الرأي

هل أصيب العرب بالجرب؟

عمار يزلي
  • 1473
  • 8
الأرشيف

الحساسيات العربية العربية، شعبيا وسلطويا، صارت هي المحددة للعلاقات بين الدول. ولأن العرب ليسوا دوما سمنا على عسل، وفي غالب الأحيان “أشقاء أعداء”، فهم يتخاصمون سياسيا وإعلاميا، ويتسامرون ويتضاحكون أحيانا في خلواتهم. نفاق من نوع عربي صرف. كان اللبنانيون أيام الحرب الأهلية هم من ابتدعوها: الكتائب والمقاومة، يلتقون ليلا للشرب والسمر، وفي النهار، الأربيجي والرشاشات المضادة للطائرات المحمولة على شاحنات.. وتعال أنت تفهم العبثية.. القاتلة.

في مؤتمرات القمم، التي عادة ما كانت تسقط في الحضيض بسبب خلافات كلامية وتصريحات جانبية دفاعية مدفعية، لا تفهم أحينا حتى دوافعها، ومنها الحرب الكلامية التي نشبت بين القذافي أيام عزه، مع الراحل الملك فهد، بسبب كلمة عادية قالها الراحل القذافي. الكلمة فهمها الملك فهد على أنها حط من قيمته، لما قال القذافي: “الملك فهد مسكين..”، وراح يشرح كيف أن الملك فهد بحسن نية فعل كذا.. مثلما نقول نحن في المغرب العربي: “ربراب أو حداد.. مسكين.. راه مريض”، فهو من باب التعاطف لا من باب الإذلال والإنقاص من القيمة. الملك فهد، فهمها على غير ما نواها القذافي، فنشبت بينهما حرب ومشادة كلامية في عز القمة.. الهابطة.. ولولا تدخل الرؤساء والوساطات ومترجمي اللهجة المغاربيين، لوصلت الأمور إلى الحضيض، خاصة أن العلاقات الليبية السعودية لم تكن دائما “نوتيلا على خبز”.

هذه الحساسية المفرطة، تعود هذه المرة من نفس القاعة، لكن هذه المرة ليس على مستوى القمة.. بل على مستوى وزراء الخارجية وممثلي الدول العربية في الجامعة العربية في القاهرة قبل أسبوع.. وهذا عندما راح وزير الخارجية العراقي يتحدث عن معنى العدل والمنطق في حرب اليمن واستشهد بقصة بلقيس ملكة سبإ مع الملك النبي سليمان.

استدل وزير الخارجية العراقي، الذي هو نفسه كان قد تحسس من هتافات أنصار مقابلة في الجزائر تقول: “الله أكبر صدام حسين”، حتى وصل به الأمر أن طلب اعتذارا رسميا وأن يقوم وزير الخارجية الجزائري بزيارة إلى بغداد.. ربما لوضع تفاهمات مستقبلية: غلق أفواه المشجعين الجزائريين أمنيا وسياسيا.

وزير الخارجية العراقي نفسه، يلوم ممثل السعودية على التحسس من القرآن.. ومن الآية التي استشهد بها على لسان الملكة بلقيس التي فضلت إدارة الأزمة بحكمة يمنية فريدة في التاريخ على رأي الجعفري.. فقال مستشهدا بقول بلقيس: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”، ولهذا اقترحت عليهم إرسال هدية إلى سليمان.. أي حلا ديبلوماسيا. ممثل السعودية، لم تعجبه هذه الآية، التي رأى فيها تحاملا على الملك سلمان.. رغم أنه “سلمان” وليس “سليمان”..

نفس المتحسس، لا يتحسس من كلام يتحسس منه الآخرون. هذا تحسس من شعار “الله أكبر.. صدام حسين” وذلك تحسس من آية قرآنية، وآخر تحسس من كلمة “مسكين”، ونفس المملكة تتحسس من تيفو رياضي قبل أشهر، ونحن تحسسنا من كلمة من حفتر تافهة لا يرد عليها أصلا.. والمصريون قد يتحسسون منا لو قلنا في الماتش عن السيسي: CC…P.. رغم أننا نقصد به صندوق البريد.. وليس السيسي بوليسي.. والمغاربة يتحسسون منا ونحن نتحسس من المغاربة لسبب لا يليق حتى أن يذكر..

نحن نعيش حالة تأزم نفسي، إن على مستوى السلطة والأنظمة وإن على مستوى الشعوب المأزومة، التي تعيش ضغوطا نفسية رهيبة ناجمة عن كل الضغوط.. المنجمية..

نحن أعواد كبريت، يكفي أن نحتك مع سطح خشن.. لنشتعل.. لقد صرنا أعواد زلاميط، تشتعل حتى بحكها مع الحذاء.. كما يفعل الكاوبوي.. لهذا، لا تحكوا.. فليس كل من يحك…يربح..

مقالات ذات صلة