-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نوّر حياتك بالقرآن

سلطان بركاني
  • 509
  • 0
نوّر حياتك بالقرآن

يروى في الآثار أنّ صحابيّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- لما نزل المدائن في عهد الخلافة الراشدة، وسمع النّاسُ بأنّ واحدا من الصّحابة قد حلّ بديارهم، جعلوا يجتمعون حوله حتّى كانوا نحوا من ألف. فافتتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا ينصرفون الواحد تلو الآخر، حتّى لم يبق معه إلا نحو من مائة، فغضب وقال: آ الزّخرف من القول أردتم، ثمّ لمّا قرأت كتاب الله عليكم ذهبتم؟!

حالُ أهل المدائن مع سلمان الفارسيّ، أصبحت واقعا لكثير من المسلمين في هذا الزّمان، مع كتاب الله؛ حيث ترهف أسماعهم وتخشع قلوبهم وتسكن جوارحهم عند سماع قصص الغرائب والعجائب ومتابعة مقاطع الإثارة والتشويق على مواقع التواصل. لكنّهم يصمّون آذانهم ويصرفون أبصارهم ويلوون أعناقهم إذا سمعوا آيات الله تتلى أو تفسّر.

هذا واقعنا مع كلّ أسف، في زمن الهواتف الذكية ومواقع التواصل، حتى أصبح الواحد منّا يقضي ساعات طوال وهو يقلّب الصّفحات ويقرأ المنشورات والتعليقات، ويتابع مقاطع الريلز ويتصفح ما استجدّ عنده من الرّسائل، من دون كلل أو ملل، بل مع نشاط لا يخبو وعزم لا يكلّ.. لكنّه إذا مرّ على صفحة هاتفه بمقطع يتضمّن تلاوة عطرة أو تفسيرا لآيات من كتاب الله، فإنّه يسرع بتجاوزه.. وهكذا إذا جلس أمام داعية أو إمام مسجد فوجده ينتقل من قصّة إلى أخرى، ومن واقعة غريبة إلى أختها، فإنّه ينصت بكلّ اهتمام ولا يكاد يلتفت عن وجه المدرّس.. لكنّه لو وجد الداعية أو الإمام يتلو آيات من كتاب الله ويبيّن معانيها الظّاهرة والخفية، فإنّه سرعان ما يشعر بالملل وينصرف بسمعه وقلبه إن لم ينصرف ببدنه.

هذه الحال تدلّ على قسوة قلوبنا وغفلة أرواحنا.. بل ربّما تدلّ على أنّ أقفالا قد وضعت على قلوبنا: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))، بسبب ذنوبنا المتراكمة التي كنّا نؤجّل التوبة منها.. وهذه الحال ينبغي لكلّ من آل إليها قلبه أن ينتبه قبل فوات الأوان، ويجعل ضمن أولى أولوياته أن يحيي قلبه بالقرآن، ويبدّد ظلمات القسوة عنه بآيات الرّحمن.

ربّما يصوّر الشّيطان الطّريق لأحدنا على أنّه طويل وشاقّ، لكنّه في حقيقة الأمر مذلّل لمن استعان بالله، وصدق مع الله في طلب الهداية والحياة بالقرآن.. إنّنا نعيش أياما هي أنسب الأيام للبدء في رحلة علاج القلب والرّوح بالقرآن، أنفع وأنجع دواء عرفته البشرية لعلاج القلوب والأرواح: ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين))، شفاء ليس لأمراض السّحر والعين والمسّ فقط كما يظنّ كثير من المسلمين، لكنّه شفاء لأمراض القلوب والأرواح.

قد يجد العبد في بداية العلاج ثقلا في روحه وقسوة في قلبه، بل ويفاجأ بنفسه تحاول الشّرود والفرار، لكن مع الإصرار والمواظبة، يبدأ التغيير شيئا فشيئا بإذن الله، حتى يصل العبد إلى حال لا ترتاح فيها نفسه ولا يطمئنّ قلبه إلا إذا قرأ أو سمع كلام الله. وهذه الحال ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يجعلها ضمن أهدافه، فلا يرحل عن هذه الدّنيا، إلا وقد أصبح القرآن الكريم ربيع قلبه ونور بصره، وعلى الطّريق ينبغي للعبد أن يكثر من ترديد هذا الدّعاء: “اللهم إنّي عبدك ابن عبدك ابن أمتك. ناصيتي بيدك. ماض في حكمك. عدل في قضاؤك. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!