الرأي

مهام أخرى للإمام

محمد حمادي
  • 792
  • 5
أرشيف

مع كلّ مصيبة تقع على رؤوسنا يهرع الجميع في هذا البلد إلى الإمام، طالبا منه يد العون بصفته الواعظ والمرشد وصاحب السلطة الرمزية في المجتمع، لإخماد نار فتنة متأجّجة أو وأد أخرى في المهد قبل أن ترى النور، وتشعل فتيل أزمة نحن في غنى عنها، ليجد الإمام هذه المرة نفسه، قد استدعي إلى مهمة أخرى؛ وهي مواجهة العنف في ملاعب كرة القدم، عبر نشر المحبّة والاحترام بين مناصري الأندية، ودعوتهم إلى نبذ الفرقة والعداوة والتحلي بالروّح الرياضية، وتحكيم لغة العقل والمنطق، لكون المباراة التي جمعتهم في مدرجات الملعب، لا تعدو أن تكون مجرّد لقاء رياضي، وليست معركة تسيل لأجلها الدماء وتُزهق بسببها الأرواح!
محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الذي تأسّف، قبل أيّام، لحال ملاعب الكرة، التي تحولت إلى ساحات وغى، تُدار فيها حروب طاحنة، بسبب الجلد المنفوخ، في مشاهد مهرّبة من أيام “الجاهلية الأولى”، اقترح أن يخصص الأئمة خطب الجمعة للحديث عن التآخي بين مناصري الأندية، ويتنقلوا إن استلزم الأمر إلى المدرجات، ليلقوا على مسامع المتفرجين خطاب المحبّة والمودّة والاحترام المتبادل.
جميلة حقّا هذه المبادرة، التي تزرع قيم التسامح والإخاء بين أبناء البلد الواحد، الذين تقلصت في أفئدتهم مساحة المحبة والتسامح وحلت محلها العداوة والبغضاء بسبب مباريات كروية، كان الأجدر أن تكون فضاء للتعارف بدل التنافر.. لكن مع من يتحدث الإمام في مدرجات الملاعب؟ مع أشباه المناصرين الذين خمرت عقولهم الخمور وفتكت بأجسادهم المخدرات والمهلوسات؟ أم أولئك المعقدين نفسيا والمضطربين عقليا الذين جاؤوا إلى الملعب لينتقموا من الجميع؟ من يسمع خطاب الإمام؟ المشجعون الذين يقرعون طبول حروب وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل بدء المباريات؟ أم نظراؤهم في الجهة المقابلة، الذين يعدّون العدّة للرّد عليهم بكلّ ما أوتوا من خناجر وسيوف وحجارة؟
المشكل أعمق وأخطر ممّا يعتقد محمد عيسى، الذي أراد أن يُساعد زميله في الحكومة، وزير الرياضة، لمواجهة أعمال العنف والشغب في الملاعب عبر الاستنجاد بالأئمة. ألا يعرف وزير الشؤون الدينية أنّ ملاعبنا لا يُسمع فيها سوى الكلام البذيء المغلف بالسّب والشتم والاحتقار؟ ألا يعلم بأن غالبية هتافات وأهازيج مشجعي الأندية في البطولة “المنحرفة” تقطر منها روائح الكراهية والجهوية والعنصرية النتنة؟
كيف يكون للإمام مكان بين هؤلاء؟ كيف يستطيع أن يقنعهم وغالبيتهم يسبح في عالم آخر، من فرط المخدرات والمهلوسات التي تعاطوها؟
للأسف، أصبح الجميع في هذا البلد يحمّل الإمام فوق طاقته، ويلقي عليه باللّوم، وحجته في ذلك أنّ الخطاب المسجدي ضعيف، لكونه لا يزال حبيس فرائض ونواقض الوضوء وترقيع الصلاة، لذلك لن ينجح في تنشئة جيل طيّب الأعراق.
فعلا، هناك جانب من الصواب في هذا الطّرح، لكن ما محلّ باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، على غرار الأسرة والمدرسة من إعراب هذا الوضع البائس الذي نحياه؟ لماذا لا نجد أثرا لجمعيات المجتمع المدني ولجان الأنصار، عندما يتعلّق الأمر بمحاربة العنف والشغب في الملاعب؟ أين رؤساء الأندية والمدربون؟ أليس في اللاعبين رجل حكيم يحظى باحترام الأنصار؛ فيهدئهم ويدعوهم إلى التآخي في ما بينهم؟

مقالات ذات صلة