الرأي

مهزلة الجامعة والصّعود نحو الأسفل!

محمد حمادي
  • 3777
  • 13

في كلّ مرة تصدمنا فيها مراكز ومواقع متخصصة، بتصنيفات تضع الجامعات الجزائرية في أسفل سافلين من ناحية ترتيب أرقى الجامعات عالميا، نتداعى لها بالتشكيك؛ فنحاول إقناع أنفسنا عبثا بأنّ مثل هذه التصنيفات ليست موضوعية وتفتقد الدقة؛ كون المقاييس التي اعتمدتها لا ترتكز على أسس علمية، بالنظر إلى مخابر البحث وهيئة التدريس التي تضم أساتذة أكفاء نالوا أرقى الشهادات العلمية من مؤسسات علمية معترف بها دوليا؛ فساهموا في جودة التعليم وترقيته بجامعات الوطن، إلا أنّنا مازلنا ننافس جامعات بوركينافاسو واللوزوطو ومالاوي على المراتب الأخيرة!

إذا كان مركز متخصص، قد وضع أفضل جامعة جزائرية في المرتبة 2250عالميا، وفي المرتبة 13 في منطقة شمال إفريقيا، وآخر منحها المرتبة الـ39 ضمن أفضل 200 جامعة إفريقية لهذه السنة، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح في ظل هذا الانحطاط هو: أين الخلل؟

 الحقيقة هي أن الإجابة عن هذا التساؤل أصبحت ضربا من المستحيل، لتحيلنا إلى تساؤلات أخرى: لماذا تغيب في كل مرة الجامعة الجزائرية عن تصنيف أرقى الجامعات العالمية وتتذيل الترتيب في كل مرّة؟ لماذا أصبحت جامعات بعض الدول الإفريقية المضطربة أمنيا وسياسيا، والمهزوزة اقتصاديا تتفوق علينا في ميدان البحث العلمي؟ ألا نملك أساتذة وباحثين صنعوا التميّز والتفرّد في المحافل العلمية العالمية؟ ألا يصنع الآلاف من الطلبة المتخرجين من جامعات الوطن نجاحات كبريات المؤسسات العملاقة عبر العالم؟

فك طلاسم هذه التساؤلات من أعقد وأصعب الأمور في ظل منظومة جامعية تملك كل مقومات وشروط الصعود نحو الأعلى، إلا أن فيروس سوء التسيير يضرب في كل مرة بقوة ليصيب هذه المؤسسات العلمية، التي من المفترض أن تُستغل أبحاث طلابها وأساتذتها في الدفع بعجلة الاقتصاد، وتتبنى مختلف القطاعات، الدراسات الأكاديمية، في فهم المجتمع والرقي به إلى مصاف المجتمعات المتحضّرة بإنسانيتها وطريقة تفكيرها.

للأسف، فإنّ كثيرا من الأبحاث العلمية الجادة، التي قدمت لنيل الدكتوراه في اختصاصات علمية دقيقة، ما تزال حبيسة رفوف المكتبات، عبث بها غبار النسيان، وشيّدت العناكب على صفحاتها التي تقطر علما بيوتا، وهي التي كان من الأجدر استغلال نتائجها في دراسة مشاريع تأتي بالنفع على البلاد والعباد.

مثل هذه الذهنيات البالية لن تزيد جامعاتنا سوى تقهقر، وستغرقها في مستنقع الرداءة، التي اصطبغت بألوان التسيّب والإهمال والسرقة العلمية والغش في الامتحانات، فضلا عن الملتقيات والأيام الدراسية التي تحوّلت إلى مأدبات حضر فيها كل شيء إلاّ العلم.

الطالب هو الآخر مسؤول عن هذا الوضع القاتم السواد، بعدما  أضحى رهين ثالوث الفشل:الإطعام الإيواء والنقل؛ فأين البحث العلمي والمطالعة؟ ما مصير المكتبات التي أصبحت خاوية على عروشها؟ فهي لا تمتلئ إلا أيام الامتحانات، حيث يلتقي الكسالى ليتدارسوا طرائق وفنون الغش، ويُعدّوا العدّة لغزو المدرّجات بعقول خاوية، وجيوب ممتلئة بطلاسم القصّ واللصق للمحاضرات.

باختصار، فإنّ الإطارات البشرية المؤهلة التي تزخر بها الجامعات الجزائرية، هي التي من المفترض أن تقود قاطرة البحث العلمي، وليس أولئك المتسلقون الذين وجدوا في المناصب الإدارية فرصة للانتقام من المتفوقين وممارسة هواية وضع العراقيل أمامهم كي لا يفضحوا محدودية مستواهم المتدني علميا وأخلاقيا.

مقالات ذات صلة