الرأي

نقاش حول العنف في عهد الرشوة

عابد شارف
  • 3336
  • 3

لما انتشرت الرشوة، قررت الجزائر أن تناقش ظاهرة العنف ضد الأطفال، مثلما قرر الوزير الأول عبد المالك سلال أن يزور مدينة بشار لما انتفضت ورقلة.هناك من يقول العنف جاء نتيجة لعنف العهد الاستعماري، أو ردا لعنف السلطة، أو للعنف السائد في المجتمع.

دخلت الجزائر منذ أيام مرحلة لا مثيل لها من النقاش السياسي والاجتماعي. ورغم محاولة السلطة الهادفة إلى التحكم في وسائل الإعلام وفي مجالات النقاش، إلا أن المجتمع استطاع أن يفرض تبادلا حرا للأفكار حول بعض القضايا الأساسية التي فرضتها الظروف. ورغم أن هذا النقاش لم يؤد لحد الساعة إلى أجوبة وحلول جديدة، إلا أنه فتح الباب لبروز آراء مختلفة كما عرف إقبالا كبيرا سواء في الصحافة أو في شبكة الأنترنيت التي أصبحت تلعب دورا مميزا في التبادل الفكري.

وقد فرضت الظروف المأساوية، بعد اغتيال الأطفال في قسنطينة ثم في سبدو، قرب تلمسان، فرضت موضوعا صعبا للنقاش، وهو الحكم بالإعدام: هل يجب العودة إلى تطبيق الحكم بالإعدام بعد أن امتنعت الجزائر عن ذلك لمدة عقدين تقريبا؟ هل يجب العودة إلى هذه العقوبة التي أصبحت محل جدال دائم بسبب ما تحمله من شكوك وفعالية؟ أم هل يجب استعمالها لأن الكثير من الناس يعتبرونها وسيلة شرعية ومثالية لمعاقبة المجرم؟ وهناك من قال أنه من الضروري العودة إليها في بعض الحالات فقط، مثل الاعتداء الجنسي وقتل الأطفال، بينما ينادي آخرون إلى استعمالها في مرحلة انتقالية للقضاء على بعض الظواهر. وتدخل وزير الشؤون الدينية نفسه، دون أن نعرف هل أنه يتكلم باسمه الخاص أو باسم الحكومة، ليقول أنه يفضل تطبيق القصاص.

وبموازاة مع هذه القضية، برز نقاش آخر حول العنف ضد الأطفال. وقال البعض أن هذه الظاهرة كانت موجودة في المجتمع الجزائري، وأنها كانت غير معروفة لأن الإعلام لم يكن حرا ولأن الأنترنيت لم يكن موجودا، فكان من الممكن السكوت عنها بخليط من الممنوعات والحشمة والرغبة في تجنب “التبهديلة”. وعكس ذلك، قال آخرون أن هذه الظواهر جديدة، وأنها “غريبة عن قيمنا وتقاليدنا”، وأنها برزت في السنوات الأخيرة، ولذلك نجد أن المجتمع لا يعرف كيف يتعامل معها.

وتابعنا نقاشا حادا في شبكة الأنترنيت، بين من يقول أن العنف موجود فينا، ومن يقول أنه جاء نتيجة لعنف العهد الاستعماري، أو ردا لعنف السلطة، أو للعنف السائد في المجتمع. وهناك كذلك من يقول أن العنف جاء نتيجة للتقلبات الاجتماعية، حيث أن القيم التقليدية تقهقرت دون أن تظهر قيم جديدة عصرية مبنية على المواطنة والتحضر واحترام الآخرين. وحاول آخرون تسييس القضية، فقال البعض أن العنف جاء نتيجة لضعف الدولة التي أصبحت عاجزة عن فرض سلطتها، وقال آخرون أنه جاء نتيجة للانحلال الأخلاقي ومحاولة تقليد الغرب الإباحي الذي لا يعرف الممنوعات.

ولما وصل هذا النقاش ذروته، ظهر موضوع آخر، متعلق باحتجاج البطالين في الجنوب. وقال طرف أنه لا يوجد مشكل في الجنوب، وأن هناك فقط “شرذمة” تحاول زرع الفتنة وتقسيم الصفوف، وأن هذه المجموعة تحركها دون شك أيادي خارجية لضرب وحدة البلاد. وأكد المحللون الناطقون باسم السلطة أن سكان الجنوب أكثر وطنية من أهل الشمال، وأنه لا يمكن زرع الفتنة عن طريقهم. لكن لما انقلبت الأوضاع، واستطاع المحتجون أن ينظموا تجمعا قويا ساده الانضباط والنضج السياسي، عادت نفس الأطراف لتزكي العملية الاحتجاجية، وحتى التلفزيون الجزائري استعاد الوعي وأكد أن المحتجين كانوا على صواب، وأنهم عبروا عن مطالبهم المشروعة بهدوء وانتظام، وقال الوزير الأول نفسه أن مطالب هؤلاء مشروعة، ومن حقهم أن يحتجوا بهذه الطريقة المتحضرة.

ومباشرة بعد ذلك، تطور النقاش حول طرق وفوائد الاحتجاج: هل يجب التمسك بالوسائل السلمية واحترام الطرق الشرعية لتنظيم عمليات الاحتجاج، رغم أن السلطة لا تتجاوب إلا مع من يحتل الشارع ويفرض وجوده بالقوة؟ أم هل يجب العمل لفرض ميزان قوى جديد، مع العلم أن السلطة تكسب المال والإدارة والبوليس والأحزاب الصديقة والشقيقة والنقابات العميلة؟ وكيف العمل ليظهر قادة جدد من أمثال طاهر بلعباس وعبدالقادر خربة ويزيد ياسين من الشباب الذين تمكنوا من فرض أساليب وأسماء جديدة للاحتجاج؟

كل هذه القضايا أصبحت اليوم محل نقاش واسع تفتخر به البلاد، مع العلم إلى أن النقاش يشكل أسمى طريقة للاختلاف وأحسن سبيل لحل المشاكل. ولم يبق إلا أن نناقش قضية أخيرة: كيف تمكنت هذه القضايا أن تغطي قضية تشكيب المؤسسات الجزائرية؟

مقالات ذات صلة