-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل سيقهر العلاجُ المناعي داء السرطان؟

لمباركية نوّار
  • 1029
  • 3
هل سيقهر العلاجُ المناعي داء السرطان؟
ح.م

من يمسح ببصره مسح استبصار وتطلع لوائح العلماء الفائزين بجائزة نوبل في الطب في السنوات الأخيرة يهتدي للوقوف على حقيقتين جوهريتين اثنتين، أولاهما هو بسط الولايات المتحدة سيطرتها على صدارتها بسطا مستمرا عن جدارة. وثانيهما الحضور الياباني وما يخفيه من إصرار مغلف بعناد.

في سنة 2015م، برز اسم العالم الياباني يوشينوري أوسومي، ثم تبعه مواطنه يوشينوري أوهسومي في سنة 2016م إثر تقديمه إضافات اكتشافية ثرية أغنت مفهوم: “الالتهام الذاتي” بمواصفات جديدة ساهمت في توسيعه من بعد توصله إلى تحديد الجينات المسؤولة عن هذه الظاهرة الخلوية المعقدة. وفي السنة الجارية (2018)، تمكن عالمٌ ياباني ثالث هو تاسوكو هونجو من فرض وجوده ومقاسمة الجائزة العالمية مناصفة مع الأمريكي جيمس أليسون. ولا يفسَّر الحضور الياباني المكثف إلا بوجود نهضة واعدة في مجال الطب البشري في هذا البلد صاحبت النهضة الاقتصادية الباهرة التي جعلت منه ثالث قوة ضخمة بين الدّول. وتجدر الإشارة إلى أن أليسون وهونجو سبق لهما أن فازا في عام 2014م بجائزة “تانغ” التي تُعتبر المرادف الآسيوي لجائزة نوبل على أبحاثهما.

لعبت مساهمة اليابان أدوارا رائدة في مجال الصحة العالمية، فقد كان للأطباء اليابانيين دورٌ فعال عندما تم التخلص من مرض الجُدَري في سنة 1980م لما عاود التفشي كوباء قاتل في سنة 1978م. كما تجندوا لمكافحة مرض شلل الأطفال ومحاصرته. ولم يتخلفوا عن مقاومة أمراض الإيدز “السيدا” والسل وحمّى المستنقعات “الملاريا”.

يتعرض جسم الإنسان منذ ولادته، وعلى مدار ساعات عمره، إلى تهديدات واختراقات تتسبب فيها العوامل الممرضة الغريبة كالفيروسات والميكروبات والفطريات، وغيرها. ومن يقوم بإحباط عمليات الغزو المتكررة هي العناصر المناعية التي تقف في وجهها بالمرصاد، ولا تتواني في صدها، وإرجاعها القهقرى على أعقابها. كما ترمي أدوات المناعة ببصرها على ما يجري في داخل الجسم من حالات شذوذ مُقلقة وانحراف مُمرض، فتبادر إلى إرجاعها إلى طبيعتها أو القضاء عليها والتخلص منها. ولا يمرض الجسم إلا إذا تراجعت الحراسة المناعية وأصيب بالتردي والانطواء.

تمتاز عناصر المناعة بالكثرة والتنوع والتخصص أحيانا. ومن أولى أدواتها الجلد الذي يحيط إحاطة كاملة بالجسم. وحتى القرنية التي تغطي العين من الأمام تعتبر امتدادا للجلد في صورته الشفافة. وتبلغ مساحة الجلد عند الإنسان البالغ المعتدل مترا مربعا ونصف المتر. وتساهم الأخلاط والسوائل التي يفرزها الجسم كالدموع ومخاط الأنف واللعاب بدورها الدفاعي. ويستحوذ علم المناعة بشقيها الطبيعية والمكتسَبة، اليوم، على مكانة مرموقة في العلوم الطبية. وتعود الدفعة القوية التي جعلته يتقدم إلى الممارسة البسيطة التي أجراها الطبيب الإنجليزي “إدوارد جينر” بعد أن لاحظ أن النساء حالباتِ الأبقار اللائي يصبن بجُدري الأبقار لا ينال منهن فيروس الجُدري البشري، مما أوحى له أن الإصابة الأولى تكسب الجسم مناعة وعصمة تُعجزان الفيروسَ المهاجم وهو في ذروة شراهته. وأما آخر العناصر الدفاعية في الجسم فهي الخلايا المناعية التي تنتقل بفضل الدم. وإن درجة تعقيد الوسائل المناعية شكلا ووظيفة جعل العلماء يطلقون على مجموعها اسم: الجهاز المناعي.

قرن العالمان الأمريكي والياباني اللذان كانا ينسِّقان معا خلاصة أعمالهما في محاربة مرض السرطان الذي يدعوه الناس بالمرض الخبيث. وهو داءٌ عضال يتسلط على كل أنسجة الجسم، ولا يتردد في الفتك بها مع الانتشار العشوائي والفوضوي، وينتج من تمرد بعض خلايا الجسم عن النظام الطبيعي ومخالفتها للنواميس لأسباب متعددة ومتداخلة، وعلاجه مكلف ويتطلب متابعة مستمرة. وقلما ينجو من يصيبه، وينفك من قبضة يديه سالما. ومن الصدف التي ألهمت الباحثيْن على الاهتمام بهذا الموضوع والتوجه للبحث فيه هو أن العالم الأمريكي أليسون فقدَ والدته لما كان في العاشرة من عمره بعد أن أصيبت بسرطان الغدد اللمفاوية، وفُرض عليه اليتم. أما الباحث الياباني، فقد رُزئ في أحد أصدقائه الذي غدر به سرطان المعدة.

من بين أهم العناصر المناعية في الجسم الخلايا التائية التي تتميز إلى عدة أصناف حسب الدور الذي تؤديه في الجسم. وما الخلايا التائية سوى كريات دموية بيض تجوب الجسم مع تيار الدم. وتتشكل هذه الخلايا في الغدة الزعترية أو الصعترية، وهي غدة صماء ملتحمة بالقصبة الهوائية. وتقبل هذه الخلايا التعديل بعد المعالجة المخبرية بما يسمح لها بتوسيع دائرة أهدافها كالانقضاض على الأورام السرطانية وإبادتها، والتخلص منها مما يعني محاصرة انتشار الداء، وتوقيف تمرد الخلايا التي انفلتت من سيطرة الجسم. وتبدو هذه الخلايا، أحيانا، وكأنها مكبَّلة بقيود مانعة ومعرقِلة. وقد انصبَّت أعمال العالمين أليسون وهونجو على تحرير أو إطلاق قدرة الجهاز المناعي على مهاجمة الخلايا السرطانية من خلال فك المكابح عن الخلايا التائية المناعية، وتخليصها من الأغلال التي كانت تثقل معصمها، وتمنعها من المهاجمة والمقاومة. ولا مفرَّ من تكسير قيود الخلايا المناعية حتى تتمكن من افتراس الخلايا التي أعلنت العصيان. وهذا ما عبَّر عنه العالم الأمريكي أليسون في قوله: (سنطلق العنان لجهاز المناعة حتى يندفع لمواجهة السرطان بشكل شامل في مختلف أجزاء الجسم التي طالتها الخلايا السرطانية).

لكي يتسنى للخلايا التائية الدفاعية القضاء على خلية تظنها معادية ومرعبة، فإن بعض لواقطها البارزة منها تلتحم بجزء من سطح الخلية لتي يراد تدميرها. وقد اكشف العالمان أن بعض المواد من طبيعة بروتينية داخل الخلايا التائية تقوم بعرقلة إتمام هذه العملية وتثبيطها، وبذلك يظهر العياء والكسل عليها، ولا تزحف نحوها لتحطيمها. وقد عرفت هذه المواد البروتينية اللاجمة، وقوبلت برموز تمثلت في حروف لاتينية وأرقام هي بمثابة أسماء لها تُعرف بها.

مع الاعتراف بالخطوة العملاقة الذي جاء به هذا الفتح الطبي إلا أن طريق البحث ما تزال طويلة ومُجهدة. وفي هذا السياق كتب أحد المواقع الإلكترونية الذي يهتم بشؤون الطب البشري ما يلي: (تكللت الجهود التي أنفق فيها الباحثان أكثر من ربع قرن بطعنة نافذة أسدياها إلى السرطان، ويتوقع أن يعقبها المزيد منهما ومن غيرهما في الشهور والسنوات التالية. ولا يدَّعي أحد أن ما توصل له الباحثان هو العلاج المانع للسرطان، وإنما هو فصلٌ بارز في سياق باب واعد في مجال محاربة السرطان، وهو العلاج المناعي للسرطان الذي تتعلق به آمال العاملين بالحقل الطبي والبحثي كافة والمشتغلين بقضية السرطان على وجه خاص في علاج السرطان جذريا وتفادي الآثار الجانبية الخطيرة لأغلب العلاجات الأخرى القائمة خاصة العلاجات الكيمياوية).

يتصف مرض السرطان بسجلٍّ تاريخي قديم، فقد عرف منذ زمن بعيد، وكان المصريون القدامى هم أول من أشاروا إليه في بُردياتهم. ولكن التفكير في التقنية العلاجية المتوصل إليها من طرف العالمين الأمريكي والياباني لم يبدأ الاشتغال عليها مخبريا إلا في تسعينيات القرن المنصرم. وفي البدء نجح جيمس أليسون في اكتشاف مضاد جسم (ومن الخطأ أن يقال: جسم مضادّ) يعمل مخالفا لمثبطات الخلايا التائية مما يفسح أمامها المجال للعمل في طلاقة. وبالموازاة مع ذلك، اكتشف العالم الياباني هونجو مضاد جسم آخر يستطيع قهر مادة بروتينية أخرى معرقلة في نفس الخلايا. وشُبهت هذه المثبطات بمكابح السيارات. وللوقوف على أهمية ما حققه العالمان، يمكننا القول إنَّه قبل ظهور هذا الاكتشاف، كان علاج السرطان محصورًا بين الجراحة والإشعاع والعلاج الكيماوي. أمَّا الآن فقد أدى عملهما إلى الحصول على طريقة رابعة من العلاج تعتمد على تسخير نظام المناعة، أو ما يسمى بالعلاج المناعي. وهو علاج لا يستتبع أضرارا جانبية إلا في حالة ما إذا تحفزت الخلايا التائية تحفيزا قويا يولد فيها إقبالا وشراهة على التهام حتى الخلايا السليمة في الجسم. وقد شرع العالم هونجو في تطبيق هذه الطريقة العلاجية على البشر منذ سنة 2012م، وأعطت نتائج مشجعة حتى مع بعض الحالات الميؤوس منها، والتي تجاوز أصحابها الخط الأحمر. وينبغي الإشارة إلى أن الآليتين منفصلتان عن بعضهما من حيث كيفية العمل ولكنهما متكاملتان؛ لأن العنصر الكابح الذي اكتشفه العالم أليسون يختلف عن مثيله الذي ضبطه العالم هونجو. والفعالية العلاجية الاستثنائية والمثلى لا تتحقق إلا باشتغالهما معا وتعاضدهما.

ما يزال العلاج المناعي لمقاومة داء السرطان في بداية طريقه. ولا يمكن الحكم على جدواه وفعاليته قبل أن يُعمَّم استعماله وينتشر على نطاق واسع، وتأتي حصائد نتائجه مطمئنة ولا تتسبب في آثار جانبية تتعب المصاب، وتزيد من بلواه وتضاعف من محنته. ومع ذلك، فإن هذا الاكتشاف سيجد مكانه في المناهج التعليمية للدول المتقدمة في أقرب وقت لتحقيق التحاين والمسايرة التي لا تعرف لها المقررات الدراسية في الدول المتخلفة سبيلا، ولا تلتفت إليه إلا عندما يصبح جزءا من الماضي البعيد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عبد الرحيم خارج الوطن

    ربي يشفيك يا اخي و يشفي جميع مرضى المسلمين و يعافينا...و ان شاء الله يساهم هذا العلاج في علاج الناس...و شكرا على هذا المقال فقد صرنا نتوق لقراءة مقال علمي او ديني او اقتصاي يتناول موضوعا ما بالتحليل و الموضوعية...فقد كرهنا من الموضوعات التي تتناول الامور بتهويل سواء سلبا او ايجابا

  • ابراهيم

    مقال شيّق ، ممتن جدّا ?

  • حيدر

    السلام. هذا العلاج سوق يكون متوفر في الجزاءر. ابتداءا من جانفي 2019. في خمسة ولايات. وهي. الجزاءر. بليدة. الواد. قستطينة. وهران. ادعولي بالشفاء. اخوكم مريض بالسرطان. و السلام