-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تستقي تصريحات ذوي الضحايا

هكذا التهمت البئر ثمانية أقارب بسطيف

سمير مخربش
  • 2081
  • 0
هكذا التهمت البئر ثمانية أقارب بسطيف
ح.م

عاشت الأربعاء بلدية معاوية بولاية سطيف، مُخلفات المأساة التي أودت بحياة 8 أشخاص من عائلة واحدة، والذين قضوا نحبهم في بئر التهمت رجالا بسبب خطأ بسيط كانت له عواقب وخيمة.
رحلتنا إلى بلدية معاوية الواقعة شمال شرقي ولاية سطيف، كانت تحت شمس حارقة، ولما أدركناها كانت ملامح الحزن تبدو على سكان المنطقة التي تبدو في منصف النهار خاوية على عروشها، فلا تكاد تجد إلا مقهى ومحلا لبيع المواد الغذائية مع حركة شبه مشلولة.

وما وقفنا عليه خلال حديثنا مع أحد المواطنين ببلدية معاوية تعاني من أزمة مياه سواء الصالحة للشرب أو تلك التي تستعمل للسقي الفلاحي، ومن يملك بئرا بها ماء كأنما ملك الخير الكثير، لأن جوف الأرض هنا لا يتنفس إلا التراب، هذا ما أكده لنا سليمان الذي عرف أننا جئنا من أجل متابعة الكارثة التي حلت بالمنطقة.
وبعد حديثنا القصير، أرشدنا إلى قرية لعمارة التي تقطنها عائلة بونمرة التي عرفت بنشاطها الفلاحي الذي يبدو من خلال الأراضي الجدباء نشاطا محتشما، فالأرض هنا تشكو العطش، والتحدي قائم من اجل إنتاج بعض أنواع الخضر كالخس والشمندر والجزر وغيرها من الخضر. وهو حال عائلة بونمرة التي اقتربنا من منزلها الذي تجمع عنده الأهالي والمعزون الذين جاءوا من مختلف المناطق.

ووجهنا أحدهم إلى عم الأبناء الضحايا وهو شيخ في الستين كانت تبدو عليه ملامح الحزن والحيرة، وبمجرد أن سلمنا عليه، رد السلام بصعوبة وبدا غير قادر على الحديث، وظل يردد قدّر الله ما شاء فعل.
بعدها راح محدثنا يروي القصة الأليمة التي هلك فيها شقيقه وأبناؤه وصهره، وبلهجة محلية يقول “كارثة وخلاص نزلوا لتنظيف البئر وفي كل مرة يحاول أحدهم إنقاذ الآخر يلقى نفس المصير، لقد اختنقوا جميعا وفارقوا الحياة داخل البئر. ربي يرحمهم هذا ما يمكننا أن نقول”.

العم فضل السكوت بعد هذه العبارة وانشغل باستقبال التعازي من الوافدين، بينما وصلتنا أصوات بكاء النسوة المنبعثة من داخل المنزل، لقد كان المشهد محزنا للغاية والحسرة ظاهرة على وجوه الحضور.
بعد لحظات اقتربنا من العم الأصغر الذي كان شارد الذهن، واكتفى بمد خديه للمعزين دون الرد عليهم، وأخبارنا أحد القريبين منه أن ابنته نقلت هي الأخرى الى المستشفى بعد ما سمعت بالخبر، حيث أصيبت بصدمة وأغمي عليها وهي الآن تخضع للعلاج بمستشفى بني عزيز.
أنور، عادل، أمين، يوسف وآخرون من عائلة بونمرة شاءت الأقدار أن يكون لهم آخر نفس في بئر ملعونة وبهذه القرية التي تكاد تنبعث منها رائحة الموت من كل زاوية، وفي يوم مشؤوم لن ينساه سكان المنطقة. ونحن نتابع الوضع عن قرب، اجتهد بعض الشباب في إحضار التوابيت فكانت توضع تباعا مثلما توفي الضحايا تباعا، لقد طافوا على كل المساجد ولم يوفوا العدد، واضطر بعضهم إلى التنقل إلى بلدية بني عزيز أين استعاروا تابوتين ليكتمل العدد وتنزل بذلك 8 توابيت وضعت في الساحة المحاذية للمنزل، كما قام الجيران والأقارب بإحضار الأغطية للف الجثث، وضبط ترتيبات الجنازة التي برمجت بعد صلاة العصر.

ماتوا تباعا!
حديث الناس هنا يقتصر على طريقة الوفاة والعدد المفزع للضحايا، حيث يقول أحدهم أنهم لم يموتوا دفعة واحدة، بل كان كل واحد يريد أن ينقذ الآخر وبدون شعور أو تفكير ينزل مباشرة إلى قاع البئر من دون تقدير خطورة الوضع. بينما يقول آخر ما كان ينبغي تشغيل المضخة داخل البئر، لأن المحرك المستعمل عادة يخنق أي شخص ينزل إلى البئر، والفلاحون يعرفون هذا جيدا، خاصة عندما تكون البئر ضيقة، فالعادة عند العارفين بحفر الآبار وتنظيفها إذا كانت البئر مغلقة تفتح قبل يوم أو يومين حتى يتغير بها الهواء، ثم يكون النزول، لأن الأوكسجين في بطن الأرض ينقص والحرارة ترتفع والنازل يجد صعوبة في التنفس، فما بالك إذا كان هناك محركا تنبعث منه الغازات السامة. ويضيف آخر من المفروض أن الجهات المعنية تحسس الناس وتشعرهم بخطورة هذه العملية وترشدهم إلى الترتيبات التي ينبغي اتخاذها عند تنظيف الآبار.
هي أحاديث متنوعة عن المأساة وكل واحد يدلي بدلوه، بينما الدلو المشترك يحوم حول مقولة قدر الله ما شاء فعل. لا نملك لهم سوى الدعاء لهم بالرحمة، لأن الكارثة وقعت والسلام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!