الرأي

هذه هي أهداف الوزيرة بن غبريط من حذف البسملة!

عبد القادر فضيل
  • 9638
  • 48

إن إقدام وزيرة التربية على حذف البسملة من الكتب الموجهة إلى أطفال المدرسة، عمل لأكثر من هدف، فمن الأهداف التي نستخلصها من اهتمامات الوزيرة ومن أفكارها.. أنها تسعى إلى رسم خطة هادفة لإحداث التغيير الذي تنشده وتوجه به وجهة التعليم، وتحوّله من نظام وطني مرتبط باهتمامات المجتمع وبقيمه، إلى نظام يقترب من نظام المدرسة الفرنسية التي تخلينا عنه منذ بداية الاستقلال، نظام يجمع بين عناصر مقتبسة من نظم أخرى، لا ترتبط بمحيط القيم والعادات والاتجاهات الفكرية السياسية المميزة لخصائص النظام الوطني الذي تعيشه البلاد، التي درج عليها المجتمع منذ أن حدّد هويته الثقافية وترسّخ الاهتمام بما في شعور أفراده.

إن ما يستهدفه هذا التغيير الذي جعل حذف البسملة أحد أوجهه هو تجريد المدرسة من الصفات التي تبقيها مرتبطة بمحيطها الديني والحضاري وسائرة في الاتجاه الذي ميز شخصيتها منذ أن أصبحت البلاد تسير أمورها بنفسها أي منذ استرجاع السيادة، ومما يقصد من هذا الإجراء هو مراجعة المضامين التي يعالجها الكتاب وتوجهها بما يجعل غاية الكتاب هي تزويد المتعلم بالحقائق المعرفية والتقليل من الاستعمالات التي لا تركز على المعرفة، والتعامل مع البسملة يدخل في هذا الاتجاه، لأن ما يتعلق بالدين له كتب خاصة ونشاط خاص وبرامج مهيأة لهذا الغرض، ويبدو أن هذا ما تقصده الوزيرة من الاستغناء عن وجود البسملة في الكتاب، ولكن الخطأ الذي ارتكبته الوزيرة في هذا الطرح هو أن الغاية المعرفية التي تقصد من الغاية لمضمون الكتاب لا يضيق عليها وجود البسملة في الكتاب ولا ينقص إضافتها من اهتمام المتعلم بالجانب المعرفي. كان المفروض أن يتجه اهتمام الوزيرة إلى معالجة ما يعانيه النظام من مشكلات وهي كثيرة مثل الاكتظاظ، ونقص المعلمين ومعالجة مشكلة تكوينهم وغير ذلك من المشكلات المتعلقة بتصحيح نصوص الكتب الجديدة.

إن معالجة هذه الأمور هي الجانب المستعجل وهو أهم من التفكير في البسملة أو في الجزئيات التي لا يفيد النقاش بشأنها. وما يجب ذكره في التعليق على هذا الموضوع هو أن حذف البسملة لم يجد له سببا يدعو إليه، والمشكلة التي تبحث عن هذا الإجراء هي أن الحذف مس شخصية البلاد ومس منبتها والاتجاهات التي تسير عليها، إن مناقشة هذا الموضوع تنقص في قيمة نظامنا التعليمي، ومن جهتنا الثقافية وتجعل وجهتنا الدينية في الميزان. فالذين يعلقون على هذا الموضوع يستغربون النظرة التي ينظر بها نظامنا إلى مكانة البسملة في تقديرنا وفي كتبنا.

لم نكن نتوقع أن المسؤول عن قطاع التربية هو من تولى الدعوة إلى تجريد الكتب الموجهة إلى الأطفال من البسملة، ولذا لا نستغرب حين نسمع كلاما جارحا يقلل من الشخصية التي تتمتع بها الجزائر ومن ارتباطها بالقيم التي درج عليها المجتمع الإسلامي.

وهذا ما جعلنا نرفض التعاليق التي تقلل من شأن أمتنا، لا نريد من المعلقين أن يشكوا في حقيقة أمتنا، ويستخفوا بالنظام المسير للتعليم، لأن هذه التعاليق أصبحت أمرا مقلقا، لأنها تبالغ في الحط من قيمة سياسة البلاد الثقافية فقد سمعت الدكتور الحامدي مدير قناة المستقلة وهو يعلق على ما وقع باندهاش وبامتعاض، وظهر امتعاضه على ملامحه وعلى نغمة تعابيره مما دفع بعض من اتصلوا به من الجزائريين إلى أنه أبكاهم وأثر فيهم، لقد تحدث بإسهاب عن هذا الحدث واستعرض الوزيرة وهي تتحدث الفرنسية وتقدم تبريرات وهذا ما زاده استغرابا فهي جزائرية مسؤولة وتحدث أبناء أمتها باللغة الأجنبية وقدم اعتذاره إلى العرب الذين يتابعون القناة وذكر لهم أن هذا ما تعانيه الجزائر في هذه السنوات. وكرر استغرابه من هذا الذي يقع في الجزائر التي جاهدت وخلصت بلادها من هيمنة العدو، واليوم تواجه مخلفات العهد البائد، وقال: هذه هي الجزائر التي نعرف مكانتها، ومن أجل ذلك استغرب ما يقع في عهد الرئيس بوتفليقة الذي نكن له كل تقدير واحترام إننا نعرف وجهته الحضارية والدينية، فهو في هذه السنوات يشرف على تأسيس أكبر مسجد في إفرايقيا، فاهتماماته الفكرية والسياسية تضع البلاد في مكانة عالية، لذا نحن نتألم من هذا الذي حدث وما قامت به الوزيرة مس مكانة البلد، وجعل الرئيس في حرج من الأمر، هل يسكت ويترك الأمور للظروف أم يتحرك ويصحح هذا الخطأ، ويضع كل مسؤول في مكانه، ويسكت المعلقين ومهما يكن فإن الذي حدث لم يكن ليحدث لو كان وراء الوزارة هيئة عليا تستند إليها وتهتدي بآرائها وأبحاثها، هيئة يرجع إليها النظر في تحليل المسائل التربوية، وهي الهيئة التي ننتظر تشكيلها لأنه لا يجوز أن يكون قطاع التربية من دون هيئة تشده.

ما نخشاه هو أن يكون للوزيرة أهداف أخرى غير التي ذكرت. إننا نخشى أن تتجرأ وتفرض أمورا أخرى تتعلق بالدعوة إلى حذف الحمد لله التي علينا أن ننشئ أبناءنا على استعمالها في بداية الأكل ونهاية العمل وعند استحضار النعم الإلهية التي وهبها الله لنا، كما نخشى أن تتطاول وتطالب بعدم الاستشهاد بالآيات القرآنية في النصوص المكتوبة عندما ترد مسائل علمية في النص العلمي، وقد يذهب بها الفضول وتقترح الاستغناء عن كتابة عبارة رضي الله عنه أو عنهم، عند ذكر أسماء الصحابة والخلفاء والعلماء الصالحين، وما نستغربه في هذه المسألة هو أن الذين يهمهم الأمر لم نسمع رأيهم، إذا استثنينا شخصين، رئيس جمعية العلماء الذي أثار الموضوع وأعلن عن موقفه في الصحافة وفي لقاءات الجمعية، والشخص الثاني من المسؤولين في الدولة هو رئيس المجلس الإسلامي الأعلى هو المسؤول الوحيد في الدولة الذي نبه إلى الخطإ وعلق مشكورا عليه ولكن التعليق الذي أورده لم يكن بالصورة التي نريدها كان المطلوب أن يشجب الفكرة بوضوح، ولا يتلطف في طرحها، وينظر إليها على أنها أمر يمكن تداركه دون إشكال، وما نرجوه من السيد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أن يكون له موقف أكثر تركيزا كما عهدناه في تناول المسائل التربوية، وهذه المسألة لها صلة بالدين والتاريخ والثقافة والاتجاه الذي يسير عليه المجتمع الإسلامي.

أما وزير الثقافة الذي استمعنا إليه وهو يتكلم عن الكتاب في معرض الكتب المدرسية ولم يشر إلى حذف البسملة هل كان موضوعا لا يندمج ضمن اهتمامه أم رآه موضوعا خاصا برجال التربية ولكنه مع ذلك علق على الجهد الذي تبذله الوزارة وأثنى عليه وأشار إلى الأخطاء في الكتاب ورأى ذلك أمرا عاديا لأنه قد يطال طبع المصاحف القرآنية كذلك.. هذه الملاحظات لا تعفيه من التعليق على حذف البسملة.

والمسؤول الذي مازلنا ننتظر موقفه من حذف البسملة هو وزير الشؤون الدينية لأن الموضوع له صلة مباشرة بنشاط الوزارة وباهتماماتها الدينية.

نعود إلى المشكلة التي أثارها المعلقون بخصوص البسملة، وحين تتبع الأحوال التي قرأناها أو سمعناها نجد المعلقين نوعين: نوعا مدركا لقضايا التعليم ومهتما بحقيقة ما يجري في الميدان وله رأي في الموضوع، حتى ولو كان رأيه غير منسجم مع الحقيقة، ونوعا آخر ليس له إلمام بحقائق التعليم، ولا يدرك خصائصه، من هذا النوع السيدة مديرة جريدة الفجر التي ترى أن حذف البسملة لا يستوجب النقاش، فقد قرأنا ما كتبت تحت عنوان “حتى وإن ألغيت البسملة) وجدنا في كلامها استخفافا بالموضوع من خلال العنوان الذي طرحته وتكلمت كلاما لا يجوز إسناده إلى إنسان عاقل مستوعب حقيقة الموضوع، فهي ترى أن الموضوع لا يحتاج إلى نقاش وتساءلت مستغربة: أين هي المشكلة إذا ما تم حذف البسملة، وماذا سيتغير في المحيط التعليمي، وبعد استغرابها للنقاش الجاري جاءت بمثال تاريخي هو ما جرى في صلح الحديبية من نقاش حول البسملة التي طالب وفد قريش بحذفها وحذفت.

أرادت من ذكر هذا الحط من قيمة المناقشة، وركزت في تحليل المثال على موافقة الرسول على حذف البسملة وتعويضها بالعبارة التي اشترطها وفد قريش، المهم أن الرسول قبل حذف البسملة حين تصلبت قريش في موقفها وطالب أصحابه بأن يحذفوها رغم أنهم لم يوافقوا حرصا على إنجاز المعاهدة، هل هذا المثال في صالح حذف البسملة من الكتب المدرسية، ثم ماذا سيفيد ذكر هذه الواقعة التاريخية (بين الكفار والمسلمين).

إن في هذا المثال إساءة إلى الكاتبة، وإلى فهمها لأحداث التاريخ، وإساءتها أيضا إلى الوزيرة وإلى موقفها والمقال يجعلها في موقف المتصلب الذي وقفة كفار قريش، ويجعل الرافضين لحذف البسملة والمطالبين بعدم حذفها في موقف الصحابة أو موقف الرسول وأصحابه، وليس في هذا المثال ما يبرر حذف البسملة من الكتب المدرسية وهو الموضوع المثار في هذه الأيام.

أما ما يتعلق بالنوع الأول من المعلقين وهم العاملون في ميدان التربية، فإننا نذكر منهم نماذج من أمثال المفتشين الممارسين الذين نجد مواقفهم مساندة لما يجري في الوزارة حتى ولو كانوا غير مقتنعين، لذلك تراهم يذكرون في أقوالهم ما يساير النهج الذي تتبعه الوزارة، ويشيدون بكل ما يصدر عنها من قرارات وأعمال، ويرفضون الانتقادات التي توجه إلى هذه القرارات والأعمال ورغم أنهم ليسوا معها في قرارات أنفسهم إلا أنهم لا يكشفون عن الحقيقة في مناقشاتهم بل يغطونها أو يقدمون تفسيرا مضللا يبعد الناس عن فهمها – والنماذج التي تعلق على مناقشاتها ومواقفها عديدة.

السيد علي دعاس الذي استمعنا إليه في قناة البلاد، والسيدان أعراب وضيف الله استمعنا إليهما في قناة الجزائريين. ويبدأ بالحديث عن العنصر الأول فالسيد دعاس استمعنا إليه وهو يرد على ما يجري الحديث عنه وهو حذف البسملة من الكتب المدرسية. سأله المنشط سؤالا محددا هو: سمعنا أن الوزيرة وجهت تعليمة تطالب فيها بعدم كتابة البسملة في الكتاب وسمعنا معلومة أخرى تذكر أن الوزيرة تلقي المسؤولية على الناشرين في مسألة الحذف. ما هي الحقيقة؟ نريد أن نسمعها منك.

تلكأ في البداية في الإجابة، أحسست كأنه كان لا يريد أن يدخل المناقشة في هذا المجال ولكنه بعد ذلك فتح كتاب السنة الأولى المطبوع في السنة الماضية وأخذ يشرح ما فيه، وركز على أن البسملة في الكتاب مشروحة ومفصلة فكيف نقول إنها محذوفة، ولكن السؤال وجه بغرض معرفة الواقع في الكتب الجديدة، وهو لم يعرض هذه الكتب، ولم يتحدث عنها باستثناء كتاب التربية الإسلامية الذي هو غير معني بالحذف، ذكر مثالا واحدا هو كتاب الرياضيات الذي ألفه صديقه وهذا الكتاب تعمد فيه المؤلف حذف البسملة بناء على حرصه على حماية “اسم الجلالة” (الله) مما قد يتعرض له الكتاب من تمزيق أو رمي في سلة المهملات (تعليل واه وغير مؤسس) أما الكتب الأخرى فلم يذكرها وهي خالية من البسملة ويبدو من النقاش أن السيد دعاس ليس من الموافقين على حذف البسملة، ولكنه لم يبد هذا الموقف.

والخطأ الذي يجب أن أنبه إليه هو أن بعض المعلقين يرون أن وجود البسملة أو عدم وجودها في الكتب لا يغير الأمر شيئا، وهم بهذا الرأي لا يعيشون الحقائق التي تطلب من المسلم أن يعيها ويعيشها، لذا نطلب منهم أن يرجعوا إلى التاريخ الإسلامي ويتبعوا الأحداث التي عرفتها الدعوة الإسلامية وعاشها المسلمون في بداية الدعوة، فالدارس لهذه المرحلة والمحلل للأحداث التي شخصت معاني الدعوة يستظهر اللحظة التاريخية التي ظهر فيها مضمون فكرة البسملة وتبناها المؤمنون بهذه الدعوة بعد ذلك، وهذه اللحظة هي بداية نزول الوحي في الآية الأولى التي وجه فيها الأمر إلى النبي (ص) ليقوم بقراءة الكون وتأمل ما في الحياة ليجعل منه منطلقا لتبليغ الدعوة إلى الناس كافة أي قراءة ما في الكون وما أوجد الخالق في هذا الكون هو نقطة البداية في تاريخ الدعوة فعبارة اقرأ باسم ربك التي كانت فاتحة هذه الدعوة هي التي تضمنت الاستعانة بالله أي اقرأ باسم خالقك وهو الرحمان الرحيم أي تدبر حقيقة هذا الكون مستعينا بالله شاعرا بوجوده وبعظمته مستحضرا نعمه التي وهبها الله للإنسان، وهكذا ظهرت الفكرة الموجبة بالبسملة التي تجعل الإنسان يستحضرها في اللحظات المختلفة.

وبعد هذا الحدث التاريخي امتزج وجودها مع القيم الحياتية التي يعيشها المسلمون. والمتتبع للتاريخ يجد أن الرسائل التي كان يكتبها النبي (ص) إلى من يكاتبهم، وإلى من يدعوهم إلى الإسلام يفتتحها بالبسملة، وكذلك رسائل الخلفاء والأمراء والعلماء، وتوالى الاهتمام بها واعتمادها في كل وثيقة ذات اهتمام، أو كل محضر أو كتاب، وعند استعراض ما عاشته الحياة المعرفية نجد أن ما كان يشتهر عليه العلماء والمفكرون يشكل عملا ثقافيا لا تخلو منه البسملة، فالبسملة كما رأينا هي جزء من القرآن، “وأنه باسم الله الرحمان الرحيم” سورة النمل.. ولها مكانة في الحياة الثقافية حددها الحديث الشريف: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر أو أقطع”.

والذين يحاولون إبعاد البسملة عن الكتب المدرسية هم أناس بعيدون عن الحقيقة التي تعيش في وجدان كل مسلم، وبعيدون عن القيم التي يعيشها مجتمعهم نطلب لهم الهداية، والإنسان المسلم مرتبط بالبسملة عندما يبدأ سيره ونشاطه وأكله وخطابه فهو يفتتح بالبسملة تلك اللحظة التي يكون فيها مستحضرا علاقته بخالقه.

وأختم التعليق على موضوع البسملة بذكر الموقف الذي وقفه السيد الوزير الأول حين علق على الموضوع في جلسة البرلمان، وتفّه تعاليق المنتقدين وآراءهم، ولكن رده وتعليقه كان خاطئا ومضللا للسامعين فيما قاله، فحذف البسملة الذي يتكلم عنه الناس– لم يكن نتيجة خطإ مطبعي كما يراه أو يقول، فنحن نستغرب هذه الإجابة التي تأتي من مسؤول كبير ومثقف، ويعرف أن الخطأ المطبعي يحدث في كتابة كلمة أو نسيانها، ولا يكون سببا في حذف نص كامل بجميع عناصره وفي كل الكتب التي نشرت هذه السنة، فهل الخطأ المطبعي يتجه إلى حذف البسملة من الكتب..

إن ما حدث ليس خطأ مطبعيا ولا خطأ إملائيا، إنما هو إجراء مقصود والغرض منه هو تجريد المدرسة من العبارات التي تحمل القيم الداعمة لمقومات وجهة المدرسة الدينية وإبعادها عن اهتمامات المجتمع، ولكن هنا ننبه إلى أن الانتقاد الموجه إلى الموضوع ليس بهدف مس عقيدة الوزيرة أو جزائريتها، إنما الغرض منه تصحيح الخطإ وتنبيه المسؤولين إلى وجوب احترام القيم التي هي قيم المجتمع التي لا يقبل أن تمس، لأن القبول بعدم احترامها يؤدي إلى تغيير وجهة المدرسة التي حددتها مبادئ سيادتنا وقيم ثورتنا.

نرجو من السيد الوزير الأول أن يراجع موقفه حتى تتبين له الحقيقة. وألا يحمل المنتقدين خطأ لم يرتكبوه.

مقالات ذات صلة