هل يتمكن الدبّ من إنقاذ الأسد؟
يبدو واضحاً من خلال تركيز أغلب الضربات الجوية الروسية على مواقع المعارضة المسلحة بمختلف فصائلها أكثر من التركيز على مواقع “داعش”، أن الهدف الأول للتدخل العسكري الروسي هو تمكين الجيش السوري من استعادة مدن ومساحاتٍ واسعة من الأراضي من أيدي المعارضة، وبالتالي فرض تسوية سياسية عليها في مرحلة لاحقة تقوم على أساس تقاسم الحكم والقبول ببقاء الأسد.
وتقول روسيا إنها لا تحارب سوى “داعش” و”النصرة” وحلفائهما من الجماعات الإسلامية المتشددة، وأنها لاتزال “تبحث” عن المعارضة “المعتدِلة” للتواصل معها وبحث كيفية التوصل إلى حل سياسي في سوريا، في حين أن الواقع يؤكد أن روسيا تستهدف كل فصائل المعارضة دون تمييز، بهدف تحجيم خطرها وإضعافها وإرغامها لاحقاً على قبول تسوية مع نظام الأسد.
وإلى حدّ الساعة، تسير الضرباتُ الجوية كما تشتهي روسيا؛ فخلال ثلاثة أسابيع فقط من التدخل، وجّهت الطائراتُ الروسية ضرباتٍ موجعة للمعارضة السورية أربكتها وقلّلت من قدرتها على التحرك بحرّية، ما مكّن الجيش السوري من شنّ هجمات واستعادة قرى عديدة منها في شمال حلب، وهو ما يعني أنه استعاد زمام المبادرة بعد أن كان في موقع دفاعي منذ أشهر وانسحب من مدن عدة أمام ضربات المعارضة للحفاظ على مدن أخرى.
وإذا استمرّت الأمور على هذا النحو، فقد لا تمرّ أشهر حتى يستعيد الجيش السوري معظم المدن والأراضي من المعارضة و”داعش” معاً، ما يمكّن النظام من فرض شروطه على المعارضة في أي مفاوضات قادمة. وهذه الحقيقة تدركها جيّدا الدولُ الإقليمية والغربية المسانِدة للمعارضة، ولذلك سارعت الطائرات الأمريكية إلى “إنزال” نحو 500 طن من الأسلحة والذخائر على مواقعها، كما قدّمت لها دولٌ إقليمية صواريخ نوعية مضادة للدبابات والمدرّعات، وهي تلوِّح بأن تقدّم لها أيضاً صواريخ متطورة مضادة للطائرات، لتكرار السيناريو الأفغاني في أواخر الثمانينيات؛ إذ تمكن المقاتلون الأفغان من إيقاع خسائر فادحة بالطيران السوفياتي بصواريخ “ستينغر” الأمريكية، ما ساهم في دحر الغزو السوفياتي لاحقاً.
ويبدو أن روسيا قد التقطت هذه “الرسالة” جيّداً، بدليل تكثيف اللقاءات والاتصالات مع قادة الدول الإقليمية والغربية قصد بحث حل سلمي للأزمة السورية بالموازاة مع تواصل غاراتها الجوية على مواقع المعارضة.
ويعني هذا الأمر، أن بوتين غير متشبّث ببقاء الأسد كرئيس لسوريا بالضرورة، حتى وإن استقبله في موسكو، وقد يضحّي به إذا توصّل إلى تفاهمات مع السعودية وتركيا وأمريكا وغيرها.. تتعلق بتفاصيل المرحلة الانتقالية ومآلاتها، وكيف يتقاسم النظامُ الحكم مع المعارضة ويتفرّغان لمحاربة “داعش” معاً، وصولاً إلى إجراء انتخابات عامّة تحت الرقابة الدولية، فهذه التفاهمات قد تُقدّم سُلمّ النزول من الشجرة لروسيا، وتضمن لها ديمومة مصالحها، سواء بقي الأسدُ أو رحل، وعدم ضياع سوريا منها كما ضاعت العراق وليبيا من قبل بسبب تراخي موسكو في نجدة نظاميْ صدام والقذافي.
قد تكون هناك تفاهماتٌ وتسوية في سوريا تُبقي نظامَها قائماً، بالأسد أو بدونه، وقد يستمرّ الوضع الراهن وتُجرّ روسيا إلى حرب استنزاف، وإذا كسبتها روسيا فستعزز مكانتها الدولية على حساب واشنطن وحلفائها، وإذا خسرتها، فستنتهي كقوةٍ كبرى كما انتهى الاتحاد السوفياتي منذ نحو ربع قرن.