الرأي

هل تتغلب لغة شكسبير على لغة موليير في الجامعة الجزائرية؟

محمد بوالروايح
  • 1782
  • 26
ح.م

أودُّ أن أقول بادئ ذي بدء إن العنوان قد يثير استغرابا واستنكارا من بعض الذين يدعون الغيرة على لغة الضاد وربما يتهمنا بعضهم ظلما وجهلا بأننا نمجد لغة الإفرنج على حساب لغة القرآن الكريم، وهم مخطئون في ذلك بيقين لأننا شببنا على حب لغة الضاد منذ نعومة أظفارنا ولا نرضى لأيِّ لغةٍ أن تحل محلها أو تنازعها. هذا اعتقادنا أو بالأحرى عقيدتنا الفكرية التي لا تتزعزع، فنحن نحرص في جولاتنا العلمية في الجامعات الأوروبية والأمريكية على بيان ثراء اللغة العربية وعلى كشف حجم ما اقتبسه واختلسه الأوروبيون من القاموس اللغوي العربي في سنوات احتكاكهم واختلاطهم بالعرب والمسلمين.

لكن هناك حقيقة يجب ذكرُها على مرارتها وهي أن قوة اللغة من قوة الأمة وأمتنا العربية والإسلامية -إلا من رحم- تعيش منذ قرون في قطيعة مع لغتها وتراثها ودينها حتى انتهت الآن إلى حالةٍ من الهوان لا تُحسد عليها. إن الشجاعة الأدبية تحتِّم علينا الإقرار بأننا لسنا جديرين بلغة الضاد، فالمشاعر العاطفية الجوفاء اتجاهها ليست إلا تصنُّعا وتكلفا وقفزا على الواقع المرّ الذي نعرفه جميعا؛ فاللغة اليابانية ليست شيئا مذكورا في سلم ترتيب اللغات العالمية ولكن عبقرية العقل الياباني استطاعت أن تخرج هذه اللغة من ضيق المعابد إلى سعة المعاهد عبر العالم، وعلينا إن كنا صادقين في حبنا للغة الضاد أن نناضل من أجل سيادتها وريادتها اقتداء على الأقل باليابانيين.

أعجبت أيما إعجاب بحرص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إيلاء الأهمية الأولى، وللمرة الأولى في تاريخ الجامعة الجزائرية، للغة الإنجليزية وخاصة في مجال البحث العلمي، وكتبت تثمينا لذلك مقالا مقتضبا على صفحتي على “الفايسبوك” عن مزايا اعتماد اللغة الإنجليزية والتي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- الحل الجذري لمشكلة النشر العلمي ذي الصبغة العالمية والذي شكَّل لسنوات كثيرة سببا مباشرا في تدني موقع الجامعة الجزائرية في التصنيف العالمي للجامعات، لأن أكثر المجلات والأبحاث المعتمدة في هذا التصنيف تصدر باللغة الإنجليزية.

2- تسهيل اندماج الباحثين الجزائريين في مراكز وورش البحث العلمي العالمية التي تتوفر على عددٍ هائل من الوثائق والمصادر البحثية في المجالات المعرفية المختلفة، سواء المكتوبة ابتداءً باللغة الإنجليزية أو تلك المنقولة والمترجمة إليها من لغاتها ومصادرها الأصلية.

3- تبرز أهمية اللغة الإنجليزية من خلال معدلات الاعتماد العالية عليها في البحث العلمي في الجامعات الفرانكفونية التي تمثل الفرنسية لغتها الأصلية وفي مقدمتها بعض الجامعات الفرنسية العريقة والمرموقة مثل جامعة السوربون.

قرأتُ مقالا بجريدة “الشروق اليومي” للسيد “فضيل سعيد” مفتش مركزي سابق بوزارة التربية الوطنية بعنوان: “الإنجليزية لغة البحث العلمي والتطوّر التكنولوجي” وقد استوقفتني في آخر مقاله هذه العبارة: “.. بعد سرد هذه المعلومات والأحداث فيما يخصُّ اللغة الإنجليزية وأهميتها في دول العالم ومقارنتها باللغة الفرنسية يتضح الفرق شاسعا، أليس الأحرى والأولى بنا ومن حقنا تبني مشروع اعتماد الإنجليزية لغة أولى أجنبية بدلا من الفرنسية وبذلك نحيي المشروع السابق الذي دُفن وهو حي ظلما وخيانة من قبل أتباع فرنسا التي مازالت تعمل بكل الوسائل لتغيير لغة وهوية الشعب الجزائري التي ضحى من أجلها مليون ونصف مليون شهيد”؟.

جميل أن نعدِّد محاسن اللغة الإنجليزية في مجال البحث العلمي والتطوّر التكنولوجي، ولكن تبرير تفضيل اللغة الإنجليزية على اللغة الفرنسية بأن هذه الأخيرة هي لغة المستعمِر الذي سعى في خراب مقوّمات الهوية الجزائرية يوحي بأن اللغة الإنجليزية بمفهوم المخالفة هي لغة صديقة برغم أن فرنسا وبريطانيا التاريخيتين كلاهما يحملان مشروعا استعماريا احتلاليا وقد يختلفان في المنهج والوسيلة ولكنهما يتفقان في الغاية وهي التمكين للغتهما القومية ولا تهمهم العربية ولا أهلها في شيء “فما حكّ جلدك مثل ظفرك”.

فتحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بوابة خاصة على موقعها الإلكتروني خصصت لما سُمِّي “سبر الآراء حول اعتماد اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي”، وبغضِّ النظر عن جدوى ونتيجة سبر الآراء هذا أقول إن القضية الجوهرية في نظري تتجاوز مجرد سبر الآراء إلى سبر حجم الخبرات والكفاءات الجزائرية المتكوِّنة والمتمكِّنة من اللغة الإنجليزية والتي يُعوَّل عليها -في حالة اختيار اعتماد اللغة الإنجليزية- للاضطلاع بمَهمَّة التكوين ووضع البرامج وغيرها، إن تكريس العملية ليست بالمهمة السهلة كما يتصوَّرها البعض بل هي مهمة معقدة دونها عملٌ مضن ومنظم، والأسباب في ذلك واضحة جلية لا تُخفى على الضالعين في هذه القضية، ويمكن أن أذكر بعضها فيما يأتي:

1- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها هي أن المدرسة الجزائرية والجامعة الجزائرية قد أسِّستا على اللغة الفرنسية كلغة ثانية في المجال التعليمي والتكويني، وقد أفرز هذا نسبة لا يستهان بها من المتكونين باللغة الفرنسية، وليس من السهل عمليا نقلهم أو انتقالهم من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية، فهم يحتاجون إلى فترة طويلة من التكوين للتمكن من التعامل مع الوافد اللغوي الجديد.

2- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها هي أن إدارات ومؤسسات التعليم العالي تتشكل من نسبة غالبة من المتكونين باللغة الفرنسية، بدليل أن جل المراسلات الرسمية تتم بهذه اللغة، ولذلك ليس من السهل التخلص من هذه التركة اللغوية وتغيير اللغة والوجهة اعتمادا على نتيجة سبر الآراء من دون التفكير مليا في تجاوز هذه المعضلة بخطة مدروسة ومحكمة.

3- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها أن نسبة توظيف اللغة الإنجليزية في البحث العلمي في المخابر والمجلات العلمية التي تصدرها مؤسسات التعليم العالي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية على سبيل المثال، ويكفي للتدليل على ذلك أن جل إن لم تكن كل مؤسسات التعليم العالي في دول الخليج والشرق الأوسط تشترط على الأساتذة المتعاقدين معها من الدول الأخرى إجادة اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إقصاء الكادر العلمي الجزائري لعدم تمكُّنه من اللغة الإنجليزية أو عدم كفاية قدراته اللغوية في مجال اللغات الحية وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية.

4- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها أن بعض المشرفين أو المنتسبين إلى مؤسسات التعليم العالي يعانون ممّا يمكن تسميتُه “الأمية اللغوية” بسبب جهلهم أو عدم إجادة كثير منهم لأكثر من لغة عدا اللغة العربية وبشقِّ الأنفس، فأنَّى لنا أن نفكر في تعميم استعمال اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي وبعض منتسبيها يعانون فقرا لغويا ظاهرا في هذا المجال؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه.

5- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها أن الجزائر لا تتوفر على نسبة كافية من معاهد التكوين المتخصِّصة في اللغات الأجنبية التي يمكنها توفير الإطار المكون في حالة اعتماد اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي، وما يوجد منها ومعها مراكز التعليم المكثف للّغات ليست في حقيقة الأمر إلا مراكز لمحو الأمية اللغوية لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ولا تصلح أن تكون أقطابا يُعتَمد عليها في تفعيل مشروع اعتماد اللغة الإنجليزية.

6- من الحقائق التي لا مجال لإنكارها أن نسبة كبيرة من المتكوّنين والمكوّنين في مؤسسات التعليم العالي يعانون من جهل فظيع في مجال اللغات بما فيها اللغة الإنجليزية، وأن أكثرهم يجد صعوبة في ترجمة مقال مكوَّن من عباراتٍ معدودة إلى اللغة الإنجليزية، ومن يفعل منهم لا يسلم في الغالب من أخطاء لغوية فادحة بالجملة.

مقالات ذات صلة