشباب لهذا الخيار.. الذكي فينا هو من يقدر على قلب المعادلة بأن يجعل “الحرڤة” في الاتجاه المعاكس..
  • ترك هذه المناسبة العظيمة للتظاهرات الروتينية المستنسخة فيه شيء من الاستخفاف بالذاكرة، فلو اقتطع جزء يسير من الأموال التي تصرف في التظاهرات الخاوية ووجه نحو أعمال جادة عن ذاكرتنا لكان أفيد بكثير. كم من فيلم تم إنجازه عن الثورة الجزائرية والتاريخ النضالي الطويل للحركة الوطنية؟ التلفزيون الجزائري لا يجد أمامه سوى إعادة بث الأفلام التي أنتجت قبل حوالي ثلاث عشريات مثل حسان طيرو، معركة الجزائر، دورية نحو الشرق، العفيون والعصى، وتلك الأفلام التي تعد على الأصابع والتي حفظناها عن ظهر القلب.. هل كفاح الجزائريين طيلة 132 سنة من الاستعمال الفرنسي ينحصر في هذا فقط؟ أين ذهبت الملايير التي التهمتها وزارة الثقافة والتلفزيون الجزائري خلال العشرية الأخيرة؟ ما هي الأفلام الجديدة التي تم إنتاجها وما هي قيمتها الفنية والتاريخية؟ هل من كتب وأبحاث جديدة ذات قيمة علمية عن تاريخ الثورة والحركة الوطنية عموما؟ الجواب: لا شيء.
  • نحن أسرى الشعارات والخطب الفارغة، حلقة مفرغة تعيد رسكلة نفس الشعارات التي وجدت منذ عشريات. وهذا ما أشار إليه صحفي أمريكي كبير زار الجزائر مؤخرا بعد أن أقام هناك في السنوات الأولى للاستقلال، فلما سألته عن انطباعاته عن جزائر القرن الـ 21 قال لي أن أشياء كثيرة تركتها في بداية الستينات لا تزال موجودة اليوم مثل المهرجانات الإفريقية وعدم الانحياز والاتحاد الإفريقي والبوليزاريو.. لكن، حسبه دائما، كلام قليل يقال عن الأشياء الجديدة كبناء اقتصاد منتج، وهذا هو بيت القصيد.
  • الخطابات التي تردد عن المناسبات الوطنية تبقى رهن لغة الخشب وتفتقد لأدوات الإقناع. الأمر لا يختلف بالنسبة للخطاب السياسي الرسمي عموما، وكما كان يقول الفقيد امحمد يزيد أول وزير إعلام في الجزائر المستقلة: »الخطاب السياسي للسلطة غير قادر على تجاوز حدود نادي الصنوبر، وإذا خرج من نادي الصنوبر، فأقصى حدوده منطقة بوشاوي المحاذية!« فمن الصعب إقناع الناس بخطب تُردد باستمرار على مسامعهم لكن وقائع الميدان تقول دوما شيئا آخر. فالكثير من السياسيين وعدوا سامعيهم بالجنة لكن الجحيم لا يزال هنا لم يبرح مكانه، فمن يصدقهم مرة أخرى!؟.
  • ولكي يستعد الخطاب السياسي مصداقيته وقدرته على شد انتباه الناس ودفعهم للعمل ينبغي أن يكون صادرا عن نخبة سياسية ذات مصداقية. فزيادة على إتقانها لغة المخاطبة، يشترط أن تحوز على مؤهلات عالية للقيادة وخبرة في التسيير الجيد تكون قابلة للاختبار والمشاهدة في الميدان.
  • نسمع كثيرا، منذ عهد الحزب الواحد أنه تم اختيار المسؤولين على أساس “الكفاءة والنزاهة والمصداقية”، لكن هذه المعايير معدة لتزيين الواجهة والناس يرون في الميدان شيئا آخر وهي متكررة باستمرار. لنرى، مثلا، عندما يجمع رئيس بلدية الناس ويردد على مسامعهم خطبة حماسية عن عيد الاستقلال وقيم التضحية والإخلاص للوطن و….و…. لكن ذات الشخص متورط إلى أذنيه مع المافيا المحلية في النهب والرشوة، وهي أشياء لم تعد سرية، ترى ما هو حجم الضرر الذي يلحقه أمثال هذا المجرم بقيم هذه البلاد وبشبابها ومستقبلها؟ !
  • وعلى أهمية الخطاب في إعادة بعث الروح الوطنية وتحفيز المجموعة الوطنية على الإيمان ببناء المستقبل ينبغي المرور إلى الأشياء الجدية، أي الملموس، لأنه وكما كان يقول الراحل عبد الحق بن حمودة »الخُطب ما توكلش الخبز«. فأكبر رهان تواجهه الجزائر اليوم هو كيفية النهوض بالاقتصاد كي يصير اقتصادا منتجا بدلا من الاقتصاد الريعي الحالي، اقتصاد يخلق مؤسسات منتجة للثروة وتوفر مناصب شغل متوافقة مع حجم الطالب المتزايد في سوق الشغل. لكن تبقى الحكومة عاجزة على تجاوز حلقات الفشل المسجلة في هذا المجال، وإلى اليوم، لا يزال التردد هو ميزة السياسة الاقتصادية للحكومة، وبالتالي لا ينبغي التطلع لنتائج إيجابية لاحقا.
  • وهكذا، فالأولوية بالنسبة للجزائر في الظرف الحالي هي كسر الجمود الغامض وتجاوز حالة الانتظار لأشياء وهمية، لأن عدم التحرك أو عدم فعل أي شيء يحمل مخاطر نجهل حجمها.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!