الرأي

موقف.. مالك بن نبي الشاب

محمد سليم قلالة
  • 6982
  • 11

حديثنا عن الفارق التكنولوجي وسقف الطموح الذي بيننا وبينهم ـ بالأمس ـ ينبغي ألا يكون البتة مدعاة للهزيمة النفسية، أو للشعور بالدونية أمام الغرب، حقيقة هناك هوة تكنولوجية كبيرة تفصل بيننا وبينهم، إلا أن هذه الهوة ليست هي من تصنع الفارق وحدها، وليست هي من تصنع الهزيمة أو النصر الذي يصنع الهزيمة هو الخضوع للآخر والاستسلام له والقبول بالتخلي عن مقومات الذات التاريخية والحضارية وتقمص ذاتية الآخر وروحه، أي التخلي عن إرادة الوجود للآخر يقودها كما يشاء وإلى حيث يريد.. أما الذي يصنع النصر فهو الثقة بالقدرات الذاتية وسمو النفس وبإمكانية اللحاق والتفوق على الآخر من غير فقدان الهوية أو الجذور.

  جيل الشباب الذي مكّن الجزائر من استعادة استقلاله تحلى بهذه الروح، التي غرسها فيه العلماء والمصلحون والساسة الوطنيون، وجيل الشباب الذي سيمكن الجزائر من توطيد أركان دولته اليوم ينبغي أن يستلهم من هذه الروح روحا جديدة بعيدا عن تلك الانهزامية التي يسعى البعض إلصاقها به عنوة.

يُحكى عن مالك بن نبي الشاب أنه كان في أحد المطاعم الباريسية يتناول طعامه من غير استخدام الشوكة أو السكين، أرادت إحدى الفرنسيات “المتحضرات”  تعليمه أصول المدينة الباريسية فمرت بجانبه قائلة: les fourchettes، أي تحضّر وكُل بالشوكة… فما كان من بن نبي رحمه الله إلى أن ردّ عليها قائلا: “قد صُنعت (الشوكة) للأيدي المتسخة أما أنا فيداي نظيفتان”… فعبّر بذلك عن سمو داخلي لا مثيل له، وعن ثقة بالنفس كبيرة غير منبهرة بالغرب، وعن فهم أعمق لمفهوم النظافة لدى المجتمعات المسلمة التي لم تصل بعد إلى مرحلة استعمال الشوكة كمنتج صناعي غربي متطور…

هكذا نحن اليوم، إما أن نتفاعل مع هذا التقدم التكنولوجي الغربي الهائل المسلط علينا، بعقلية مالك بن نبي، أو ننهزم أمامه ونقتل كل بذرة تفوق بداخلنا مكررين خطاب اليائسين: بأننا لا شيء وهم كل شيء، وبأن كل شيء قد انتهى وقد فات الأوان، وبأننا لا نصلح إلا أن نكون مستعبدين… وبأن لا أمل لنا إلا بالفرار إلى الضفة الأخرى…الخ، الأمر الذي ينقل الهزيمة من مستواها المادي إلى مستواها الفكري والروحي، حيث لا نهضة بعدها.. فكيف نسمح لأنفسنا بأن نصل إلى هذا المستوى ونحن الذين نطمح اليوم أن نكمل رسالة التحرير، ونحن الذين نمتلك من الوسائل ما لم يمتلكوا، ومن القدرة على الدفاع عن النفس ما لم تكن لديهم…؟

أظن أن شبابنا اليوم أكثر حظا، وأكثر قدرة على الرد، بل وأن فيه أكثر من مالك بن نبي… الشاب…  

مقالات ذات صلة