الرأي

نحن والديمقراطية.. درس من الصين وتركيا!

محمد سليم قلالة
  • 1289
  • 7
ح.م

يبدو لي بالفعل، أننا منذ أكثر من 30 سنة ونحن نَتبع وَهمًا عنوانه أن الديمقراطية هي السبيل لتحقيق التنمية والرفع من القدرة الشرائية ومن مستوى المعيشة، ولم نسعَ أبدا لِمُكاشفة أنفسنا بحقيقة ساطعة، أن العمل والإخلاص فيه، والصدق مع الله والوطن، أو مع الفكرة والوطن أساس ذلك. بمعنى أن المسألة لها علاقة بالقيم أكثر مما لها علاقة بالشكل السياسي للدولة… وفيما يلي تعليل ذلك:

على سبيل المثال لا الحصر، هناك دولتان تمكنتا (ما بين 2009 و2019)، أي خلال 10 سنوات، من الرفع بنسبة كبيرة، من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجماليGDP مقاسا بالمعدل الشرائي PPP (Purchasing Power Parity)، هما الصين وتركيا مع ملاحظة فارقة، أن واحدة شيوعية والثانية مسلمة.. واحدة تعتمد الحزب الواحد ولا تؤمن بالتعددية، والثانية تُطبِّق التعددية…

الصين تمكنت من رفع نصيب الفرد لديها من 8069 دولارا سنة 2009 إلى 16116دولارا سنة 2019، أي ضاعفته بزيادة قاربت المائة بالمائة ( 99.72%). أما تركيا فتمكنت من رفعه إلى ما يزيد عن الـ50 بالمائة (50.3%)، من 18734 دولار إلى 28167 دولار…

في حين أن دول شمال افريقيا الست (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، بقيت جميعها تُراوح مكانها، لا خلاف بين تلك التي عرفت اضطرابات سياسية بحثا عن الديمقراطية ما بين 2011 و2014 (مصر، تونس)، أو تلك التي عرفت ما يشبه الحرب الأهلية (ليبيا2011 ـ 2019)، أو شهدت اضطرابات متأخرة (الجزائر 2019)، أو اضطرابات متقطِّعة (موريتانيا، المغرب 2011 ـ 2019) والسودان (3313 دولارا في 2009 و3958 دولارا في 2019).

مصر، استمر نصيب الفرد من الدخل الإجمالي فيها تقريبا على حاله خلال العشر سنوات الماضية (من 10031 دولارا سنة 2009 إلى 11763 سنة 2019) رغم كل التبدلات السياسية التي حدثت بهذا البلد.. لم يختلف هذا الدخل بين عهد الرئيس مرسي المنتخب ديمقراطيا، حيث قُدِّر بـ10290 دولارا سنة 2013، وعهد الرئيس الذي انقلب عليه حيث بلغ 11349 دولارا سنة 2019.. ولم يتبدل نصيب الفرد التونسي من الناتج المحلي الإجمالي إلا بنسبة ضئيلة بين عهدي الرئيسين، بن علي الحاكم الفردي، وقيس سعيد المُنتخب ديمقراطيا! حيث كان سنة  2009في ظل الحكم الفردي 9872 دولار، وأصبح بعد عشر سنوات 10755 دولارا في عهد التعددية “النموذجية” في الوطن العربي، أي بزيادة ضئيلة… أما ليبيا فقد تبدلت الوضعية بها سلبا مع قدوم الثورة ورياح الديمقراطية، حيث كان نصيب الفرد 21685 دولارا في عهد العقيد معمر القذافي، وأصبح 15174 دولارا بعد “الثورة” “الديمقراطية”. وذات الشيء بالنسبة للجزائر، حيث لا فرق بين سنة 2009 حيث قُدِّر بـ10610 دولارا، و2019 حيث أصبح 11349 دولارا، وكذلك موريتانيا (4783 دولارا في 2009 و5197 دولارا في 2019)   والسودان (3313 دولارا في 2009 و3958 دولارا في 2019)…

النتيجة من هذه المقارنة أن شكل النظام السياسي لا علاقة له بالتقدم والتخلف، الأهم هو مدى صدق النخبة السياسية الحاكمة في عملها، ومدى كفاءتها، وقبل ذلك مدى الابتعاد عن الشعارات الجوفاء والتفرغ بحق للعمل…

الديمقراطية بلا جد وعمل وصدق لن تُطعمنا خبزا ولن ترفع من شأننا… لِنُفكِّر قليلا، واضعين نصب أعيننا أمرا هاما، أن شمال افريقيا كله، بأنظمته، الملكية، والديمقراطية، والجمهورية والثورية، وسم ما شئت،هو دون المتوسط العالمي من نصيب الفرد المقدّر بـ21583 دولار سنة 2019… فهيَّا إلى الصدق في العمل أولا، إذا أردنا الالتحاق بالركب… ولنضع حدا لـ”ثورات” العناوين الاستعراضية والشعارات الرنَّانة…

مقالات ذات صلة