-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قاضي القطب الاقتصادي والمالي يواجه المتهمين، ويكشف المستور:

هكذا ضاعت الملايير في إنجاز “محطة الطيران” بقسنطينة

نوارة باشوش
  • 7969
  • 0
هكذا ضاعت الملايير في إنجاز “محطة الطيران” بقسنطينة
أرشيف

أماط قاضي الفرع الثالث للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، الأربعاء، اللثام عن الملايير التي بدّدت في إنجاز مشروع واحد فقط، يتعلق بالمحطة الجوية الجديدة لمطار محمد بوضياف بقسنطينة، والتي تجاوزت 300 مليار سنتيم وهي القيمة المالية الكافية لإنجاز آلاف السكنات أو مئات المستشفيات والمدارس.
كما واجه القاضي المتهمين وفي مقدمتهم الوزير الأول السابق نور الدين بدوي، ووزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف، وولاة الجمهورية ومن معهم، بحقيقة تجاوز القيمة الأصلية للمشروع نسبة 615 بالمائة، بسبب الأشغال الإضافية، مع تسجيل تأخر في الإنجاز دام 11 سنة كاملة بدلا من 48 شهرا المتفق عليها في دفتر الشروط، إلى جانب عدم نضج الدراسات المنجزة من طرف مكتب الدراسات “SAU”، عكس مضمون المرسوم رقم 98-227 المعدل والمتمم المتعلق بنفقات الدولة، وكذا عدم تطابق إجراءات تسليم وتنفيذ الصفقات المتعلقة بالتنظيمات الخاصة بقانون الصفقات العمومية مع التعديلات على الدراسة الأولية تعود للمتغير الوحيد عكس ما جاء في دفتر الشروط، إلى جانب تسجيل عدة نقائص في إبرام عقد الدراسة والمتابعة بين مكتب دراسات شركة الهندسة المعمارية والتعمير بقسنطينة، ومؤسسة تسيير مصالح المطارات.
وانطلقت، الاثنين، بالفرع الثالث للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي، محاكمة الوزير الأول السابق نور الدين بدوي ووزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات السابق عبد المالك بوضياف، والواليين السابقين لقسنطينة طاهر سكران ويوسف عبد العزيز، و41 متهما متابعا في ملف الحال.
وبعد قيام القاضي بالمناداة على المتهمين وكذا الشهود، والأطراف المدنية المتأسسة، وبعد التأكد من هوية كل متهم وتذكيره بالتهم الموجهة إليه، فسح المجال لهيئة الدفاع لتقديم دفوعاتها الشكلية.
وفي هذا السياق، التمست هيئة الدفاع عن المتهمين بطلان إجراءات المتابعة الجزائية، وأجمع محاموها على أن الوقائع مسها التقادم باعتبارها أنها تعود إلى سنة 2005، فيما قال النقيب عبد المجيد سيلني، إن “ملف الحال مبني على تقرير للمفتشية العامة للمالية مزوّر، فهو أولا غير مؤرخ وثانيا لم يشر إلى أسماء الخبراء الذين أدوا اليمين، وثالثا لم يدون تاريخ الاستماع إلى المعنيين، مما يؤكد بطلانه”، ليطالب بتطبيق صحيح للقانون مع استبعاد تقرير المفتشية العامة للمالية.
من جهته، ركز المحامي مراد خادر المتأسس في حق الوزير السابق للصحة عبد المالك بوضياف، على “تقادم” في الوقائع على اعتبار أن موكله تولى منصب والي ولاية قسنطينة من 2005 إلى 2010، وقد وقع على مقررين فقط والتحقيق انطلق في 2022، والقانون واضح في هذا المقام.
وعلى نفس النهج، سار محامي الدفاع عن الوزير الأول السابق نور الدين بدوي، الأستاذ عبد الكريم فداق، الذي التمس هو الآخر بطلان إجراءات المتابعة بسبب تقادم الوقائع وقال إن موكله عندما تولى منصب والي ولاية قسنطينة وقع على مقرر واحد فقط وهو تفعيل عملية إعادة التأهيل.
وبعد فراغ المحامين من تقديم دفوعاتهم الشكلية، شرع قاضي الفرع الثالث للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي في استجواب المتهمين، والبداية كانت مع الوالي السابق لولاية قسنطينة طاهر سكران.

الوالي سكران: السكنات والمدارس والمستشفيات أهم من المطار
القاضي: أنت متابع بجنح استغلال الوظيفة عمدا على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، منح امتيازات غير مبررة للغير مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها، إلى جانب جنحة التبديد العمدي للأموال العمومية، وهي أفعال منصوص ومعاقب عليها في المواد 26 و29 و33 و48 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.. هل تعترف أم تنكر؟
سكران: سيدي الرئيس، أنا توليت منصب والي ولاية قسنطينة في الفترة الممتدة من أوت 2002 إلى أوت 2005.. وقبل تحويل مشروع إنجاز المحطة الجوية لقسنطينة إلى الولاية، كانت الدراسات قد أنجرت من طرف مكتب “SAU”، كما أن أشغال التهيئة الأرضية كانت قد انطلقت عندما كان المشروع على مستوى مؤسسة تسيير مصالح مطارات قسنطينة.

القاضي: كيف جاء تحويل المشروع من مؤسسة تسيير مصالح مطارات إلى الولاية ومتى تم ذلك؟
سكران: على المستوى المركزي تقرر تحويل المشروع من مؤسسة تسيير مصالح مطارات قسنطينة “EGSA” إلى الولاية، والعملية تم تسجيلها رسميا في 16 فيفري 2003، وأنا فوضت مدير التجهيزات العمومية وهذا الأمر يتم العمل به آليا على مستوى الولاية.
القاضي: من المسؤول عن إجراءات نقل المشروع وما هو غلافه المالي؟
سكران: سيدي الرئيس، المشروع عندما تم منحه لمؤسسة تسيير مصالح مطارات قسنطينة “EGSA” وانتقل إلى الولاية، كانت قيمته المالية تقدر بـ441 مليون دينار وهذا في فيفري 2002.
القاضي: من الأعباء التي تقع عليك حسب تقرير المفتشية العامة للمالية، هو تسجيل تأخر في إنجاز المشروع وأنت باعتبارك أول وال أشرف عليه، بماذا تفسر ذلك؟
سكران: سيدي الرئيس، أولا وقبل كل شيء، فإن المشروع عندما تم تحويله من مؤسسة تسيير مصالح مطارات قسنطينة إلى الولاية لم ينطلق بعد، وآنذاك هناك برنامج لزيارة رئيس الجمهورية إلى الولاية وبالضبط في 16 أفريل، ولا يخفى على أحد أن ولاية قسنطينة مدينة العلم والعلماء، كانت مدينة منكوبة وليست ولاية عادية، نصفها كان فيه انزلاقات ونصفها الآخر بيوت قصديرية، وفي ذلك الوقت بالتحديد تذكرت عبارات وزير الداخلية الذي قال بالحرف الواحد “عليكم بالتحدي”.. فسكان قسنطينة كانوا يحتجون على الماء والكهرباء والغاز والسكن، وكان عندنا مشروع المدينة الجديدة علي منجلي، أين كانت تشيد فيه سكنات ومدارس ومستشفى وجامعة، وكنا محاصرين بأزيد من 6 آلاف عائلة كانت تقطن البيوت القصديرية، ناهيك عن المشاكل المسجلة في الأحياء الأخرى.
وتابع المتهم تصريحاته: المطار كان مشروعا عاديا مقارنة بالمشاريع الأخرى، فهو ليس خارج عن العادة، وكانت قسنطينة هي الولاية الوحيدة التي كلفت بإنجار مشروع المحطة الجوية.
القاضي: أنت قلت أنك كوال تتابع جميع المشاريع، لماذا وزارة النقل أنذاك لجأت إلى الولاية، أي بمعنى ما هو هدف تحويل المشروع من تسيير مصالح مطارات إلى الولاية؟
سكران: سيدي الرئيس، في العادي فإن وزارة النقل هي من تابعت جميع مشاريع إنجاز المحطات الجوية على مستوى مختلف الولايات، لكن قسنطينة هي الولاية الوحيدة التي تم منحها إنجاز المحطة الجوية، ونحن أخذنا مثله مثل أي مشروع آخر، فالوالي يقوم بمنح تفويض لكل المديرين وكل يسير الأمور على مستواه وحسب المهام المخولة له، وأنا أشرف فقط على المشروع بصفة عامة، كما أن تركيزي في ذلك الوقت كان على المدينة الجديدة علي منجلي.
القاضي: آنذاك قسنطينة كان عندها مطار، فعندما نتكلم على 44 مليار سنتيم لإنجاز المطار يعني..؟
سكران: المطار لم يكن في المستوى المطلوب سيدي القاضي، كما أنه يوجد مراقب مالي لمتابعة المصاريف.
القاضي: أنت غادرت المشروع، كيف تركت الأمور وما هي نسبة الأشغال وأين وصلت؟
سكران: سيدي الرئيس، أنا تركت المشروع في طور الإنجاز والمراقب المالي ومدير لتجهيزات هما اللذان سيجيبان على أسئلتكم وكذا جميع التفاصيل.
القاضي: آجال المشروع هي 48 شهرا أليس كذلك؟
سكران: نعم هي المدة المقررة، وأنا عندما غادرت الولاية بقيت مدة عام ونصف لانتهاء المهلة المحددة.
القاضي: نسبة الأشغال يمكنك تحديدها باعتبارك أول وال أشرف على المشروع؟
سكران: كما سبق وأن قلت لكم أنني تركت المشروع في طور الإنجاز.
القاضي: من بين الملاحظات التي خرج بها تقرير المفتشية العامة للمالية، هو إضافة جزء كبير من الغلاف المالي من دون تقدم الأشغال؟
سكران: سيدي القاضي، لم أر تقرير المفتشية العامة للمالية ولم أطلع عليه.
القاضي: هل تلقيتم أي تعليمات من أي جهة أو مسؤول لإطلاق الأشغال الإضافية؟
سكران: لا.. خلال فترة تواجدي على رأس الولاية لم أتلق أي تعليمات أو أوامر بخصوص هذه المسألة.
القاضي: وماذا عن الدراسة التي قام بها مكتب “SAU”؟
سكران: مادامت الدراسة صادرة عن مكتب دارسات عمومي، فأين المشكل إن تم الاعتماد عليها في إنجاز المشروع؟.. أنا كنت أشرف على العديد من المشاريع في الولاية وليس فقط المطار فهناك أولويات.
المتهم يعدد المشاريع التي قام بها على مستوى إقليم ولاية قسنطينة، إلا أن القاضي يقاطع حديثه قائلا: نبقى في مشروع إنجاز المحطة الجوية لقسنطينة فقط.
القاضي: حسب أقوالك نفهم أن المطار ليس من الأولويات أم ماذا؟
سكران: لا سيدي القاضي، كل المشاريع ذات أولوية، لكن هناك مشاريع أهم مثل المدارس والسكنات والمستشفيات وغير ذلك.
القاضي: هل تلقيتم أي زيادات في القيمة المالية للمشروع بسبب الأشغال الإضافية؟
سكران: لا.. في فترة تسييري شؤون الولاية لم تكن أي أشغال إضافية.
القاضي: لكن مدير التجهيز صرح أنه تلقى أوامر من عند الوالي طاهر سكران بإنجاز الأشغال الإضافية بماذا تفسر ذلك؟
سكران: لا لم أعط أي تعليمات فنحن نقدم ملاحظات فقط وليس أوامر أو تعليمات.
القاضي: خلال التحقيق صرحت أن نسبة الزيادة في الغلاف المالي للمشروع قدرت بـ 615 بالمائة.. هل استدعي الأمر ذلك فعلا؟
سكران: لا غير صحيح.. سيدي الرئيس كل المشاريع تقييمها يكون إداريا فقط على مستوى وزارة المالية، لكن في الواقع أي من الناحية الميدانية فالأمر مختلف تماما.
وفي هذه الأثناء يتدخل وكيل الجمهورية ويسأل المتهم.
الوكيل: خلال توليك منصب والي ولاية قسنطينة.. هل توقف مشروع إنجاز المحطة الجوية لأسباب مالية؟
سكران: لا سيدي الوكيل.
بوضياف: كانت عندي ورقة طريق لإعادة الاعتبار لولاية قسنطينة
القاضي: أنت متابع بجنح استغلال الوظيفة عمدا، على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، منح امتيازات غير مبررة للغير مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها، إلى جانب جنحة التبديد العمدي للأموال العمومية.. الأفعال المنصوص والمعاقب عليها بالمواد المواد 26 و29 و33 و48 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
بوضياف: سيدي الرئيس، أرفض هذه التهم رفضا قاطعا وقويا وبشدة.. فأنا لم أكن أتصور أنني من كنت دائما ممثلا للمجتمع المدني أجد نفسي اليوم أمثل أمامكم… فأنا أنتمي إلى عائلة محافظة وثورية وميسورة الحال.
وأضاف: سيدي الرئيس، قبل أن أخوض في وقائع الحال أود أن أعطي لكم لمحة وجيزة عن مساري المهني.. فأنا تقلدت عدة مناصب ووظائف عمومية منذ سنة 1998.. فقد تقلدت منصب رئيس دائرة لعدة دوائر، وفي 1996 عينت كوال منتدب لبئر مراد رايس، وفي 2000 تقلدت منصب والي ولاية غرداية، ثم والي ولاية قسنطينة 2005، ثم والي ولاية وهران في 2010، قبل أن أعين كوزير للصحة عام 2015 لأحال على التقاعد في 2019.
وتطرق المتهم إلى مهام الوالي بالتفصيل، وقال بعدها: سيدي الرئيس، عندما عينت على رأس ولاية قسنطينة كانت بحوزتي ورقة الطريق وهي إعادة الاعتبار لهذه الولاية، والأولوية حل مشاكل المواطنين وإيجاد حلول لها مع بعث المشاريع التي تخدم المواطن والولاية على حد السواء.. وفي تلك الفترة بالضبط كلفت بتحضير زيارة رئيس الجمهورية، والوالي مسؤول عنها باعتباره ممثل للدولة على مستوى إقليم الولاية.
وتابع بوضياف: سيدي الرئيس، اليوم أمثل أمامك بتهم لا ناقة لي فيها ولا جمل، فقد تمت متابعتي على أساس أنني ارتكبت أعمالا مخالفة للقانون وأنا أقول لا لسبب بسيط، لأن التحقيقات المختلفة تقول أنني أمضيت على إعادة تقييم هذا المشروع، وأنا أجيب بكل وضوح أن إعادة تقييم هي عملية إدارية داخلية بحتة.. وهذه الأشغال قد يكون الغلاف المالي المرصود لها لا يكفي.
وشرح المتهم تفاصيل مشروع محطة الطيران بقسنطينة، بالقول: سيدي الرئيس، أنا عندما زرت المحطة كان برفقتي جميع السلطات المحلية والأمنية والقضائية، وكانت صدمتي كبيرة، عندما تقدم شاب لعرض البطاقة التقنية للمشروع باستظهار ورقتين فقط، وهنا شعرت بالإهانة، خاصة أن المشروع توقف تماما، وبكل عفوية قلت لهم أن هناك مكتب الدراسات في عنابة وهو من سيحل المشكل.
القاضي: ما هي نسبة أشغال المشروع عندما عاينته لأول مرة؟
بوضياف: عندما وصلت على رأس الولاية، كانت نسبة الأشغال لم تتجاوز 15 بالمائة وعندما غادرت الولاية أصبحت 80 بالمائة، لأن الزيارات الدورية للرئيس كانت تجبرنا على الوقوف والإسراع من أجل تدشين هذه المشاريع.
القاضي: ما هي الميزانية المتبقية في المشروع عند وصولك؟
بوضياف: ليس لي علم بهذا وأنا علمت أن المشروع توقف لانعدام الإمكانات المالية، وكذا انعدام وجود متابعة لتنفيذه، وعلى إثر تلك الحالة أعطيت تعليمات إلى مدير التجهيزات العمومية من أجل التعاقد مع مكتب دراسات عمومي “GAT” بغرض إعداد دراسة وتنفيذ المشروع.
القاضي: ما هي مدة إنجاز المشروع المفترضة؟ أنت كنت على رأس الولاية لمدة 5 سنوات، وأنت وجدت المشروع قد مر عليه عامان ومع هذا لم يتم إنجاز المشروع في المدة المحددة، ما تفسيرك؟
بوضياف: سيدي الرئيس، لم يكن عندنا مكاتب دراسات في المستوى المطلوب، وكانت هناك مشاكل تقنية وكذا السيولة المالية، وعندما زرت المشروع قمت بالتنسيق بين مختلف المصالح.
القاضي: الأشغال الإضافية من بين الأسباب في زيادة قيمة المشروع.
بوضياف: لم أعط أي تعليمات أو أوامر بهذا الخصوص، ومع هذا فإن الجانب المالي تتكفل به المديريات المعنية منها النقل والتجهيزات والتعمير والبرمجة وكذا الميزانية، وهم الذين قاموا برفع وضعية المشروع إلى الوزارة الوصية ووزارة المالية من أجل المطالبة بأظرفة مالية لإعادة بعثه، وتمت الموافقة بقرار وزاري ومدير التخطيط أعد مقرر “التفرد”، وهو عبارة عن مشروع مقرر يتضمن إعادة التقييم وأنا كوال وقعت عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!