-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تُدحرَجُ الفرنسية إلى التعليم المتوسط؟

حسين لقرع
  • 8130
  • 0
هل تُدحرَجُ الفرنسية إلى التعليم المتوسط؟

كنّا نتوقّع أن لا يُنفَّذ قرارُ إدراج اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي إلا بعد عام على الأقل، أو عامين، قصد استكمال الاستعدادات في شتى الجوانب، وفي مقدِّمتها وضع البرامج والمقرِّرات التي تتناسب والقدرات الاستيعابية المحدودة لتلاميذ في سنّ الثامنة، وطبع الكتب، وتكوين العدد الكافي من أساتذة المادة؛ من خرّيجي معاهد الانجليزية أو الترجمة بالجامعات…

لكنّ السلطات قررت أخيرا الشروع في تدريس الإنجليزية انطلاقا من الموسم الدراسي القادم الذي سيبدأ بعد شهر واحد فقط من الآن، وهو وإن كان قرارا مفاجِئا، فإنّه يدلّ من جانب آخر على مدى جدّية السلطات في تنفيذ قرارها، ودحض كلّ الشكوك التي أثيرت بشأن الموضوع في الأسابيع الماضية، ولاسيما حينما تحدّثتْ عن إنشاء “لجنة خبراء ومختصين” تقوم بـ”دراسة عميقة” حوله؛ إذ ارتفعت أصواتٌ تشكيكية عديدة تقول إنّ إنشاء هذه اللجنة من دون تحديد آجالٍ زمنية لإكمال أشغالها هو بدايةٌ لقبرِ المشروع في المهد.

وما دام القرارُ سيُنفَّذ في سبتمبر المقبل، فالأرجح أن يكون التنفيذُ تدريجيًّا ويشمل، في مرحلة أولى، مدارسَ نموذجية في عددٍ محدود من ولايات الوطن، قصد رصد مدى نجاح التجربة، وهنا ننصح القائمين على شؤون التربية في بلادنا بالاستعانة بتجربة وزير التربية الأسبق الدكتور علي بن محمّد في تدريس الإنجليزية بداية التسعينيات، لتحقيق انطلاقةٍ جيّدة، وهي تجربة –على قِصَر مدّة تنفيذها- إلا أنّها بدأت نتائجَ مشجّعة آنذاك، ما دفع التيار الفرنكوفيلي المتغلغل في دواليب الدولة، إلى تنفيذ مؤامرة تسريب البكالوريا في جوان 1992 لاستهداف الوزير بن محمد وإفشال تجربته الواعدة والإبقاء على الوضعية الاحتكارية للغة الفرنسية، ونجحت في مؤامرتها للأسف وأجهضت التجربة في المهد وفوّتت على أجيال عديدة فرصة تعلّم الانجليزية في سنٍّ مبكّرة.

اليوم بدأ الوضعُ يتغيّر تدريجيّا والحمد لله، وبدأنا نسمع خطابا رسميّا يؤكّد أن الفرنسيةَ مجرّد “غنيمة حرب” والإنجليزيةَ هي اللغة العالمية الأولى؛ لغةَ العلم والتيكنولوجيا والاقتصاد والتواصل بين شعوب الأرض، ولابدّ من تدريسها لتلاميذ الابتدائي لكي يمتلكوا ناصيتها بدل دحرجتها إلى التعليم المتوسط للإبقاء على هيمنة الفرنسية كما فعل التيارُ الفرنكوفيلي طيلة 60 سنة كاملة من تاريخ الجزائر المستقلة، لأنها أداتُه الفاعلة للاستمرار في السيطرة على مقدرات البلاد.

وبالمناسبة، ينبغي أن نثير مجددا مسألة مهمّة، وهي: هل يدرس تلاميذُ الابتدائي إجباريًّا اللغة الانجليزية جنبا إلى جنب مع الفرنسية؟ أم نترك لأوليائهم الخيارَ بين أن يدرس أطفالُهم الإنجليزية أو الفرنسية؟ أم نقوم بعمليةٍ عكسية لما هو حاصلٌ الآن، فنُدرِج الانجليزية إجباريًّا في الابتدائي، بدءًا من السنة الثالثة، وندحرج الفرنسية إلى الأولى متوسّط؟

منطقيًّا، لا يمكن أن نساوي بين “غنيمة الحرب” التي تتقهقر باستمرار في الدول الفرنكفونية بل حتى في عقر دارها، والانجليزية التي أضحت اللغة العالمية الأولى بلا منازع، ولعلّ جعل المسألة اختيارية هو استمرارٌ في مجاملةٍ لا معنى لها للتيار الفرنكفيلي، كما لا يمكن أن ندرِّسهما معا إجباريًّا لتلاميذ الابتدائي، لأنهم سيجدون أنفسهم يدرُسون ثلاث لغات: العربية والفرنسية والإنجليزية، وربما لغة رابعة أيضا وهي الأمازيغية، وهذا “الازدحامُ اللغوي” يعني بوضوح إرهاقَ عقول أطفالنا الصغار، وإرباكَهم وتشويش أذهانهم، وإشعارَهم بالضغط وربما قلة الحيلة والعجز، ما يجعل درجة استيعابهم للّغتين ضعيفةً، ومن ثمّة يكون مصير هذه التجربة الفشل الحتمي.

لا نعتقد أنّ هناك بلدا واحدا في العالم يفعل هذا بأطفاله.

إذا كنّا نريد دخول العالمية، فيجب أن يكون ذلك من باب الاتجاه مباشرة إلى إحدى أدواتها الفاعلة وهي الإنجليزية، لغة العلم والتيكنولوجيا والتواصل، وتدريسها وحدها في الابتدائي ولو بعد سنواتٍ من الآن؛ أي بعد استكمال التحضيرات وتوفير كل الشروط والإمكانات، وتأخير تدريس الفرنسية إلى التعليم المتوسط.

هذا هو القرار الصحيح الذي ينبغي أن يفرض نفسه بكلّ شجاعة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!