الرأي

هل باع الإسلاميون مبادئهم؟

حسين لقرع
  • 1023
  • 13

يتّفق معظم المحللين والمتابعين المنصفين وقادة الحركات الإسلامية في مختلف الدول، على أنَّ هرولة حزبِ العدالة والتنمية المغربي، ذي التوجُّه الإسلامي الإخواني، نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو أشدّ إيلاما وتأثيرا من تطبيع المخزن؛ فقد تعوّدت الشعوب على خذلان أنظمتها لفلسطين، ولم تعُد ترجو منها خيرا أو نفعا لها، لكنّها لم تتعوّد على انبطاح الأحزاب الإسلامية التي كانت تعلّق عليها آمالا كبيرة بأن تقودها يوما في معركة تحرير المقدّسات، مهما طال الزمن.

منذ قيام “دولة” الاحتلال سنة 1948، والإسلاميون في شتى أنحاء العالم يرفضون وجودها ولو على جزءٍ صغير من تراب فلسطين، ويدعون إلى الجهاد لتحريرها من النهر إلى البحر، ويرفضون قيام أيِّ شكل من أشكال العلاقات مع الكيان الغاصب، ويخاصمون حكوماتِهم من أجل ذلك، حتى أنّ إسلاميي مصر هم الذين اغتالوا الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 بسبب إقدامه على توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني في مارس 1979، وهو ما رأوه تجاوزا للخطوط الحُمر وخيانةً لفلسطين وتخليا عن القدس والمسجد الأقصى.

 اليوم يختلف الوضع ولم يعُد يقتصر الأمر على تطبيع الأنظمة، بل بدأ يمتدّ إلى الأحزاب الإسلامية أيضا، والبداية بتركيا التي يحكمها “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي منذ عام 2002، والتي طعنت الفلسطينيين في الظهر وأعادت العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني في جويلية 2016 بعد قطيعةٍ دامت سبع سنوات، وصولا إلى حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المغربي الذي يتولى زمام الحكومة؛ إذ قبل رئيسُها سعد الدين العثماني توقيع اتفاق التطبيع مع مائير بن شاباط، الشهير بجرائمه ضدّ فلسطينيي غزة في حرب صيف 2014، لينكص بذلك على عقبيه بعد أن كان قد انتقد بشدّة، منذ نحو شهرين فقط، تطبيع الإمارات والبحرين، وقد رأينا أيضا قادة هذا الحزب، وفي مقدّمتهم عبد الإله بن كيران، يستميتون في الدفاع عن الخيانة و”يجتهدون” في تبريرها، ولم ينسحب من الحكومة وزيرٌ إسلاميٌّ واحد احتجاجا على هذا التحوّل المأساوي الذي يتعارض تماما مع “مبادئ” الحزب و”قناعاته”!

الموقف المخزي لإخوان المغرب، أحرج هذا التيار في العالم كله، وجعله عرضة لسهام العلمانيين الذين استغلّوا الفرصة للطعن في الإسلاميين ووصفهم بـ”الانتهازيين” و”المنافقين” الذين يتاجرون بالدين ولا يتردَّدون في بيع مبادئهم خلال وصولهم السلطة وتذوّقِ ريوعِها وامتيازاتها، برغم أنّ إسلاميي المغرب ليسوا كلهم على دين ملكهم؛ فهناك موقفٌ قويّ اتَّخذته “جماعة العدل والإحسان” المغربية المعروفة التي رفضت قطعا هرولة “أميرِ المؤمنين” وحزبِ العدالة والتنمية، كما أنّ الشيخ أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو مغربيٌّ معروف، جدّد موقفه الرافض لتطبيع المخزن وحزب العثماني وأكّد أنه “محرّمٌ وباطل ويعدّ خذلانا للشعب الفلسطيني الشقيق وتواطؤا ضدّه وغدرا به، وتنازلا فعليا عن المسجد الأقصى المحتلّ، وتشجيعا للاحتلال على الاستمرار في اغتصاب الأراضي المحتلة”.

صحيح أنّ تطبيع إسلاميي المخزن آلم الشعوبَ العربية والإسلامية، والتيارَ الإسلامي الإخواني في العالم، ولكنه موقفٌ معزول أدانه أقطابُ هذا التيار نفسه قبل غيرهم، وتعالت الأصوات المندِّدة به في مختلف البلدان، ثم إنّ حركتي “حماس” و”الجهاد” الإخوانيتين تقودان مقاومة الشعب الفلسطيني بغزة بكلّ ثباتٍ وصبر واستعداد لتقديم المزيد من التضحيات، لذلك يبدو الحديثُ عن أن الإسلاميين لا يتردَّدون في بيع مواقفهم ومبادئهم مقابل الحكم وامتيازاته، تعميما مُغرِضا هدفه ضرب تيار الإخوان كله وتحميله وزر هرولة “العدالة والتنمية” في المغرب، وكأنّ التيار كلَّه قد انبطح وخان، في حين أنّه لا يزال يحمل آمال هذه الأمة في المقاومة إلى غاية تحرير الأراضي والمقدّسات، ولن يضرّه في ذلك تخاذلُ أحدٍ أو انبطاحُه وخيانته.

مقالات ذات صلة