الرأي

مَن يَدفع إلى اليأس؟

محمد سليم قلالة
  • 1143
  • 4

ينبغي أنْ نعلم أن كثيرا من بلدان العالم لا يهمُّها اليوم أن تسود العدالة أو الحرية داخل بلداننا بقدر ما يهمُّها تدجينُها لكي تندرج طوعا أو كرها في المشروع المستقبلي الذي تم إعداده للمنطقة.

الغرب الديمقراطي الليبرالي من خلال ما يُعرف بسياسته تجاه منطقة الشرق الأوسط الكبير، يكفيه القَبول بمشروع السياسي (ومن أساسياته التطبيع مع الكيان الإسرائيلي) وتحقيق مصالحه الاقتصادية، لكي يغضّ الطرفَ عنك سواء أكنت تعرف حكما تسلطيا أو مُنتَخَبا أو محافظا تقليديا، والأمثلة معروفة. أما القوى الشرقية الصاعدة فيكفيها إيجادُ موقع قدم لها في المنطقة لتُعزِّز سياستها الكونية وتبقي على تفوقها المتزايد. والطرفان يعلمان جيّدا أن أكثر ما يُفيدهم هو ضعفنا وليس قوتنا، وأكثر ما يُضعفِنا هو تعزيز اليأس بين شبابنا؛ القوة المستقبلية الضاربة لدينا.

وتؤكد المتابعة التاريخية للتعامل الدولي مع منطقتنا ما نذهب إليه:

ـ يلاحَظ بما لا يدع مجالا للشك أن هناك سعيا واضحا للاستفادة من موجة ما عُرف بـ”الربيع العربي” لتأزيم وضع شبابنا أكثر. ينبغي أن تؤدي احتجاجاته إلى عكس ما كان يتطلع إليه، وهو ما تحقق بالفعل: كان عدد البطالين حسب تقارير الأمم المتحدة 8 ملايين شاب سنة 2011 (قبل الربيع)، وأصبح اليوم 28 مليونا بعد الربيع.

ـ كما يُلاحَظ بما لا يدع مجالا للشك أنه برغم أن المنطقة من أغنى مناطق العالم بالثروات، هناك اتجاهٌ واضح لزيادة نسبة الفقر بها؛ إذ زاد عدد السكان الذين يقعون تحت خط الفقر (أقل من 1.98 دولارا في اليوم أي نحو 300 دج) من 3.8 بالمائة في 2015 إلى 7.2 بالمائة في 2018.

ـ والأخطر من كل هذا تبيَّن أنَّ هناك سياسة واضحة تجاه التأثير في تماسكنا العقيدي وبخاصة تمسُّك شبابنا بالإسلام الذي استمر مرجعية لنا طيلة قرون. لقد جرى تشويه هذه المرجعية بإحكام من خلال جماعات التكفير والتطرُّف في بداية الصحوة الإسلامية وإلى غاية تسعينيات القرن الماضي، ثم الجماعات الإرهابية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتم أخيرا تجريمُ ما بقي من الإسلام السياسي بعد الربيع العربي (اعتبار الإخوان جماعة إرهابية)… وهكذا جرى حثيثا إيصال فئات واسعة من الشباب إلى حالة من عدم الاقتناع بأن في الإسلام حلا، بعد أن كان الشعار قبل 30 سنة “الإسلام هو الحل”، بل تم تضخيم فكرة أن مشكلة أنظمتنا السياسية هي إقحام الدين في السياسة وليس التبعية للغرب والفساد والاستبداد.

ـ وفي مقام لا يقلُّ خطورة عن السابق وبعد تيئيس الشباب من الدين، بدأت منذ نحو 10 سنوات عمليةٌ واسعة للدفع به نحو الكفر بالوطنية، من خلال تشويه التاريخ، وتشجيع النعرات الجهوية والإثنية وإحياء الصراعات القبلية، والتشكيك في كل ما هو مِن عوامل الوحدة الثقافية والقيمية، لفسح المجال أمام مفهوم واحد سيِّد وهو الدولة اللادينية، اللاقومية الفسيفسائية التي تستبدل الانتماء إلى كتلتها الحضارية بالانتماء إلى العولمة وتتحول من قيمها الإسلامية والوطنية إلى القيم  الغربية التي تأخذ تسمية مُضَلِّلَة كالقيم العالمية أو الإنسانية.

وفي الأخير تأتي اللعبة السياسية لتُكمِل مُخطّط اليأس: من جهة يتم تشجيع الفئات الواسعة من الشباب على تبني مطالب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وخلف الستار يتم الإبقاء على الأنظمة السياسية، التي يتم تشجيعهم على الثورة عليها، ضعيفة إلى الدرجة التي لا تستطيع معها حل أي مشكلة (البطالة، الفقر، العدالة أو التكامل بين الدين والدولة…).

وهي الحال التي نعيشها ليوم، وعلينا وعيُها دون تبسيط مُخلّ ولا تعقيد مُثَبِّط للعزائم قاتل للأمل.

إننا في حاجة إلى إدراك الخيط الرفيع بين أن نكونَ لاعبين واعين أو أن نكون متلاعَبا بِنا إلى درجة أَنْ نعتقد أننا نحن اللاعبين الحقيقيين ونحن لا ندري.

مقالات ذات صلة