الرأي

نحن أفضل من هولندا؟!

محمد حمادي
  • 4340
  • 11

مسلسل التصريحات “المستفزة” و”الغبية” لكثير من السياسيين والمسؤولين في بلادنا، لن تتوقف حلقاته؛ ما دمنا نهرب من واقعنا المرير، رافعين شعار “البلوى إذا عمّت خفّت”؛ فنحاول عبثا إيهام أنفسنا بأن الفشل ليس ماركة عالمية مسجلة باسمنا، وإنّما هناك شعوبا ودولا تقاسمنا الهمّ ذاته، وأحيانا تتفوق علينا في درجة الانحطاط ومقدار السرعة الجنونية إلى الوراء؛ فصرنا نتعامى عن خطايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والرياضية باختلاق تبريرات وهمية لا محل لها من إعراب واقعنا المرير!

الفضائح المتتالية التي هزّت عديد القطاعات الحيوية في البلاد، لم يستخلص منها المسؤولون الفاشلون الدروس بعد، ولم  تصدمهم فظاعتها ليحدّدوا مكامن الخلل ومواطن الوهن في منظومتهم التفكيرية في المقام الأوّل، التي لم تعد تنتج سوى خطابات مبتذلة، يسوّقونها على نطاق واسع ليهربوا من المسؤولية.

ألا يخجل مثل هؤلاء عندما يقارنون قطاعاتهم المريضة  بمثيلاتها في أوروبا وأمريكا وآسيا وسائر الدول المتطورة؟ ألا يتحرّجون من اختلاق التبريرات الواهية لإخفاقهم، حتى أضحوا مصدرا للتنكيت والتندر داخل وخارج الوطن؟

وفقا لهذا الطرح “الغبي” نحن أفضل من الجميع، تغلبنا على فنلندا في جودة التعليم، حتى تميّعت عندنا شهادة البكالوريا وصارت متاحة للجميع،  لا النرويج، ولا السويد، ولا الدنمارك تتفوق علينا في ما يخص معدّلات الدخل الفردي لشعوبها، لدرجة أنّ مرتب أبسط موظف عندنا يمكّنه من اقتناء سيارة فاخرة وشراء مسكن لائق، ويُتيح له السفر في رحلات ممتعة إلى بقاع العالم، مدننا تنافس عاصمة كندا أوتاوة في نظافتها وجمالها، وتكاد تنتزع السياحة من بانكوك وكوالامبور، نحن ننافس أوكسفورد وكامبريج في رقي شهاداتها، حتى حصلت أفضل جامعاتنا على المرتبة 2250  عالميا!

نخشى أن يتميّع الخطاب السياسي أكثر ممّا هو عليه من بؤس وانحطاط، ليخرج أحد رؤساء المقاولات الحزبية يوما ما، ليقول للجزائريين: “احمدوا الله أن السجون مكتظة عن آخرها ولم تذهب الأموال التي رصدت لتشيدها سُدى، احمدوا الله أنها ممتلئة، وإلا اضطررنا إلى تسريح عدد هائل من الموظفين والحراس والأطباء الذين يشتغلون بالمؤسسات العقابية، انظروا إلى بلد أوروبي مثل هولندا سجونها خاوية على عروشها لا يوجد بزنزاناتها سجين واحد، عمال السجون هناك يحتجون لأنهم فقدوا وظائفهم”.

أيّ منطق؟ وأيّ تفكير؟ ذاك الذي تجود به قريحة كثير من المسؤولين والسياسيين في بلادنا، عندما يقارنون ما لا يُقارن، ويضربون أمثلة لا محل لها من إعراب الواقع الجزائري.  فعلا نحن أحسن من هولاندا، ولكن في معدلات الإجرام التي بلغت مستويات قياسية، حتى امتلأت السجون بالنساء والشبان والشيّب، فضلا عن مراكز الأحداث التي تخفي بين جدرانها قصصا مأساوية لأطفال ارتكبوا جرائم مروّعة. صحيح، نحن أفضل من هولندا لأنّ أبناءنا يتدفقون هذه الأيام زرافات ووحدانا على الشواطئ للإقلاع في رحلات الموت نحو الضفة الأخرى، أكيد عاصمتنا أحسن من أمستردام؛ فالأخيرة لا تحتوي على مسابح شبه أولمبية صنعتها الأمطار على أرضيات المشاريع المغشوشة مثلما هو الحال عندنا!

مثل هذه التصريحات الكرنفالية المُغلّفة بالشعبوية ميّعت كلّ شيء، ولن تزيد المسؤولين الكُسالى والمتقاعسين عن خدمة الصالح العام، سوى هروبا إلى الأمام، ما دام هُناك من يحميهم ويُداري فشلهم الذريع في تسيير شؤون العامة.

مقالات ذات صلة