-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نظام الإرث الإسلاميّ.. هل ظلم المرأة؟!

سلطان بركاني
  • 748
  • 0
نظام الإرث الإسلاميّ.. هل ظلم المرأة؟!

في الأيام القليلة الماضية؛ كتب علمانيّ مصريّ ينصح الآباء: “اكتب لبناتك كلّ ما تملك قبل أن تموت، لأنّ ابن عمّك الذي لم تره منذ 30 سنة سيأتي بعد وفاتك ليطردهنّ من بيتهنّ ويرثك ويخلع”، وهو ما رآه هذا العلمانيّ نصيحة مشفق (!) لكلّ أب لم يرزق ولدا ذكرا، فرارا من حكم الشرع الذي يقسم تركة هذا الأب بين بناته وبين أبناء عمومته الذّكور في حال لم يترك إخوة ولا أخوات ولا أبناء إخوة.. وهي النّصيحة التي أعجب بها علمانيّ جزائريّ فشاركها محتفيا بها، وكتب معلقا: “أمام ظلم البنات في المواريث، لا حلّ سوى التحايل”!
مواقع التواصل، بمختلف ألوانها، تطفح في السنوات الأخيرة بمثل هذه الجهالات التي يهذي بها أدعياء الفكر والتنوير الذين يجمعون بين الجهل بحقائق الدّين وبين الغرور والاعتداد بالنّفس، لذلك تجدهم يلجؤون إلى دغدغة العواطف بشعارات براقة وأمثلة تستعدي الجاهلين على شرع رب العالمين! كلّما أعوزتهم الحجّة وأعجزتهم النقاشات الجادة مع أهل الشأن في ميادينها!
هذا الجاهلان، يصوّران نظام الإرث الإسلاميّ على أنّه نظام ذكوريّ يهضم حقّ المرأة، بل ويمنع الأب من إنصاف بناته والاحتياط لهنّ من بعده، لذلك يلجأ إلى التحايل على الشّرع ليحفظ كرامتهنّ! وهذا كذب صراح، لأنّ الشّرع لا يمنع أيّ أب من الاحتياط لزوجته أو بناته من بعده، إذا كان يخشى عليهنّ؛ بل يجيز له أن يهب زوجته وبناته ما يشاء من أمواله وممتلكاته، إذا لم تكن نيته هي فقط حرمان ورثة آخرين، وهذا الشّرط وُضع تحسبا لصنيع بعض الآباء الذين يتعمّد الواحد منهم قسمة أمواله كلّها بين بناته مع علمه باكتفائه بأنصبتهنّ، نكاية بورثة آخرين! أمّا إن كانت نية الأب صون زوجته أو بناته من التعرّض للتشريد والظّلم، فله أن يهب لهنّ في حياته وحال صحّته ما يشاء. والهبة -كما هو معلوم- تختلف عن الوصية التي لا تجوز لواحد من الورثة.. فالأب الذي لم يرزق أولادا ذكورا، ليس في حاجة إلى التحايل ليصون كرامة بناته من بعده، كما يصوّر الجهلة، ولماذا يتحايل وبين يديه الحلّ المشروع!
الجاهل المصريّ رام أن يدغدغ عواطف الجهلة مثله، فضرب مثلا برجل مات وترك بناتٍ وابنَ عمّ قاطعا لم يره ابن عمّه منذ 30 سنة، فابن العمّ هذا سيتحيّن وفاة ابن عمّه ليزاحم بناته في الميراث، ويطالب ببيع البيت الذي يؤوي اليتيمات ليأخذ الثلث المفروض له.. وردا على هذا المثال نقول ما قلناه سابقا إنّه لا أحد منع الأب من أن يهب بناته البيت ويكتبه باسمهنّ حتّى لا يتشرّدن من بعده، ومع البيت كلّ ما من شأنه أن يحفظهنّ ويحفظ كرامتهنّ.
ثمّ لو أنّنا جعلنا خلل قطع الأواصر في مجتمعنا متكّأ لنردّ شرع الله، فإنّنا يمكن أن نضرب مثلا يقابل المثل الذي ضربه الكاتب المصريّ: فماذا لو ماتت امرأة وتركت منزلا باسمها، وزوجا، وابنةً من زوج سابق أو حتى ابنة من زوجها الأخير أصرت على الزواج من رجل لم يرضَه والداها؛ أليست البنت تأخذ ثلاثة أرباع البيت (النّصف + الباقي ردا)، بينما لا يأخذ الزوج سوى الربع؟ ألا يمكن أن تختار البنت أخذ حقها الشرعي في البيت، وبالتالي يضطر زوج المتوفاة إلى عرض المنزل للبيع؟
أمّا عن شبهة ظلم الإسلام للمرأة في الميراث التي أحياها المتنوّر الجزائريّ، فهي شبهة قديمة أشبعها العلماء المتقدّمون والمتأخّرون بحثا، وأثبتوا أنّ النّظام الإسلاميّ هو أعدل وأحكم نظام عرفته البشريّة، فهو لا يوزّع الأنصبة بالنّظر إلى الذّكورة والأنوثة كما يزعم العلمانيون والحانقون، إنّما يقسمها -غالبا- بالنّظر إلى درجة القرابة من المتوفّى، فنجد البنت ترث نصف التركة في حال تفرّدها يضاف إليه الرّبع ردّا، بينما لا يرث أبوها (زوج المتوفاة) سوى الرّبع، كما يراعي نظام الإرث الإسلاميّ الإقبال على الحياة، لذلك تكون أنصبة الأولاد -المقبلين على الدّنيا- أكبر من أنصبة الآباء والأجداد -المدبرين عنها-، ولا يكون نصيب الذّكر ضعف نصيب الأنثى إلا إذا تساوى الذّكر مع الأنثى في الجيل ودرجة القرابة، ففي هذه الحالة يعطى الذّكر أكثر من الأنثى لأنّه هو المطالَب بالإنفاق وبذل الأعباء المالية؛ فالمرأة في النظام الإسلاميّ الأصلُ فيها أن تعفى من الكسب والنفقة؛ فهي لا تطالَب بالنفقة على زوجها ولا على أبنائها ولا على والديها الفقيرين، ولا تكلّف ببذل المهر لزوجها، بل لا تطالَب بالنّفقة على نفسها مهما ملكت من مال. وهذه الأعباء كلّها تناط بالرّجل، لذلك يكون نصيبه في الميراث ضعف نصيب الأنثى من نفس الدّرجة.. فإذا تغيّر الزّمان وأخرجت المرأة من بيتها لتخوض غمار الكسب وتتخلّى عن وظيفتها الأساسية في الحياة، فليس النّظام الإسلاميّ هو المسؤول عن هذا الوضع، والحلّ لا يكون في مراجعة أحكام الميراث مراعاة للنّظام الجديد، إنّما في مراجعة هذا النظام الذي جعل عمل المرأة يتحوّل من استثناء إلى أصل!
شنشنة العلمانيين حول ظلم المرأة في نظام الإرث الإسلاميّ شنشنة تدلّ على جهلهم وحيفهم في إصدار الأحكام، وكلّ من درس الميراث في الشريعة الإسلاميّة يجد أنّ الأنثى ترث نصف الذكر في نسبة لا تتعدّى ثلث الحالات الممكنة، وترث مثل الذّكر أو أكثر منه في ثلثي الحالات الواقعية، وفي كثير من الحالات ترث الأنثى وحدها ولا يرث نظيرها من الرجال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!